ظاهرة فاقدي الهوية في إيران وضياع أكثر من مليون شخص

مقدمة

تنمو حالياً في أراضي المجتمعات الإيرانية مشكلة لم تكن جديدة العهد أو الإنبات، ولكنها أخذت تتسارع في نموها نظراً لوجود ما يدفع إلى تفاقمها من تغيرات ومسببات على أرض الواقع، والخطير في هذه المشكلة أنها تمس الهوية الوطنية بشكل مباشر، وتزيد من التعقيدات الاجتماعية المؤثرة تلقائياً على تقدم المجتمعات بل وتقف عائقاً أمام تنميتها صحياً وتعليمياً وثقافياً، وهي تعاظم أعداد فاقدي الهوية أو البطاقة الشخصية، والذين وصل أعدادهم حسب الخبراء الاجتماعيين إلى ما يزيد عن المليون شخص في إيران، لم يتم استصدار هويات شخصية لهم بسبب أن آباءهم أجانب وأمهاتهم إيرانيات، ولكنهم يعيشون في إيران، ولا يحملون إثباتات شخصية، ومحرومون من أغلب حقوق المواطنة.

أكثر من مليون شخص يفتقدون الهوية الشخصية

وعلى الرغم من أن مجلس الشورى الإيراني كان قد صادق سابقاً على قرار ينص على منح أبناء الإيرانيات المتزوجات من الأجانب جميع المزايا التي يتمتع بها المواطن الإيراني بما فيها الجنسية الإيرانية والخدمات التعليمية والاجتماعية، إلا أن هذا القرار بقي مجرد حبر على ورق، ولم يخرج إلى واقعية الحياة، حتى أصبح الأفراد الذين يعيشون في إيران دون بطاقات هوية يصل عددهم إلى ما يزيد عن مليون شخص، وهذا يعني عدم قدرتهم على الاستفادة من كافة الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية التي تتوفر للآخرين، وإن كان بعضها رمزية وغير كافية، إلا أن هذا العدد الكبير من الأطفال الفاقدين للهوية وأوراق إثبات الشخصية يعتبر خطراً وإشكالية للمجتمع والحكومة في إيران على حد سواء، وفي هذا الخصوص قالت صحيفة “خبر”: إن الخبراء الاجتماعيين يعتقدون بأنه إن لم يتم تغيير قانون عدم إعطاء بطاقات الهوية للأطفال أبناء الإيرانيات من غير الإيرانيين، فإن هناك الكثير من المخاطر الاجتماعية ستهدد المجتمع الإيراني، إذ يوجد حالياً ما يقدر بمليون شخص في إيران لا يمتلكون بطاقات هوية.

ظاهرة زواج الإيرانيات من الأجانب تنعش فاقدي الهوية

ويرجع سبب تفاقم هذه المعضلة إلى زيادة رغبة زواج الإيرانيات من الأجانب، وذلك بعد عزوف الشباب الإيراني عن الزواج أو تأخيره بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر كنتيجة حتمية لسوء إدارة البلاد وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وهو ما زاد رغبة الفتيات في إيران أو أجبرهن على الزواج من الأجانب هرباً من الوقوع في فخ العنوسة، وهو ما تعاني منه المجتمعات الإيرانية حالياً، ويشكل خطراً فعلياً على مستقبل المجتمع الإيراني، وخاصة أن الظلم الواقع على المرأة قد قادها إلى العمل في الدعارة من أجل كسب قوت يومها، وهو ما يعد بصمة عار على المسؤولين في إدارة البلاد، وفي هذا الشأن نقلت صحيفة “جوان” اعترافات وزير العمل والرفاه الاجتماعي الإيراني “علي ربيعي” حول الوضع الحقيقي للمرأة في إيران، وقال: إننا سنواجه في المستقبل مشكلة النساء المسنات العازبات في إيران، ولن يكون هناك جهوزية للتعامل مع مثل هذه المشكلة، ويجب على وزارة العمل توفير فرص العمل لجعل نسبة الدعارة بين الإيرانيات من أجل كسب العيش تصل إلى حد الصفر، وأشار ربيعي إلى جملة مشاكل تتعرض لها المرأة الإيرانية، معترفاً بوقوع ظلم وعدم مساواة بين المرأة والرجل، وبوجود تقصير واضح في إدارة البلاد اجتماعياً واقتصادياً، وهو ما سيجرها إلى خطر يصعب عليها التعامل معه في المستقبل القريب.

ارتفاع زواج الإيرانيات من الأجانب بنسبة 26.3%

وبخصوص ارتفاع نسبة زواج الإيرانيات من الأجانب تقول صحيفة “جوان”: إن الزواج في إيران يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن سن الزواج يرتفع تدريجياً، وفي الوقت الذي يشهد فيه الزواج داخل إيران انخفاضاً، فإن زواج الإيرانيات من الأجانب ارتفع بنسبة 26%، وأضافت الصحيفة أنه بناء على الإحصائيات الواردة من مديرية الإحصائيات السكانية التابعة للأحوال المدنية فإن التسعة شهور الماضية شهدت 615 حالة زواج لإيرانيات من الأجانب، وهذا الرقم مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي والتي شهدت 487 حالة، يشير إلى ارتفاع 26.3%.

ظاهرة زواج الإيرانيات من الأجانب تتحول إلى مصدر قلق للمسؤولين

ولا تعتبر ظاهرة زواج الإيرانيات من الأجانب بالجديدة، ولكن ما هو جديد بروز ظاهرة تفاقم أعداد الأطفال الذين يفتقدون لبطاقات هوية أو تعريف شخصية، وهو ما يحرمهم من المزايا التي يتمتع بها غيرهم، وحسب الدراسات فإن أعداد هؤلاء الأطفال كبيرة ومثيرة للجدل، لأنها تشكل خطراً على مستقبل هوية المجتمع الإيراني بشكل عام، وخاصة أن ارتفاع هذه الأعداد يرتبط بزيادة حالات زواج الإيرانيات من الأجانب، وهو ما تشير الدراسات إلى تعديه الخطوط الحمراء، فقد شهدت إيران خلال التسعة شهور الأولى من العام الفارسي (1393ش) (2014م)، حسب إحصائيات دائرة الأحوال المدنية في إيران، نحو 615 حالة زواج لإيرانيات من الأجانب، بينما كان عدد هذه الحالات في العام الفارسي (1392 أي 2013) 487 حالة فقط، وهذا يعني أن زواج الإيرانيات من الأجانب منذ عام 2013 حتى عام 2014 قد ارتفع بنسبة كبيرة تقدر بــ 26.3%، ويجب الإشارة هنا إلى أن هذه الحالات التي تم تقييدها فقط، بينما يعتقد الكثير من الناشطين في هذا المجال أن هناك حالات كثيرة من زواج الإيرانيات من الأجانب لا يتم تسجيلها، وهناك الكثير أيضاً تم بشكل غير قانوني، وتأكيداً على ذلك نقلت وكالة أنباء فارس تصريحات رئيس المحكمة العليا في كرمان والتي قال فيها: إن إحصائيات زواج الأجانب غير القانوني من الفتيات والنساء الإيرانيات في هذه المحافظة أصبح أمراً مقلقاً، ويضر بالهوية الإيرانية، ويؤدي إلى زيادة الأطفال المجهولين، وارتفاع نسب الجريمة والجنايات الناتجة عن هذه الظاهرة، وهذا يعني أيضاً أن أعداد الأطفال المجهولين أكبر بكثير من ذلك العدد الذي تم تقديره وهو مليون طفل.

وقد أصبحت هذه الظاهرة مصدر قلق للمسؤولين في إيران، الذين يرون أن السكوت عنها حالياً سيولد انفجاراً في المستقبل، وقد ظهر هذا القلق جلياً في تصريحات “فهيمه فرهمندبور” مستشارة وزير الداخلية لشؤون المرأة التي قالت: إنه من أولوياتنا دراسة وضع وإدارة زواج الإيرانيات من الأجانب غير القانونيين وزواج الإيرانيات المؤقت من الأجانب، لذا يجب تثقيف الأسر وتوعيتهم بخصوص مضار وعواقب زواج فتياتهم من الأجانب.

أغلب زواج الأجانب من الإيرانيات غير قانوني

وينقسم زواج الإيرانيات من الأجانب إلى قسمين: زواج قانوني وهو ما يتم فيه الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، ويتم توفير الوثائق للأولاد فيه بعد سن الــ 18 عاماً، ومن المحتمل حصولهم على بطاقات هوية فيما بعد، أما القسم الثاني فهو الذي يتم بطريقة غير قانونية، إذ لا يتم الحصول فيه على ترخيص من وزارة الداخلية، حتى أن الأزواج الأجانب فيه يكونون قد دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، مما يعني عدم استطاعتهم مراجعة أي دائرة حكومية، وجميع أعمالهم تتم بطرق غير شرعية، لذلك فإن الأطفال الذين يتم إنجابهم من هذا الزواج لا يمكن أن يملكوا بطاقات شخصية، وهذا يعني حرمانهم من كافة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، كما أن أعداهم الآن تجاوزت المليون نسمة، وهم يعيشون في إيران دون جنسية أو هوية، وسيمكثون في إيران، وفيما بعد سيتزوجون ويتكاثرون، وأبناؤهم سيرثون ظروف آبائهم، وهذا يعني أن المليون سيصبح ملايين في المستقبل.

الظروف المعيشية لفاقدي الهوية

وحسب ما سبق من ظروف يعيشها الأفراد الفاقدين للهوية للشخصية في إيران، فإنهم علاوة على حرمانهم من التعليم والخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، فإنه غير معترف بهم في المحاكم والمعاملات الحكومية، وعادة ما يحرمون أيضاً من الميراث، كما تحرم النساء أيضاً من النفقة والحقوق الزوجية، مع غياب واضح من طرف الحكومة، وما يزيد الموضوع تعقيداً أن السلطات الإيرانية لا تمنح تصريحاً للزواج بعد الزواج، بل تلاحق وتعاقب من يتزوج دون تصريح، وهو ما دفع الكثيرين إلى إبقاء زواجهم في السر خوفاً من العقاب، حتى أن أغلب النساء في إيران يتزوجن من الأجانب دون علمهن بعواقب الموضوع، وذلك لغياب التوعية والتوجيه من قبل السلطات في كثير من المناطق، وقد أشارت العديد من الدراسات إلى جهل بعض الفتيات في إيران بموضوع حرمة زواج المسلمة من غير المسلم.

ويعتبر حرمان السلطات الإيرانية هؤلاء الأطفال من الهوية مخالفاً لما جاء في الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتي تنص على وجوب إعطاء الجنسية والهوية للطفل فور ولادته، وهو ما يخالفه القانون الإيراني جملة وتفصيلاً.

كما أن ما يسمى بالزواج المؤقت أو المتعة قد لعب دوراً هاماً في تصاعد أعداد الأطفال المولودين دون هوية في إيران، والذين ترفض السلطات الرسمية الإعلان عن أعدادهم الحقيقية، إذ يفتقد أكثرهم بطاقة هوية الأحوال المدنية وغيرها من الأوراق الثبوتية.

أنظار عصابات الإجرام على فاقدي الهوية:

وليس من شك في أن شبكات مافيا المخدرات وجرائم القتل والسرقات وغيرها من الجرائم الأخرى التي تنتشر في إيران، تجند عناصرها من هؤلاء الأطفال المجهولين لعدم قدرة السلطات الأمنية على التعرف على هويتهم، كما أن الجرائم التي تتم على أيدي ما يعرف بالعصابات المدنية المنظمة والتي تتبع عادة الأجهزة الأمنية السرية يتم تجنيد عناصرها من هؤلاء فاقدي الهوية أو ما يسمون بأبناء المتعة، أضف إلى ذلك أن إفرازات زواج المتعة في إيران ليس ظاهرة أطفال الشوارع وفاقدي الهوية فقط، والذين كما أشرنا يكون مستقبلهم في تعزيز شبكات وعصابات الإجرام، بل أن أحد أهم إفرازات زواج المتعة في إيران أيضاً هو ضياع النساء اللواتي تنتهي مدة عقدهن ويبقين من غير معيل وانجرار أغلبهن إلى الانحراف والسقوط في مستنقعات الرذيلة.

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق