تحديات الصمود في الغوطة: تجاهل خارجي، وضعف أداء داخلي

ما يزال مصير الغوطة مثار تساؤلات ومراهنات بين أطراف الصراع الدوليين المنخرطين في القضية السورية، وذلك على المستوى الدولي/الخارجي. بينما يبقى مصيرها على المستوى الداخلي مرهون بمدى صمودها، والقدرة على الوقوف في وجه الهجمة، مع حسن استغلال الانتهازات والمزايدات الدولية؛ للإيقاع بين أطراف الصراع، من جانب المزاودات الإنسانية.

إن أكثر ما يقلق روسيا هو اتهامها بعمليات إجرامية ضد الإنسانية، وهو ما تلوح به أمريكا والدول الأوربية بوجهها دائماً من خلال مجلس الأمن، أو حسب التصريحات الصادرة من مسؤولي تلك البلدان، وهذا ما تسعى روسيا لسحب ذرائعه من أيدي منافسيها. فاستجابتها للهدنة الإنسانية كان من باب سحب الذرائع الإنسانية، وذلك حسب مقال للكاتب غينادي بيتروف، والذي يشير فيه إلى حجم الابتزاز الذي تتعرض له روسيا من هذا الباب وتخشاه. وقد حاولت روسيا من خلال استجابتها لمضمون القرار 2401، إظهار حربها ضد فصائل “غير شرعية” متهمة بـ “الإرهاب الدولي” ولا تحمل “شرعية سياسية”.

وهو ما نشرته عبر صفحة قناة حميميم الإعلامية التابعة لقاعدتها في سورية، حيث قالت في بيان لها: إنها ما زالت تشن حرباً ضد فصائل “غير شرعية”، ولم تسمِّ تلك الفصائل، وإن مركز المصالحة في حميميم مازال يقوم بعمله بالتواصل مع المدنيين داخل الغوطة، من أجل إجلائهم من دائرة الحرب، ما يعني أنهم غير مستهدفين في هذه الهجمة.

وتقول: إن الفصائل “غير الشرعية” تمنع المدنيين من الخروج من الممرات والمعابر “الإنسانية” التي فتحتها، وقد قامت الفصائل بإطلاق النار على المدنيين الخارجين من تلك المعابر، مع تلقى مركز طبي أنشأه الروس لعلاج المدنيين بعض القذائف، وذلك حسب الرواية الروسية التي تحاول إظهار روسيا كحَمَلٍ وديع في حربه ضد “الإرهابيين”.

 وهو ما يشير إلى تعاطيها، وتخوّفها الجاد، من ابتزازها من جانب المجتمع الدولي، من خلال المدخل الإنساني، وهو ما يشير إلى خطوط حمراء وُضِعت كشرط لعملية الغوطة من قبل المجتمع الدولي.

على صعيد آخر، تحاول روسيا والنظام جسّ نبض المجتمع الدولي، ودراسة ردود أفعاله تجاه استخدامه الكيماوي ضد المدنيين. فقد قامت مروحيات النظام بإلقاء براميل فوق بلدة حمورية، تحتوي غاز الكلور، بتاريخ 5 آذار/مارس 2018، وذلك حسب منظمة الدفاع المدني والمؤسسات الطبية في الغوطة؛ وذلك لمعرفة الرد الدولي في حال استخدام غازات سامة على مساحات أوسع.

بعد كسر، أو تكيّف، المدنيين والعسكريين في الغوطة مع الهجمة التصعيدية الإجرامية الأخيرة، وهو ما قوبل ببرود دولي، دون أي تعليق على هذا التجاوز الخطير، الذي كونه من المفترض خطاً أحمر أمريكياً أولاً، ودولياً ثانياً. مع مباركات إسرائيلية سابقة؛ بسبب انتزاع الترسانة الكيماوية للنظام، والذي يثبت عكسه مراراً بعد كل استخدام من قبل النظام لهذا السلاح.

هذا البرود الدولي نحو استخدام السلاح الكيماوي، يمكن تفسيره أيضاً من ناحية توريط دولي لروسيا والنظام معاً
بجرائم ضد الإنسانية باستخدام السلاح الكيماوي، وهو شبيه بما حصل مع الرئيس العراقي سابقاً صدام حسين، والذي سبّب تدخّلاً وابتزازاً دولياً لاحقاً، مع تبادل الاتهامات إلى اليوم حول مسؤولية مُطلِق تلك الأسلحة الكيماوية على حلبجة.

إذاً، كل السياق السابق يوحي بأن الفخ الوحيد، والخط الأحمر الوهمي ضد روسيا، هو توريطها والنظام بجرائم إضافية ضد الإنسانية؛ ليتم بعدها استبعادها من الكعكة السورية، واستبعاد حليفها النظام المجرم. كما تعمل روسيا على إظهار كافة الفصائل على أنها فصائل “إرهابية”، عبر نعتها دائماً بفصائل “غير شرعية”، وهو ما لا تنتبه له الفصائل، وذلك بسبب طريقة تفكيرها وتعاملها السابق مع موضوع الشرعية السياسية. فتاريخ الفصائل منذ تشكيل ما سّمِّي القيادة الموحدة، هو مصادرة القرار السياسي والمدني من قبل الفصائل العسكرية؛ وذلك بسبب تعاطيها مع الأمر من منطلق فوقي، أو بسبب تاريخ الاستبداد السياسي الذي عايشه السوريون، وتجلى من خلال الفصائل العسكرية في هذا المشهد.

إلى اليوم، تغيب فكرة الشرعية السياسية عن الفصائل، والتي يمكن تداركها من خلال اعتماد الحكومة المؤقتة، أو الائتلاف الوطني، كأجسام سياسية معترَفٍ بها. لكن حسب أحداث الثورة التي أثبتت عدم تعلّم الغير من أخطاء الغير، فإنّ طريقة التعليم الوحيدة، هي الاجبار الدولي لتلك الفصائل، من خلال داعميها، أو الفاعلين في القضية السورية.

هذا الرفض من العسكريين لضرورة وجود سلطة سياسية تشرعنهم، و تقف بوجه التهجير، وتُظهِر الوجود المدني الشرعي في المناطق التي تقصفها روسيا، يعطي روسيا فرصة للإفلات من العقاب الدولي، وإظهار جرائمها ضد الإنسانية، والأكثر من ذلك، جعل الهجمة العسكرية على المدنيين في الغوطة مفتوحة المدة دولياً، دون أية نية بالتحرك الحالي، لحين الوصول التفاهمات و التسويات الدولية لمرحلة متقدمة، تسمح بإنهاء المجزرة الحاصلة، والتي تكلِّف سكّان الغوطة المزيد من الدماء والأرواح، وتدمير ما تبقى من بنية تحتية ومجتمع غوطاني ولثوري بشكل خاص.

هيثم البدوي

كاتب سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق