هل هناك خشية أمريكية من الجهد الراهن لبناء تحالف عربي فاعل بقيادة السعودية؟

تواجه الولايات المتحدة سياسات القوة العبثية لطهران في المنطقة، وتعزيز حضور روسيا في شرق المتوسط، إلى جانب الحيرة الأمريكية حول تصاعد بناء تحالف عربي فاعل بقيادة السعودية، بعدما أدركت السعودية أن الولايات المتحدة لم تقدر الدورين السعودي والمصري زمن الحرب الباردة بما تستحقه من تقدير من قبل النخبة الأمريكية، بل إن الولايات المتحدة تركت فراغا سياسيا في العراق ملأته إيران بسبب أنها لم تقم نظام أسياسيا له علاقة بالديمقراطية بل بالفوضى التي خلقت داعش وتمدد من العراق إلى سوريا والآن تمدد إلى ليبيا بل كانت الولايات المتحدة السبب في تدمير سوريا عندما سمحت لروسيا بالتحالف مع إيران وحزب الله والنظام السوري .

هناك قلق أميركي تجاه الدور الصاعد للسعودية التي قادت تحالفات على مختلف الأصعدة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، استطاعت أن تلعب فيه السعودية ومصر أدوارا رئيسية استخدمت فيه أدوات جديدة لم يستخدمها العرب من قبل التي كانت تقتصر على اجتماعات طارئة تكتف بالتنديد، بينما اليوم تستخدم السعودية ومصر أدوات جديدة من القوة العسكرية إلى القوة الاقتصادية بالتزامن مع مسارات إصلاحية تنبع من المنطقة ذاتيا تعيد بناء الدول وفق أسس الدولة الوطنية التي تعارض الفوضى التي تزرعها الولايات المتحدة في المنطقة تواجها بجهود جماعية لم يسبق لها أن لعبت الدول العربية بتلك الأدوات، كما لم يعد أمام الولايات المتحدة سوى مسايرة مطالب هذا التحالف الجديد المولود بقيادة السعودية.

هناك طموحات لروسيا ربما تريد الولايات المتحدة توريط القوات الروسية بحرب طويلة الأمد في سوريا حتى يستنزف قدراتها العسكرية والتنموية واستثمار طموحات بوتين، خصوصا وأن روسيا تعاني من معدل وفيات مرتفعة ونسبة مواليد منخفضة، وهجرة المثقفين في سياق التراجع الاقتصادي العام، خصوصا وأن روسيا ما زالت تخسر معركتها المحلية مع التطرف الذي تكثف وانتشر في جميع أنحاء القوقاز وآسيا الوسطى، ولكن في نفس الوقت هناك محاذير أمريكية خصوصا وأن روسيا عززت علاقتها ليس فقط مع النظام الإيراني والسوري بل وأيضا مع النظام المصري وحتى مع السعودية وبقية دول الخليج باستثناء تركيا لأن السعودية تدرك حقيقة تلاعب الدور الأمريكي.

 تريد روسيا أن تكون متوازنة في تعاطيعها مع الأزمة السورية وإن كانت تغلب مصالحها وتجعلها أولوية يمكن أن تشكل نقطة تصادم بينها وبين دول الخليج بقيادة السعودية لكنها تحاول إلى حد ما أن تحجم من النفوذ والتمدد الإيراني لصالح السعودية، ولكنها في نفس الوقت لم تحقق جميع مطالب السعودية خصوصا فيما يتعلق بحكومة انتقالية من دون الأسد.

ما يعني أن لروسيا دور استقلالي يزعج طهران وحتى السعودية، وفي نفس الوقت تضغط السعودية على روسيا بالعديد من الأوراق التي تملكها، ولكن السعودية هي الأخرى بدأت تتخذ مواقف مستقلة بعيدا عن الولايات المتحدة رغم أنها تحتاج إلى الدورين، فالدور الروسي حجم من النفوذ الإيراني والدور الأمريكي الأوربي الذي وقف أمام روسيا في إدراج جيش الإسلام وأحرار الشام على قائمة المنظمات الإرهابية.

نجحت السعودية في صدع التحالف الروسي الإيراني من جهة وصدع التحالف الإيراني مع النظام السوري، فأصبح الدور السعودي حاضر وبقوة حيث هناك استعدادات روسية لاجتماع وزاري مع دول الخليج نهاية مايو 2016 لبحث نقاط التوافق لحل الأزمة السورية، رغم أن السعودية تدرك أن الولايات المتحدة دولة عتيدة تملك الوسائل كافة لفرض أجندتها، غير أنها تفتقر إلى الإرادة الكافية أو قد تترك المنطقة تموج في الفوضى وفق استراتيجيات خاصة بها.

لم تدرس إيران حضور روسيا إلى سوريا بأنه توافق مع إسرائيل التي بددت مخاوف إسرائيل بعد انخراط حزب الله في الحرب على دول المنطقة التي حولت سوريا إلى مقبرة لحزب الله وللمستشارين الإيرانيين، ما جعل إيران تارة تتهم روسيا، وتارة تتهم ماهر الأسد الذي فرط في حماية المستشارين الإيرانيين.

رغم ذلك إيران لن تستسلم بعد تلك الخسائر الاستراتيجية التي منيت بها في المنطقة وفي سوريا بشكل خاص، فنجد أن فيلق القدس يطلق تهديداته مجددا ويعتبر أن القتال في سوريا والعراق من أجل أمن إيران، بل إن ممثل خامنئ يتوعد بالثأر للقتلى في حلب، وتعود طهران إلى التهديد بإغلاق مضيق هرمز وقطع الطريق على السفن، كما تستعد طهران بإعادة رسم استراتيجيتها في سوريا بجنرال جديد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي.

رغم أن كثير من المحللين يعتقدون أن المفاوض الإيراني نجح وحصل على مقايضات غير معلنة أو موقعة باعتراف الولايات المتحدة، وهو الهاجس الذي دفع دول الخليج وعلى رأسها السعودية إلى التمرد على الولايات المتحدة، ونحت نحو الاعتماد على الذات والبحث عن بدائل، واعتقدت إيران أنه بمجرد تنازلها عن إنتاج أسلحة دمار شامل سيكون بمقدورها تطوير سلاح صاروخي ومواصلة نفوذها وتمددها في المنطقة دون أن تقف الولايات المتحدة أمام هذا التمدد، حتى أن تساهل أوباما مع إيران عكر العلاقة الأمريكية السعودية.

 لكن سكوت الولايات المتحدة عن الصعود السعودي وصناعة الأحلاف أربك إيران، بل أعلنت الولايات المتحدة أكثر من مرة عن موافقتها لتشكيل مثل تلك الأحلاف لمقاتلة داعش، حتى أن خامنئ اتهم أميركا بعرقلة التعاون الاقتصادي والخداع في الاتفاق النووي، وهناك مؤسسات دولية تخشى التعامل مع إيران رغم رفع الحظر الغربي، أي أنه تضييق غير معلن على الاقتصاد الإيراني، خصوصا بعدما سجلت إيران خلال السنوات الخمس الأخيرة نموا اقتصاديا سلبيا دون انقطاع وارتفعت نسبة هجرة أصحاب العقول من إيران إلى درجة غير مسبوقة، فينما السعودية تؤكد على محاربة الإرهاب سواء كانت تلك المنظمات سنية أو شيعية.

الحرب السورية كشفت عن جميع الأغطية للشعوب العربية والمسلمة المغررة، ولم يعد النظام الإيراني يحتاج إلى كبير عناء ليثبت أن النظام الإيراني منذ قيامه عام 1979 نظام إرهابي، رغم أنه يدعي تصدير الثورة لنصرة المستضعفين ومقاومة الاستكبار العالمي، لكنه في نفس الوقت يوفر الملاجئ الآمنة للإرهابيين خصوصا لرموز القاعدة ومنفذي تفجير الخبر وتأسيس المليشيات في جميع الدول العربية من حزب الله في لبنان الذي أشرف على تأسيس بقية الأحزاب الأخرى من حزب الله الحجاز، وحزب الله الكويت، وعصائب الحق، ولواء بدر، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، ومليشيا الزينبيون في باكستان، ومليشيا الفاطميون في أفغانستان إلى جانب مليشيات عديدة بعضها معروف وبعضها غير معروف.

وللمرة الأولى يتحدث البارزاني زعيم كردستان العراق ويؤكد ما قاله الملك عبد الله ملك الأردن قبل أكثر من عشرة أعوام بأن إيران تسعى إلى إقامة هلال عنوانه شيعي وحقيقته فارسية يبدأ طرفه الأول باليمن وينتهي طرفه الثاني بالجنوب اللبناني مرورا بدول الخليج العربي والعراق وسوريا، لكن عاصفة الحزم ستفشل هذا الهلال والحزام الذي يطوق المنطقة العربية وهو ما اكتشفه الصدر الذي بدأ يهدد إيران بأتباعه، لكن بغداد في قبضة ميليشيات الحرس الثوري، حيث هناك قلق يساور العاصمة بسبب سيطرة مليشيا سرايا الخرساني على محيط المنطقة الخضراء وهو تأسيس وولاء إيراني.

وبعد مقتل القائد العسكري لحزب الله مصطفى بدر الدين المتهم بقتل الحريري والذي سبق أن شارك في تفجير السفارة الأمريكية في بيروت وشارك في محاولة قتل أمير الكويت عام 1983 ثم تم تهريبه بعد احتلال العراق الكويت، لكنه شارك أيضا في تفجير الخبر عام 2003، وفي عام 2005 شارك في قتل الحريري، وبنفس السيناريو الذي قتل فيه الحريري قتل فيه مصطفى بدر الدين للتخلص من الصندوق الأسود، فيما نفت الولايات المتحدة أن تكون قد استهدفته بطائراتها.

صعود التحالف العربي الذي تقوده السعودية بعد عاصفة الحزم ووضع حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، وسحبت السعودية المعونة التي قدمتها للجيش اللبناني من أجل الضغط على الشعب اللبناني ليأخذ موقفا جديا من حزب الله، بدا حزب الله يعاني حرب إلغاء بعد الإقليمية التي تقودها السعودية إلى حرب إلغاء محلية بقيادة المركزي اللبناني لتنفيذ العقوبات الأمريكية على عناصره، بل إن نائب لبناني قال سنعمل على تطهير الجيش والمؤسسات العسكرية من ملوثات حزب الله، حتى أنه هدد المصارف اللبنانية بالخط السود بعد إقفال حسابات نوابه.

الاستراتيجية السعودية هي ليست فقط مواجهة إيران بل مواجهة أذرعها كلا على حدة، والضغط عليها دوليا وإقليميا ومحليا لمحاصرتها من أجل أن تصبح أذرع هشة، رغم أن التصعيد الإيراني هو تصعيد لكافة الأذرع، لكن محاولة السعودية الضغط على هذه الأذرع و فصلها عن الأم.

 لذلك نجد حزب الله يواجه الطفيلي بمعقله لأول مرة بعد 18 عاما بعد انسحاب أمل من المواجهة في الانتخابات المحلية، ما يعني أن الضغط السعودي على حزب الله اللبناني سيمنع استراتيجية إيران من تمكين حزب الله ل20 عاما القادمة مع الأسد، وستواصل السعودية ضغطها على الأذرع التابعة لإيران لإضعافها وإضعاف المركز.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق