السعودية ليست دولة وظيفية لأمريكا

السعودية ليست دولة وظيفية لأمريكافرصة الدول والإعلام المعادي الذي انزعج في الفترة الماضية من الدور السعودي الصاعد الذي يدافع عن أمنه وعن الأمن الخليجي والعربي، في قراءة تصريحات ترمب عن السعودية خارج سياقها، عندما قال لا حماية بعد اليوم بدون مقابل، ولم تكن السعودية بمفردها المستهدفة في تصريحات ترمب، بل شمل في تصريحاته اليابان وكوريا الجنوبية، لكن لماذا كان التركيز الإعلامي الذي وجد ضالته في تصريحات ترمب من أجل أن يتهجم هذا الإعلام المعادي على السعودية دون ذكر اليابان وكوريا الجنوبية، ولم يتناول هذا الإعلام المعادي للسعودية تصريحات ترمب السابقة عن كندا والمكسيك والاتحاد الأوربي والحرب التجارية التي يقودها ضد الصين فقط ركز على السعودية دون بقية الدول الأخرى.

اجتزاء هذا الإعلام المعادي للسعودية تصريحات ترمب عن السعودية ويتجاهل تصريحات ترمب عندما قال في بداية تصريحه أنا أحب السعودية، ويتجاهلون أيضا بحث ترمب تطورات الأوضاع في المنطقة واستقرار سوق النفط عبر اتصال تلقاه الملك سلمان بن عبد العزيز من ترمب في 20/9/2018 وبحثا سبل تطوير العلاقة المتميزة وسبل تطويرها في ضوء الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

مثل هؤلاء يتجاهلون حقائق وضع ترمب في الداخل الأمريكي، وكلما ضاقت عليه أمريكا، كلما ضغط على حلفائه من أجل أن يظهر أمام ناخبيه من أنه نفذ كل ما تعهد به أثناء الانتخابات، وعليكم مساعدتي، خصوصا وأنه مقبل على انتخابات نصفية، مثل هذا الإعلام المعادي للسعودية  لا يعتبر تلك التصريحات من أنها حاجات انتخابية.

الإعلام المضاد للسعودية والذي ينفذ أجندات دول معادية للسعودية، يدرك أن السعودية من أنها ليست دولة وظيفية لأمريكا التي ترفض سياسة المحاور والابتعاد عن روسيا والصين، وهي دولة محورية قادرة على صناعة تحالفات متعددة وقادرة على صياغة تفاهمات متعددة الأطراف.

دائما ما يغرد هذا الإعلام المعادي من أن ترمب ابتز السعودية في زيارته الأولى للسعودية ب450 مليار دولار وتوظيف تلك الأموال في نمو الاقتصاد الأمريكي، لكنهم تجاهلوا بشكل متعمد من أن ترمب أفرج عن أسلحة متقدمة فتاكة التي وضع عليها سلفه أوباما حجرا على تصديرها للسعودية بسبب حرب اليمن، وكانت قيمتها 144 مليار دولار، بينما بقية قيمة الصفقة كانت عقود آجلة لمدة عقد من الزمن تم التوقيع عليها مع أمريكا لتحقيق رؤية المملكة 2030.

صحيح أن هناك لوبيين يدعمان ترمب، هما لوبي صناعة الأسلحة، ولوبي شركات النفط، لكن السعودية دولة نجحت في تحقيق التعاون بين دول أوبك والدولة المستقلة بقيادة السعودية وروسية منذ أن انخفضت أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، وعند اجتماعها في الجزائر في 23/سبتمبر 2018 قررت عدم زيادة الإنتاج بعدما وجدت أن السواق تتمتع بإمدادات كافية.

 صرح وزير الطاقة السعودي المهندس خالد الفالح من أن المشكلة الأكبر ليست في الدول المنتجة بل في شركات التكرير، فيما صرح وزير الطاقة الروسي من أن العقوبات والحروب التجارية تضع أمن الطاقة في خطر، بل هناك تقرير لأوبك يرفع تقديراته للمعروض الأمريكي في الأمد المتوسط، لذلك يستبعد وزير الطاقة الأمريكي الاستعانة بالاحتياطي في نوفمبر 2018 موعد تطبيق العقوبات على إيران في الرابع من نوفمبر في وقف صادرات إيران النفطية.

ترمب قلق حول أسعار النفط وتأثيرها على المواطن الأمريكي وعلى الشركات الأميركية، رغم ذلك تعهدت السعودية وروسيا من تعويض أي نقص في السوق وتجنب أي انقطاعات تحدث لتفادي اهتزازات قد تؤثر على استقرار السوق، لذلك نقلت وكالة إنترفاكس في 2/10/2018 عن وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك قوله أن منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك وكبار منتجي النفط خارجها يمكنهم الاتفاق سريعا على زيادة إنتاج الخام إذا اقتضت الضرورة.

وأضاف وزير الطاقة الروسي أنهم لم يعدوا تصورا لحدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط، التي بلغت أعلى مستوياتها في أربع سنوات في الآونة الأخيرة متجاوزة 85 دولار للبرميل منذ نوفمبر 2014 موضحا أن أوبك والمستقلين يعملون حاليا على أساس كل حالة على حدة.

سيجتمع بوتين بالأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو على هامش منتدى للطاقة في موسكو بعد أيام من تصريح وزير الطاقة الروسي بأن المنتجين المستقلين وأوبك يمكنهم الاتفاق سريعا على زيادة الإنتاج، وسيتحدث أيضا بوتين مع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، ولن يحضر وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه منتدى الطاقة في موسكو، وهو ما يفسر أن زيادة الإنتاج تقرره الدول المستقلة ومنظمة أوبك، ومطالبة ترمب السعودية برفع الإنتاج مليوني برميل قرار لا يعود إليها بمفردها بل قرار يعود إلى المنتجين المستقلين بقيادة روسيا وأوبك بقيادة السعودية.

يتجاهل هذا الإعلام من أن أمريكا تبحث عقد قمة مع دول الخليج ومصر والأردن لبحث تحالف استراتيجي بعدما اتهمت أمريكا إيران من أنها تعمل على إطالة النزاع في اليمن، وستعقد قمة في يناير 2019 لبحث تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ويضم هذه الدول الثماني.

هو نوع من التحالف السياسي والاقتصادي والأمني، وفكرة القمة أتت من قمة الرياض، وعقد وزير الخارجية الأميركي في 28/9/2018 اجتماعا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الدول الثماني لمناقشة عقد هذه القمة، وقد وافقت كل الأطراف، لكن يجري النقاش حول المحتوى الذي ستناقشه القمة، والأهم هو عقد القمة وإجراء نقاش حقيقي بين الحلفاء.

وبعد تصريحات ترمب نظم في 1/10/2018 مجلس الأعمال السعودي الأميركي منتدى المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمدينة لوس انجليس بولاية كاليفورنيا تحت شعار دفع النمو والشراكات الدولية، وهناك الكثير من الشركات الأميركية التي تبحث عن فرص استثمارية في ظل رؤية 2030 والمشروعات العملاقة مثل نيوم وغيرها من مشاريع عملاقة مماثلة، حيث تعتبر الولايات المتحدة السعودية من أكبر 20 اقتصادا في العالم وهو البلد العربي الوحيد في مجموعة العشرين فلماذا تجاهل هذا الإعلام المعادي الوجه المشرق بين البلدين؟.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال