السعودية العظمى: خط أحمر

المجتمع السعودي كبقية المجتمعات يعتريه ما يعتريها من المصائب والنكبات، وبشكل خاص هناك تركيز على السعودية من قبل أدوار مشبوهة تلعبها الأيادي العابثة بحقوق الإنسان، ومنذ فترة طويلة ولأسباب معروفة كان الغرب يسلط الضوء عليها حول ملف حقوق الإنسان خصوصا المتعلق بتطبيق حدود الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقتل القاتل بدلا من السجن المؤبد كما في بقية الدول، رغم أن هناك ولايات أمريكية تطبق الإعدام للقاتل.

تركت تلك الأيادي العابثة استخدام ورقة انتهاكات حقوق الإنسان في دول تنتهك حقوق الإنسان بل القيام بحرب إبادة جماعية مثلما تعرضت قومية الروهينقا، والكيماوي الذي استخدمه نظام الأسد في سوريا، وما ترتكبه المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني من قتل على الهوية في العراق وسوريا واليمن.

لكن من كان يتابع السعودية تاريخيا يجد أنها كانت دولة مأوى وملجأ لكثير من الهاربين من بطش جمال عبد الناصر وحافظ الأسد والقذافي وغيرهم، بل كانت السعودية مأوى استثماريا أمنا، ولم تستثمر السعودية أو توظف أحدا من الهاربين ضد بلدانهم، فقط اكتفت بحمايتهم وتقديم الرعاية الكاملة لهم، مثل الرفحاويون في زمن صدام حسين، ولم تستخدمهم ضد بلدهم العراق، كما استخدم الغرب بما تسمى المعارضة والتي أتت على ظهر الدبابة الأمريكية لغزو العراق وطبقت ما أملي لها من قبل الغرب بعد تفكيك الجيش العراقي والمؤسسات تحت مسميات كثيرة كاجتثاث البعث وغيرها.

ثمة هناك خطوط حمراء في سياسات الدول، وفي تعاملاتها، وفي علاقاتها، والتي تحفظها القوانين، والأعراف الدبلوماسية، التي لا تقبل أي دولة المساس بها، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالسعودية فهي عصية على التآمر، وهناك دولا أرادت استهداف السعودية من قبل لأهداف وأجندات خاصة ولكن اليوم مثل كندا كمن صمت درها ونطق كفرا، وبعدما كانت تتعامل السعودية في الماضي بمثل دارج .. إذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأنني كامل.

 لكن هناك دول لم تدرك تلك التغيرات التي طرأت على السعودية الجديدة في الآونة الأخيرة، خصوصا وأن السعودية دولة عربية إسلامية عظمى، ورث الملك سلمان بن عبد العزيز قيادة دفة هذا البلد ويمتلك عبقرية القيادة من مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز الذي استطاع بحنكته السياسية اللعب على التوازنات الدولية في ذلك الوقت.

عاصر الملك سلمان بن عبد العزيز خمسة ملوك وكان أميرا للرياض أي أنه كان في قلب الحدث ومطلع على كافة القرارات المصيرية التي تتعلق بأحداث جسيمة مرت بها السعودية والمنطقة وعلى رأسها احتلال صدام حسين للكويت، وكيف أن السعودية استطاعت التعامل مع تلك الأزمة بعدما فشل العرب في مواجهتا بسبب انقسامهم كعادتهم مما اضطر السعودية إلى اتخاذ قرارات مصيرية أدخلها في أزمات عنيفة مع الإسلاميين الرافضين لاستعانة السعودية بالقوات الغربية ومجيئها إلى المنطقة، بعدما عرضت أمريكا على الكويت الدفاع عنها في بداية الأزمة، لكن الكويت رفضت خوفا من أن أمريكا تلعب بالعرب وتتدخل في شؤونهم الخاصة، ولم تتوقع الكويت جدية صدام حسين.

 لكن بعدما بدأ الغزو للكويت عندها طلبت الكويت من أمريكا التدخل لحمايتها لكن أميركا أخبرتها بأن الوقت قد فات، مما اضطرت السعودية ومعها بقية دول الخليج الاستعانة بتلك القوات ودفع فاتورة هذا الغزو على حساب التنمية في دول الخليج لفترة طويلة.

يتبادر للمتابع وللمحلل.. لماذا يتم استهداف السعودية بشكل مستمر واستخدام ملف انتهاكات حقوق الإنسان كورقة ضاغطة على السعودية، وتجنيد المعارضين ضد بلادهم؟، ولكن في المقابل هل فشلت الخارجية الكندية في استقراء السعودية الجديدة العظمى؟، وهل تمثل ما أقدمت عليه السفيرة سقوطا في لغتها، أو أنه نتيجة غياب سياسي، أم أنه تنفيذ لأجندات دولية من أجل الضغط على السعودية كي تتنازل في ملفات محددة، وما هي هذه الملفات، هل هي في ملف اليمن أم في ملف إسرائيل بعدما تمكنت السعودية رغم المزايدات تجاهها من أن السعودية هي من أعطت الضوء الأخضر لصفقة القرن، لكن فوجئ هؤلاء المزايدون أن السعودية بمفردها نجحت في إقناع أمريكا في وقف نقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتراف إسرائيل، خصوصا وأن السعودية استخدمت القوة الناعمة التي تمتلكها عندما سمت القمة العربية التي عقدت في السعودية بقمة القدس ردا على محاولات إسرائيل ابتلاع القدس.

 وهل هناك أيضا بعد هذا النجاح الكبير التي لم تنفع المزايدات من وقفه خشية من نجاح السعودية مجددا في وقف القومية اليهودية التي أقدمت عليها إسرائيل مؤخرا، وتسببت في حرمان القومية العربية من حقوقها داخل إسرائيل، أم هناك تخوف من العلاقات السعودية الروسية وكذلك الصينية التي وقعت مع السعودية والكويت ودولة الإمارات كمعبر إلى أفريقيا لتحقيق الصين طريق الحرير البري والبحري المنافس العنيد للولايات المتحدة والتي دخلت معها في حرب تجارية عنيفة، وكأن أمريكا تود من السعودية أن تتعامل معها بالمثل في المشاركة معها ضد الصين بعدما وضعت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على عدو السعودية اللدود والتي تعد بمثابة عقوبات خانقة بأن تشاركها هي الأخرى في تلك الحرب التجارية ضد الصين، لكن ما فعلته السعودية منذ فترة طويلة يصب في خانة تنويع شراكاتها الاقتصادية بعيدا عن الجوانب السياسية، خصوصا وأن الصين تتعامل مع الدول بعيدا عن ملفات حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية والليبرالية، وترفض السعودية ربط ملف إيران بملف الصين.

 أسئلة كثيرة خصوصا حول توقيت هذا الاستهداف، ولكن هل كندا قادرة على التضحية بحليف وشريك اقتصادي ليس فقط حاليا بل مستقبليا في ظل كل الدول تتنافس على نصيبها من كعكة رؤية المملكة 2030، وهل حسبت كندا حجم الغضب السعودي وموقفها الصلب التاريخي من طرد السفير الكندي؟ الذي أحرج كندا.

رغم ذلك لم تقحم السعودية هذه المرة النفط كورقة في الأزمة السعودية الكندية ويتضح هذا من تصريح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بأن إمدادات السعودية من النفط إلى كندا لن يتأثر بين البلدين، ولن يتأثر لأي اعتبارات سياسية لتطمين العملاء بعد أن جمدت الرياض التعاملات التجارية الجديدة مع كندا.

تعمل كندا بهدوء عبر قنوات خلفية والاستعانة بألمانيا والسويد وهما دولتان سبق لهما أن انتقدا السعودية حول ملف حقوق الإنسان بعد إقدام السعودية على خطة إصلاحات اجتماعية واقتصادية، لكن السعودية لم تقبل بتصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عندما قال بأنه سيواصل الضغط على السعودية بشأن الحريات المدنية لكنه أيضا حاول تخفيف هذه الأزمة بالقول إن السعودية حققت بعض التقدم في مجال حقوق الإنسان، وبناء على ذلك صرح السفير السعودي في كندا نايف السديري بأن حديث رئيس الوزراء ربما نصفه بالايجابي ولكن ما زلنا بانتظار المزيد لردم الهوة الموجودة الآن بين البلدين الصديقين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق