قراءة في الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية

أطل ولي ولي العهد السعودي في المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه قناة العربية ببساطة في المظهر، أغنى عنها عمق الثقافة التي كانت واضحة وهو يشرح ملامح الرؤية المستقبلية للسعودية، الرؤية التي وإن كانت متوقعة في العنوان، اختلفت في تصوري في المضمون، ذلك أنها خالفت المتوقع والذي كان في جله سياسي الملامح بامتياز، ولكن اختارت القياده السعودية المعالجات العميقة لحل إشكاليات ترسخت في العقلية السعودية، وهي بهذا تتجه إلى تجهيز الأسس الاجتماعيه والاقتصادية والثقافية لكي تتمكن من مجارات صناع القرار. ولعل قول الأمير محمد بن سلمان “إن النفط تحول الي عقيدة”، دليل واضح على نوعية الخطوات التي تعتزم الحكومة السعودية اتخاذها لتحويل الرؤية المستقبلية إلى واقع، وسوف آتي على هذه النقطة في معرض شرحي للجوانب المختلفة للرؤية.

 قال الأمير محمد بن سلمان إنه سيتم عرض 5% من أسهم شركة أرامكو للتداول، على ألا تكون شركة أرامكو هي الشركه القابضة، واصافا ذلك بأنه سيكون أكبر تداول للأسهم في العالم. ولن أحاول هنا الدخول في دهاليز سوق الأسهم فلست خبير اقتصاديا، ولكني سآتي على عدة مسائل ستلح بضروراتها إذا ما كتب لهذه الخطوة الجبارة أن ترى النور. ولعلي أبدأ من مقولة “إن النفط تحول الي عقيدة” لدى السعوديين، إن الاتجاه نحو الاستثمار سيترتب عليه رفع مستوى أداء سوق الأسهم السعودية، وبالتالي تطوير القطاع البنكي، وهذا بالضرورة سيتطلب ثورة في التعليم العالي، إلى  جانب تطوير قطاعي البرامج التدريبية والعمل التطوعي، كي يشكلو رافدا يوفر الكادر المؤهل لقطاعات كثيرة ستتطور بفضل هذا التوجه، وكذلك لتضمن الرؤية المستقبلية خطة لزيادة إعداد المعتمرين والحجاج إلى 30 مليون زائر، هذا الحراك كفيل بطرح مفردات جديدة قادرة على إحداث تغيير في القناعات حول كفاءة الاقتصاد السعودي، على خلاف ما ترسخ لدي الكثيرين عن المملكة العربية السعودية .

الأمر الآخر، والذي يجعل من هذه الرؤية نوعية، هو ما أشار إليه ولي ولي العهد عن تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام، على أنه جزء من ملامح السعودية، وهذا في تصوري خطوة نحو معالجات عميقة لقضية ملكية الدولة، والتي استأثر بها تيار دون غيره. فمنذ سنوات والحديث عن الإسلام في السعودية هو مثار جدل حول ما إذا كانت السعودية قد أطلقت العنان لرجال الدين، فأدت تفسيراتهم الي ما صُوِّر أنه تبنٍ للتطرف، حيكت حوله رويات حول مسؤولية رجال الدين السعوديين عن جماعات جهادية، وواقع مناخ كهذا لايحتاج إلى أدلة في بعض الأحيان، فالتهمة تكفي لكي يتشكل حولها رأي.

هذا وإن كان الغلو الذي عادت ما يعكر صفو كل المحاولات لإظهار أبعاد تفسيرات رجال الدين، لعب دورا في وضع السعودية موضع المدافع. وظهرت أصوات تنادي بالحوار، ولكنها لم تتمكن من إثارة كل جوانب القضية، والسبب أن الجو العام لم يكن يتيح فرصا متكافئة. فالتيار الديني كانت له دائما أدوات لم تمتلكها التيارات الأخرى، الامر الذي جعلها تفتقد إلى الأطروحات بدلا من الدفاع عن آرائها.

هذه المعالجة التي أشار اليه الامير محمد بن سلمان، سوف تعطي التيارات المختلفة في السعودية الأدوات في امتلاك زمام المبادرة لطرح آرائها في جو أكثر رحابة، وعلى النوادي الأدبية والمنتديات الثقافيه التي قررت القيادة السعودية توفير دعم مادي ومعنوي لها، أن تلعب دورا في توفير المنابر لنقاش حر، ولعل مع حدث في تركيا هو النموذج الحديث الأقرب شبها، حين أخرج حزب الحرية والعدالة تركيا من سطوة مجد كمال أتاتورك، مزيحا بذلك عبئا عن التيار الاسلامي كي يمتطي جواد المبادرة في حِلٍ من التبعية لتاريخ كمال أتاتورك.

قضية أخرى حازت على نصيب في الرؤية، لما تنله في السابق في الخطط والبرامج التنموية، وهي قضية المقيميين في السعودية من الجنسيات المختلفة، والتي قال الامير محمد بن سلمان إن أعدادا كبيرة منهم أمضو سنوات طويلة في السعودية، بل وتحدث عن دورهم الإيجابي في سياق حديثه عن مصادر دخل الدولة، مشيرا الي تحصيل الرسوم التي تعتمد عليها الدولة كأحد المصادر الرئيسة.

وأشار إلى أن الدولة بصدد دراسة مشروع يعمل على توفير قدر من الراحة لهم، فيما يختص بأشكال تصريح الإقامة، وهو شبيه بنظام تصاريح الإقامة في أمريكا، وهنا يحضرني ماقاله المفكر السعودي الأستاذ محمد سعيد الطيب، خلال إحدى المقابلات التفلزيونية –يجب أن نجد حلا نهائيا لمشكلة الوافدين-، اكتفى بهذا دون ان يسهب، وأنا على يقين أن الأستاذ محمد سعيد الطيب، لم يقصد أن يتم إبعاد المقيميين، ولهذا سببه الذي سآتي عليه لاحقا.

كانت إحدى سمات القرن العشرين، هجرة أعداد كبيرة من الناس إلى دول حملت وعودا لهذه الأفواج بحياة كريمة، في ظل عالم كان يتحول من الاقتصاد البدائي إلى اقتصاد حديث، مخلفا وراءه دولا تعاني من مشاكل اقتصادية مزمنة، وأخذت الهجرات أشكالا مختلفة ومسميات مختلفة، وحدثت كذلك لأسباب مختلفة. وتعتبر السعودية واحدة من دول العالم التي تحتاج إلى القوة العاملة والموارد البشرية على الدوام، وذلك بفضل التوظيف الجيد للثروة النفطية في خدمة زوار المشاعر المقدسة من حجاج ومعتمرين، وهذا الأمر جعل منها محط أنظار العالم – بما فيهم الدول الغربية الغنية-، مع اختلاف أسباب الغاية، وهذا كان من الطبيعي أن ينعكس على المواطن السعودي، مجردا من أبعاد أخرى، فما دأبت هذه القضية تقفز كقضية رأي عام، بفضل تناول عدد كبير من المثقفين والسياسيين في بعض الأحيان لها برنيين عاطفي، ما جعلها في تصوري قضية إجماع بل وعنصر توحيد، ولعلي أعود إلى كلمة الأستاذ محمد سعيد طيب لأفهم تفضيله التعليق دونما إسهاب.

وأستطيع مما أسلفت، أن أقرأ في كلام سمو الأمير محمد بن سلمان، توجها الي مسلك يواكب التحديات التي تواجها السعودية ومنطقة الخليج العربي، والغاية كما أسلفت ترنو إلى معالجة عميقة، والحديث عن سوق العاملة بايجابية مؤشر واضح على ذلك.

 ويحدوني الأمل أن تتجه أنظار القيادة السعودية إلى منطقة وسط آسيا الحاضرة بقوة في الذاكرة الإسلامية، لتتواصل مع أحفاد من أثرو المكتبة العربية بإسهامات علمية استحقوا عليها احترام العالم.

علي هندي

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق