السعودية ستستمر الطلقة القاتلة في وجه الإرهاب

كثرت التحليلات عن البحث عن جذور الإرهاب محليا وإقليميا ودوليا، البعض يعتقد أن ارتباط الشعوب العربية والإسلامية بماضيها بل هي ملتصقة به التصاقا وثيقا جعلها تواجه تحدي التحديث والتقدم الذي يمثل الغرب نموذجها، هناك هواجس ومتناقضات في تلك التحليلات لا تمت بصلة إلى أصول الإسلام وحقيقته وسماحته.

لكن هناك جيل بأكمله يتساءل كيف نقبل الجمود في عالم تتجدد معلوماته ومعطياته ومطالبه ووسائله باستمرار، بينما هناك مجموعات ترفض مثل هذا التجديد بحجج واهية، حتى تحول العرب والمسلمون إلى زبد وغثاء بل تم محيهم من خريطة الحاضر والمستقبل.

فما بين انجذاب كلي إلى ماض مجيد، ورهانات التحديث، تختلط بالعواطف اللاعقلانية، تؤدي إلى غليان اجتماعي وسياسي يقود إلى أزمة هوية عميقة، من نتائج هذا التجاذب حول مفهوم الخصوصية المؤسس على قدسية تقاليد تم تغليفها بغلاف الدين لتأصيلها وتثبيتها حتى أصبحت عصية على التغيير.

وقد أفرز هذا الاختلال مجموعة من الاستتباعات اعتبرت نقيضا لروح الدين، ولم تتردد في وصفها بالمؤامرات التي تمس الدين، وتطالب بالعودة إلى السلف الصالح وإلى التقاليد الصافية للدين حسب وجهة نظرها، وترفض كل إصلاح يعارض وجهة نظرها، بسبب أنها لم تدرك أن السلفية هي منهج ومقصد ومدارس متعددة لا ينكرون على غيرهم.

بل أصبحت تؤمن بقطعية التفسير، وترفض التأويل الذي هو ترجيح أحد المحتملات دون قطع تمييزا صريحا ودقيقا بين التفسير والتأويل، لأن التفسير يخص المعاني الظاهرة، والتأويل يخص المعاني الباطنة لأنه يجيب ويكشف المعطى عن طريق الاستدلال والرجوع إلى الأصل، أي رد الشئ إلى الغاية المرادة منه، باعتبار أن التأويل وسيلة لتفسير وبيان الأصول، واعتبار التأويل وسيلة لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، لأن التأويل يؤدي إلى العلم، والعلم أصل الهدى واليقين، والتأويل وسيلة لاستخلاص الأحكام من الشريعة وتسهيل عملية التطبيق، ذلك لأن التأويل يعتمد على العقل الذي به نهتدي إلى الحكمة، وهو المصدر لكل الأدلة البرهانية والجدلية والخطابية، حيث تخاطب الشريعة كل فريق على قدر عقولهم، وهي السبيل للرد على متطرفي السنة والشيعة وغيرهم من المجسمة والمشبهة، التي هي على غرار الأسئلة الوجودية عند الفلاسفة الغربيين.

والتأويل في عدد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة فوضعت له وضوءا من الليل فقالت ميمونة : يا رسول الله وضع لك هو عبد الله بن عباس فقال ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) لكن ليس التأويل المقصود في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يكون من غير علم، فعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هلاك أمتي في الكتاب واللبن، قالوا يا رسول الله ما الكتاب واللبن ؟ قال: يتعلمون القران فيتأولونه على غير ما أنزل الله، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون، أخرجه الإمام أحمد ورغم ضعف الحديث إلا أن الألباني صححه، ومقصود الرسول صلى الله عليه وسلم التأويل المنحرف الذي لا يستند إلى حجة ومقاصد واضحة، وحب اللبن أي العزلة وترك الجماعة فيسود الجهل كما في الحديث الصحيح ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، وفي حديث المستدرك على الصحيحين للحاكم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة ،فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

الدين الإسلامي يدعو للعدالة والمساواة وحيث ما وجدت مصلحة الجماعة فثمة شرع الله، رغم ذلك لم يتمكن المسلمون من تطبيق تلك المبادئ، كما يحثهم الدين الإسلامي المسلمين على الوحدة والأخوة في الدين مهما كان انتماؤهم الاثني وحماية الذات من كل تشرذم وانقسامات، لكن الحقيقة التاريخية تنفي تطبيق هذه الحقائق، وتعزي هذه الانقسامات إلى عدو محتمل يكون سبب المؤامرة المحبوكة، الأعداء ، الكفار، الذين يرمون إلى تقزيم الدين من الداخل باعتبار أنهم يعتقدون أن الدين الإسلامي فقد ثقافته الأصلية إلى حد بعيد بفعل الافتراءات الكاذبة ذات الأصول الخارجية، وهو ما يفسر الحذر الذي تقابل به أي محاولة تجديدية.

لذلك يحاول قادة رواد التقليدية، التمسك ببنيات تقليدية مهيمنة باسم الأصالة والخصوصية والقيم المسماة أصلية استطاعت ملئ الفراغ بعد رفضها التجديد والإصلاح بعدما مزجوا بين ثنائية العروبة والإسلام مستعيرين جهازا مفاهيميا مستمدا من التراث، شكلوا بموجبه تراث سياسي واجتماعي خاص بهم.

لكن ساد المنطقة في الآونة الأخيرة تغيرات تمس العقلية السائدة التي ترفض الوصاية باسم الأصالة والخصوصية، لكن رافق هذه التغيرات قلق حاسم لدى قادرة رواد التقليدية خصوصا فيما يتعلق بفقدان الهوية ومدى التناقض بين الأصالة والمعاصرة الثورية في تلك التغيرات الثورية خصوصا وأنهم يرون أن هناك مسافة موضوعية بين المثالي والواقعي.

بالإضافة إلى متغيرات أخرى ضربت المنطقة بالكامل تكون قد ساهمت هي الأخرى في أفراز الإرهاب داخل السعودية في مجموعة بايعت داعش داخل الأراضي السعودية، لكنها جماعات مختبئة اختارت الاستراحات للاختباء فيها، ليس خوفا فقط من رجال الأمن السعودي المتمرس على متابعتهم أمنيا، بل كذلك لأن المجتمع السعودي بدأ يلفظهم بعدما أصبح مجتمعا واعيا بخطر تلك الجماعات التي لا تفرق بين مذهب ولا دين، خصوصا بعدما أصبح المنتمي لتلك الجماعة مستعد أن يقتل أقرب أقربائه، ولا يتذرع في قتل حتى المصلين، فلن يبقى لديهم أحد من الشعب السعودي دمه حرام عليهم بل كل دماء السعوديين أصبحت لديهم حلال.

استخدمت تلك الجماعة الإرهابية  3 مراحل تكتيكية عاشتها للاختباء وتنفيذ عملياتها الإرهابية واختارت الاستراحات حتى تكون بالقرب من المدن بعدما حققت الجهات الأمنية انتصارات ميدانية وعسكرية لوقف تحركات هذه الجماعات على الأرض.

تعيش الجماعات الإرهابية المرحلة الثالثة من التغيرات التكتيكية في تنفيذ عملياتها الإرهابية بعد التضييق عليهم والتبليغ عنهم من قبل المجتمع وكذلك التضييق عليهم في الاستراحات البعيدة نتيجة العمليات الاستباقية التي نفذها رجال الأمن وضبط الكثير من خلاياهم لوقف أي عمل إرهابي، فكان اختيارهم للاستراحات القريبة من المدن حتى يكون تنفيذ أهدافهم بشكل أسرع بعيدا عن أعين رجال الأمن وليس هناك تواجد مكثف للمواطنين أي أنهم يكونون في ضواحي المدن التي تمتلك استراحات يأتي إليها أهلها في نهاية الأسبوع ولا يمكن متابعتهم مثل إحباط رجال الأمن لخلية وادي نعمان وقتل أربعة إرهابيين اثنين قتلهما رجال الأمن، وإقدام الآخرين على قتل  أنفسهما عبر التفجير بالأحزمة الناسفة.

هؤلاء الأربعة أحدهم سعيد عايض الشهراني يبلغ من العمر 46 عاما له علاقة بتفجير مسجد قوات الطوارئ في منطقة عسير، وحادثة تفجير مسجد المشهد بحي دحضة في منطقة نجران، وحادثة مقتل أحد رجال الأمن المتقاعدين، ومبارك عبد الله فهاد الدوسري يبلغ من العمر 25 عاما أحد الفارين من استراحة ضرما قرب مدينة الرياض، ومحمد سليمان العنزي يبلغ من العمر 46 عاما له علاقة بحادثة إطلاق النار على المصلين بمسجد المصطفى بقرية الدالوة بمحافظة الأحساء، وحادثة تفجير مسجد العنود بالدمام، وحادثة تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب ببلدة القديح بمحافظة القطيف، وأحد الفارين من استراحة ضرما، ويعد متخصصا في المتفجرات، وعادل عبد الله المجماج يبلغ من العمر 27 عاما سبق توقيفه لعلاقته بإحدى التجمعات التي حدثت بمنطقة القصيم، وله علاقة بياسر علي الحدودي الذي قتل في مواجهة بيشة، وتوارى عن الأنظار ويتنقل متنكرا في زي نسائي مرتديا حزاما ناسفا.

وستستمر العمليات الأمنية الاستباقية بالتعاون مع المعلومات التي يوفرها المواطنون والمقيمون التي تمثل الأساس للكثير من إجراءات المتابعة الميدانية لرصد تحركات العناصر الإرهابية والمطلوبين أمنيا كما صرح بذلك اللواء التركي المتحدث الأمني بوزارة الداخلية.

إنجازات وقفت ضد الإرهاب وإلى التاريخ القديم الراسخ في الذاكرة، ففي عام 2001 كانت قوات الأمن الخاصة مصدر الإشادة الدولية والتهاني للحكومة السعودية بعدما قامت القوات السعودية بتخليص طائرة روسية في مطار المدينة المنورة بعد اختطاف الطائرة من مطار اسطنبول التركي، حررت الطائرة من الخاطفين بعد أن قتلت أحدهم، سجلت أسرع عملية إنهاء اختطاف بعدما رفضت السعودية قبول إرسال روسيا قوة أمنية لإنهاء عملية الاختطاف كما صرح بذلك الأمير نايف وزير الداخلية حينها رحمه الله.

تثبت الخبرة الأمنية السعودية مقدرتها على نقل التجارب في مكافحة الإرهاب والوقاية المجتمعة وفقا لنتاج مسبق أثبتته في دحر القاعدة، ورغم محاولات التنظيمات الإرهابية استهداف أمن السعودية في أحداث أخيرة، إلا أن السعودية تسير بقوة أمنية كبرى لإفشال مخططات كثيرة تختلف في أحيان كثيرة أدواتها وتتفق على منهج إرهابي واحد.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق