ما بين إيران وأمريكا وإسرائيل، تآمر على الجسم العربي

رغم التهديدات المتبادلة بين إيران من جانب الموت لأمريكا ولإسرائيل وأمريكا وإسرائيل من جانب آخر بوضع إيران ضمن محور الشر وإن كان أمريكا رفعت إيران من محور الشر بعد التوقيع على الاتفاق النووي.

الاتصال بين إيران وأمريكا دائما كان الوسيط هو إسرائيل وفي أكثر من محطة لكن كان الاتصال مباشر بين إيران والولايات المتحدة في عام 2001 لإسقاط طالبان وحليفها القاعدة، وكذلك التنسيق بين الجانبين لاحتلال العراق عام 2003.

وسبق أن دعمت إسرائيل إيران في زمن حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق التي استمرت نحو ثماني سنوات حتى عام 1988 وكان هناك جسرا جويا من الأسلحة القادمة من إسرائيل وهي أسلحة تأتي من الولايات المتحدة قدرت ب1500 صاروخ عرفت بصفقة (إيران غيت) وتواصلت شحنات الأسلحة بين إسرائيل وإيران حتى بعد نهاية الحرب عندما قدمت 58 ألف قناع للغازات السامة من شركة شانون للصناعات الكيماوية.

كما اعترف مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بأن إسرائيل كانت تمد إيران بالأسلحة بهدف إضعاف عراق صدام حسين، لذلك كما تذكر صحيفة هارتس الإسرائيلية أن إسرائيل حافظت على علاقات صناعية عسكرية مع إيران مثلما أكد وزير خارجية إسرائيل الأسبق ديفيد كميخي في تل أبيب عام 2004 عندما ذكر بأن العراق دولة عربية يسعى ليحل مكان مصر باعتبارها رائدة التطلعات العربية، لذلك كان لدى إسرائيل تخوف هائل من العراق من أن ينتصر في حربه مع إيران خصوصا وأنه يحصل على دعم من دول الخليج ما يجعل أمن إسرائيل مهددا وشعرت إسرائيل أن تفعل شيئا لمنع العراق من الانتصار على إيران في الحرب وقال كنا على يقين أن الأسلحة المقدمة لإيران من جانبنا لا يمكن أن تستخدم يوما ضد إسرائيل، وعندما احتل صدام حسين الكويت قدم هدية مجانية لإيران ولإسرائيل يدفع ثمنها العرب حتى الآن.

وسبق أن قامت طائرات إسرائيلية F-16S وست مقاتلات من طراز F-15S بالاتجاه من قاعدتهم في عتصيون لتنفيذها ما عرف باسم أوبرا وكان الهدف من مهمتهم تدمير المفاعل العراقي أوزاك الذي يعمل بالبلوتنيوم والذي كان يشتبه في تطويره أسلحة دمار شامل ونجحت المهمة بفضل الخرائط الإيرانية التي قدمت لإسرائيل وفقا لصحيفة صنداي تلغراف الصادرة من لندن.

كما أفادت مجلة ميدل ايست البريطانية أن إسرائيل حصلت مقابل تقديم الأسلحة لإيران على النفط الإيراني بل لم ينقطع النفط الإيراني حتى زمن الشاه في حربي 1967 و1973، وتؤكد صحيفة بديعوت احرنوت الإسرائيلية أن أكثر من 30 مليار دولار حجم الاستثمارات الإسرائيلية داخل إيران وهناك نحو 200 شركة إسرائيلية أغلبها شركات تعمل في النفط، يتولى تلك العلاقة في وجود أكثر من 200 ألف يهودي إيراني في إسرائيل ومنهم وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز الذي رفض توجيه أي ضربة جوية لإيران وتربطه علاقة حميمة مع خامنئي ومع الرئيس السابق أحمدي نجاد.

ومثلما تاجرت الديكتاتوريات العربية بالقضية الفلسطينية كذلك استثمرت إيران القضية الفلسطينية أيديولوجيا من أجل التغلغل في الجسم العربي عن طريق عدد من الأدوات منها إنشاء دولة داخل الدول العربية وممارسة التغيير الديموغرافي عبر وكلائها ومليشياتها ونشر التشيع بعد اختطاف المكون العربي الشيعي وجعله تحت الهيمنة الإيرانية من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لمحو الهوية العربية وإحلال الهوية الفارسية مكانها عبر التشيع والتغيير الديموغرافي.

لا تزال إيران تحت هاجس الانتقام من العرب الذين دمروا الإمبراطورية الفارسية في معركة القادسية عام 636 رغم أنهم أصبحوا مسلمين لكن فئة منهم لم يقنعوا بما آلوا إليه ما جعلهم يختطفون التشيع من العرب وتحويره بما يتوافق مع تطلعاتهم الأيديولوجية خصوصا وأن التشيع الذي اختلقوه يقصى الصحابة الذين قضوا على الإمبراطورية الفارسية وسبهم على المنابر سوى الإمام علي رضوان الله عليه وذريته بل البعض منهم يقدم الإمام علي على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو تشيع مخالف لتشيع العرب بل ساهموا في تشويه الدين الإسلامي وتحويله إلى طقوس على غرار الأديان الأخرى التي نسخها الإسلام بسبب انحرافها عن النسخة الأصلية التي نزلت على الرسل، وجعل التشيع النموذج الفارسي حصان طروادة من أجل  تنفيذ مشروعهم الذي يعيد إمبراطوريتهم الفارسية، ولا يمكن أن يتم إلا بالتحالف مع إسرائيل وأمريكا ليس فقط لتقسيم الجسم العربي بل لتفتيته وهي فرصة إسرائيل التي تدرك أنها غير قادرة على مواجهة العرب عسكريا رغم تفوقها العسكري والدعم الأمريكي المستدام.

التدخل الروسي والفراغ الأمريكي قلبا موازين القوى وشهد عام 2016 توظيف تركيا وتنسيقها مع موسكو واتصالات مقننة مع طهران وتباعد مع الحليف الأمريكي، ما جعل أمريكا تتغلب على هذا الفراغ بعدما شعرت أن مصالحها بدت مهددة بعد التحالف الإيراني الإسرائيلي الروسي البديل عن الأمريكي بأن امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن ولم تستخدم الفيتو مما أتاحت مرور القرار 2334 الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس ويعتبره انتهاكا للقانون الدولي وليس له أي شرعية قانونية ويدعو تل أبيب إلى وقفه فورا.

 واعتبرت فرنسا أن القرار يشبه إجماع دولي في مجلس الأمن وهو ما جعل حكومة نتيناهو تخشى تنسيقا أمريكيا – فرنسيا لحل الدولتين، ما جعل ليبرمان يشن هجوما قاسيا على باريس ويعد مؤتمرها محكمة ضد إسرائيل، بعدما اعتبرت فرنسا أن الموقف الأمريكي مؤشر على موقف أميركي جديد يحاول أوقف تلاعب إسرائيل وإيران بعد تحالفهما مع روسيا نتيجة الفراغ الأمريكي قد يكون مقصود لترك المنطقة تتجه نحو الاستسلام نحو السلم بدلا من أي انتصار عسكري لأي فئة الذي يشعل فتيل استمرار الصراع العسكري، كذلك وضعت عقوبات على إيران تستمر لمدة عقد من الزمن، أي أنها بدأت تحاصر الطرفين اللذين خرجا عن إرادتها.

 التدخل الروسي قلب الموازين وأفشل الخطط الأميركية، لكن إسرائيل تركز أنظارها على عهد ترامب الذي يمكن أن يسعى لتكريس التقسيم انطلاقا من سوريا المفيدة التي تسعى له إيران وإسرائيل حيث لكل طرف مصالحه الخاصة في هذا التقسيم وهو ما نجد الصراع بين إيران وروسيا ما بعد حلب حيث إيران تؤكد على الحسم العسكري الذي يعزز التقسيم ويعزز خططها وهو ما يخدم إسرائيل كذلك في إضعاف المنطقة المحيطة بها وهي لا تخشى من جوار إيران بل هي تخشى من مجاورة العرب متحدين، بينما روسيا تسعى نحو حل سلمي يعزز تواجدها في سوريا، وتتخوف إسرائيل من قلب المعادلة الجديدة في سوريا بعدما شعرت إمكانية دخول الباكستان إلى سوريا تحت بند محاربة داعش فردت إسرائيل على الباكستان إذا تدخلت في سوريا تحت أي بند ستدمر البلد بهجوم نووي رغم نفي إسرائيل أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه أصدر مثل هذا التصريح رغم ذلك رد وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف بأن إسرائيل تنسى أن الباكستان دولة نووية أيضا حيث أن إسرائيل تمتلك 120 رأسا نوويا وأن ترسانتها النووية في تزايد، ما يعني أن مستقبل الشرق الأوسط اختلت موازين القوى وسيدخل مرحلة جديدة خصوصا وأن تم تحييد الدور التركي والمصري ولكن لم يتم تحييد الدور الخليجي الصاعد بقيادة السعودية والتي تمتلك عدد من الأوراق وتدرك ذلك ليس فقط الولايات المتحدة بل وحتى روسيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق