الثورة السورية وتحديات النظام الدولي

الثورة في الغوطة الشرقية قد تؤدي الى انهيار، أو البدء بالتفكير فعلياً بعدم جدوى النظام الدولي القائم حالياً، لكن هذا يتوقف علينا كثوار من مدنيين وعسكريين، لإظهار تلك العورة الكاذبة.

بداية يقسِّم روبرت كوبر في كتابه تحطم الأمم، النظام الدولي إلى ثلاث مراحل:

  • الأول: العالم القديم، والذي يعني حسب تعريفه: النظام الدولي القائم على الفوضى (عصر العصابات والقوة خارج حدود الدولة)، أو الإمبراطورية (إيران وميليشياتها).
  • الثاني: وهو النظام الحديث المنغلق نوعاً ما، والذي يعني: عصر الدولة والسيادة والشرعية السياسية وحصر القوة (سلطة القهر) بيد الدولة (روسيا نوعاً ما).
  • الثالث: وهو عصر ما بعد الحداثة، وهو يعني: عصر الانفتاح واللا حدود ولا سيادة، بل هو عصر المنظمات والمؤسسات الدولية (الاتحاد الاوربي كمثال).

في الثورة السورية اليوم، تتصارع كل تلك التقسيمات، وتُظهِر فشل وزيف عالم ما بعد الحداثة. فمؤسسات المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، تظهر فشلها في منع القتل والتدمير الهمجي، الذي يعود بصورته للعالم القديم، عالم الفوضى والامبراطورية، فالفوضى تظهر من خلال القتل الذي يحصل في ظل غياب الدولة السورية (كنظام ومعارضة).

وتظهر الامبراطورية من خلال التمادي الروسي والإيراني نحو بناء امبراطورية خاصة بهم، قائمة على القتل والتدمير، في مناطق لا تبدو ذات أهمية بالنسبة لدول ما بعد الحداثة، حيث لا يوجد موارد تحتاجها تلك الدول، عدا النفط والغاز الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة، وتركت ما تبقى لروسيا وإيران. وهذا هو منطق روبرت كوبر عندما قال: يمكن أن نرى امبراطوريات في عالم ما بعد الحداثة، في مناطق لا تشكل أهمية لدول ما بعد الحداثة، التي باتت تعرف مصلحتها (الأرض والجغرافيا والموارد)، بعيداً عن منطق المصلحة لدول ما قبل الحداثة: كروسيا، أو لدول العالم القديم: كإيران. وقد تكون روسيا الإمبراطورية، تعود أيضاً لهذا العالم القديم
في هذا الحالة (الثورة السورية اليوم).

مطابقة تماماً لتحدي مرّت به دول ما بعد الحداثة ودول العالم الحديث في الحالة البوسنية، حيث تشابه القتل الهمجي ضد الإنسانية، والذي يعود لدول العالم القديم –الفوضى-، (العصابات الصربية حينها) في الحالة البوسنية، إلى تدخل النظام الدولي (دول ما بعد الحداثة) تحت ضغط المجتمع الدولي الإنساني، والقرب الجغرافي من دول ما بعد الحداثة.

صحيح أن الحالة السورية بعيدة جغرافياً عن دول ما بعد الحداثة، ولكنها قريبة من الحالة الإنسانية، والتي من الممكن أن تكون أمراً ضاغطاً على المجتمع الدولي ومؤسسات ما بعد الحداثة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى عمل دؤوب من قبل السوريين.

بداية يجب مخاطبة العالم بما يفهم، وحكما يفهم مخاطبته بلغة المصالح أولاً، والتي تفهمها الدول، ومخاطبته حسب الدواعي الإنسانية ثانياً. والتي تفهمها منظمات ما بعد الحداثة، والتي أوجدت من أجلها بعد الحرب العالمية.

وأهم أمر يجب الانتباه له، هو وجود هيئة أو كيان يخاطب ذلك العالم، وبما أن منطقتنا تنتمي لدول العالم الحديث، فمن المؤكد أن التمثيل الحكومي هو أفضل الطرق لمخاطبة ذلك العالم، والتواصل معه، وهو متاح للمعارضة السورية عن طريق الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، أو الحكومة السورية المؤقتة للمعارضة الثورية. وبذلك قد نصل لمرحلة جديدة يمكن من خلالها التخلص من إجرام الأسد وروسيا وإيران وأدوات القتل التي يمتلكونها، والوصول لمرحلة تدخل كالحالة البوسنية.

هنا بالتحديد يتوجب على فصائل الثورة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخدمية، دعم التمثيل السياسي الشرعي للمعارضة، والذي يتمثل بكيان الحكومة المؤقتة. وينبغي على الحكومة في الوقت نفسه تحمل مسؤولياتها تجاه الثورة والغوطة، والبدء بذلك من عندها، فهي صاحبة الشرعية، وهي المنوط بها التحرك أولاً، واللحاق بجهدها ومساعيها من قبل الفصائل وقوى ومؤسسات المجتمع الدولي. وبهذا نرفع الحرج عن أنفسنا كمعارضة، ونحمِّل المجتمع الدولي مسؤولياته الانسانية والتنظيمية بشأن المحافظة على الاستقرار الدولي والنظام العالمي القائم.

تمر المنطقة الإقليمية المحيطة بسورية، بحالة تبدّلٍ و تغيّرٍ في موازين القوى ودور الفاعلين السياسيين الدوليين في المنطقة، وهو ما قد يمنع التدخل الدولي عبر مؤسساته المعروفة، لما قد يسبب تدخله تعارضاً
لمصالح القوى المسيطرة على مؤسسات المجتمع الدولي. ولكن في نفس الوقت، فإن إحجامهم عن التدخل يعني سيطرة الفوضى (وتعني الفوضى الخلاقة -الرؤية الأمريكية المنفردة للمنطقة بمعزل عن بقية الدول الفاعلة- أو الفوضى -و نقصد بها العالم القديم-).

إن ما سبق، يمكن الحد منه، أو تأطيره وفق اتفاق دولي، عبر تدخل إنساني مشابه للحالة البوسنية، ودواعي ذلك التدخل موجودة، ويمكن من خلال هذا التدخل -لو حصل-  المحافظة على النظام الدولي، أو تأجيل انهياره، أو عدم تعريته أمام مواطني دول عالم ما بعد الحداثة أو دول العالم الحديث على الأقل. كما يمكن الحد من
تعدد الفاعلين السياسيين، وتقاسم النفوذ بهدوء دون حروب بالوكالة أو شلال من الدماء يدفعه الأبرياء، لمجرد مطالبتهم بالعيش بحرية وكرامة.

في المحصلة، فإن الحل في المنطقة بحاجة لتوفر أمرين:

  • الأول: وهو الأهم، و ينبع من الداخل عبر تنظيم المعنيين أنفسهم وفق تنظيم دولي معترف به، حسب النظام العالمي الحديث، وهو إطار الدولة أو الحكومة، وبعيد كل البعد عن المليشيات والفوضى والرؤى الإمبراطورية.
  • والثاني: وهو مكمل للأول، وهو وجود إرادة دولية للحل، وفق تفاهم مسبق، ودواعي هذا التدخل موجودة على الصعيدين الإنساني بسبب الإجرام الحاصل، والتنظيمي للمحافظة على الأمن والسلم في العالم. وبذلك المحافظة على التنظيم الدولي القائم ومنعه من الانهيار.

هيثم البدوي

كاتب سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق