النزاع المصري-التركي على صفحة المتوسط حول مكامن الغاز

منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013 والتوترات بين مصر وتركيا على أشدها تخفت تارة وتنشط تارة أخرى رغم محاولة السعودية السعي في إقامة تحالف ثلاثي بين السعودية ومصر وتركيا، لكن تركيا فضلت التحالف السعودي التركي فقط لكن السعودية لم ترضى باستهداف أمن مصر باعتباره خط أحمر يهدد الأمن العربي.

هناك بوادر نزاع جديد بين مصر وتركيا على ثروة الغاز الكامنة في شرق البحر المتوسط وامتد ليشمل دولا أخرى، خصوصا وأن مصر دخلت عملية شاملة لمحاربة الإرهابيين، لكن هذا لم يمنع مصر من حماية الأهداف الاقتصادية في البحر المتوسط وعرضت القوات المصرية مقطع فيديو مصورا بعنوان عمالقة البحار يظهر فيه قدرة القوات البحرية المصرية وجاهزيتها واستعرضت الأسلحة الحديثة التي انضمت إلى قواتها مؤخرا مثل حاملتي المروحيات من طراز ميسترال الفرنسية اللتين تحملان اسم جمال عبد الناصر وأنو السادات.

في المقابل أعلنت تركيا على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في الرابع من فبراير 2018 رفض الاعتراف بقانونية اتفاق وقعته مصر وقبرص عام 2013 للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، ما تسبب في اعتراض قطع بحرية تركية سفينة الحفر سايبم 12000 التابعة لشركة إيني الإيطالية كانت في طريقها للوصول إلى مياه قبرص في البحر المتوسط للتنقيب في منطقة متنازع عليها بين نيقوسيا وأنقرة لحماية حقوق الأتراك القبارصة.

لكن مصر تعتبر أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع على قانونيتها، وأنها تتسق وقواعد القانون الدولي، وتم إيداعها في الأمم المتحدة، وتعتبر أي مساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة مرفوض وسيتم التصدي له، وهي مستمرة في حماية الأهداف الحيوية الاستراتيجية وفي عمق المنطقة الاقتصادية، واعتبرت مصر أن تركيا استخدمت هذا الملف استرضاء لجماعة الإخوان المسلمين ولإيهامهم أنها تمتلك أوراق ضغط على مصر واتهمتها مصر بأنها تمارس البلطجة.

جزيرة قبرص مقسمة إلى شطرين منذ عام 1974 قبرص الشمالية التي لا تعترف بها سوى أنقرة والجزء الآخر المعترف بها عالميا والعضو في الاتحاد الأوربي وجاء سيطرة أنقرة على الجزء الشمالي خشية أن يتم إلحاقها باليونان.

لكن لماذا نقل أردوغان الأزمة بين تركيا ومصر من التوترات إلى التهديد المباشر ضد اليونان وقبرص ؟، هل هي بسبب وجود خطة تركية لمد أنابيب عبر قبرص للحصول على الغاز من حقل ليفياثان البحري الإسرائيلي، وهذا يدخل في إنكار حقوق الجيران التاريخية وحدودهم الاقتصادية، دخلت المفوضية الأوربية على خط الأزمة ودعت تركيا إلى الإحجام عن أي تصرفات قد تضر بعلاقات حسن الجوار خصوصا وأن قبرص عضو في الاتحاد الأوربي ويجب احترام سيادة الدول الأعضاء على مياهها الإقليمية ومجالها الجوي.

التهديدات التركية هي لإرباك الحسابات المصرية القبرصية ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في الخامس من فبراير 2018 صرح بأن تركيا لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود التي أبرمتها مصر وقبرص باعتبار أنها تنتهك الجرف القاري التركي.

المواجهات المباشرة بين دول الإقليم تتخذ تركيا خطوات إجرائية تجاه قبرص تحديدا، بعدما تعمدت منع منصة حفر سايبم 12000 التابعة لشركة إيني الإيطالية من التنقيب في 11 فبراير 2018 في جنوب شرقي الجزيرة بحجة قيام القوات البحرية التركية بإجراء مناورات بالقرب من تلك المنطقة والتحذيرات امتدت إلى اليونان من مغبة اعتبرته أنقرة انتهاكا لمياهها الإقليمية ووصل الأمر إلى حد التهديد باستخدام القوة في حسم هذا الخلاف.

نجاح مصر في إنجاز مشروع حقل ظهر الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية في 2015 ويعد أكبر اكتشاف للغاز في منطقة شرق البحر المتوسط في فترة ليست طويلة وهو متغيرا مهما في هذا السياق حيث استمرت مدة الاكتشاف والإنتاج نحو 28 شهرا فيما مشاريع مماثلة تستمر بين 6 – 8 سنوات، فغير المشهد لصالح مصر وأصبحت ورقة اقتصادية قوية بيد مصر، وأصبحت مصدرا للغاز بعد دخول ظهر الإنتاج وهو الأكبر من نوعه في شرق المتوسط الذي يحوي نحو ثلاثين تريليون قدم مكعب من الغاز وسيصل إنتاجه اليومي نحو 2.9 مليار قدم مكعبة بحلول منتصف 2019 وهي تسعى لوقف الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي حيث يبلغ إنتاج مصر من الغاز نحو 5.5 مليار قدم مكعب يوميا.

التوترات حول حقول الغاز في المتوسط لا يمكن فصلها عن تشبيك الملفات الأخرى، على ما يبدو الخلافات التركية المصرية، والخلافات الإسرائيلية الإيرانية، والخلافات اللبنانية الإسرائيلية، وبسبب موقف تركيا من دعم قطر وزيارة السودان والتدخل في الشأن الليبي يبعد العلاقة بين تركيا ومصر التي حاولت فيها السعودية تقريب وجهات النظر، لذلك تقف تركيا بين تقريب وجهات النظر بين القاهرة وقبرص واليونان وتعتبر نفسها أحد الأطراف المستهدفة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة ام القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق