حرب المدرجات وعنصرية آيات الله

رياضة كرة القدم متجذرة عند الشباب الأحوازي، وتسري في دمه، وكما يقال باللهجة الشعبية إنها فصيلة أخرى من دمه. وبالرغم من ارتفاع درجة حرارة الصيف القاسية جدا إلا أنها لم تمنع الجماهير العربية في الأحواز من الذهاب إلى الملاعب وتشجيع فرقهم الرياضية أو ممارسة كرة القدم بأنفسهم.

ويعاني الشعب الأحوازي من سياسة التهميش والحرمان الممنهج في شتي مجالات الحياة بما فيها حتى في الرياضة، إذ تفتقر الأحواز إلي أبسط إمكانات وأدوات الترفيه والرياضة بينما هي عائمة على بحيرات من البترول.

لا يهتم أبناء الأحواز، بالفريق الوطني الإيراني ولا يعتبرونه فريقهم، بل دائما ما يعبرون عن اهتمامهم وحبهم للفرق الأحوازية، ويعتبرونها هي الممثلة لهم. ومنذ عقود، والشاب الأحوازي يسطع كالنجم في سماء رياضة كرة القدم، ولم يتمكن الفرس من مجاراتهم أو منافستهم بالرغم من الإمكانات والدعم الممنوح لهم من قبل السلطة.

من بين هؤلاء اللاعبين العرب الكبار يمكن أن نذكر حسون برزكري وكريم البوخنفر -أصبح سائق سيارة أجرة لاحقا بسبب عنصرية الفرس-، وعيسى عساكرة ورضا داوودي وكريم مرواني وغيرهم من اللاعبين المميزين والموهوبين في الكرة. ولكن كل هذه النجوم لم تستمر في الحياة الرياضية وفشلت في مسيرتها الرياضة بسبب العنصرية وسياسة الاستهداف للعرب ومواهبهم.

من أبرز الأحداث الرياضية في تاريخ الكرة الأحوازية يمكن أن نشير إلى فوز نادي رفيش الرياضي في الدوري في بداية الثمانينيات وكذلك فوزه على أهم الاندية الإيرانية، حينها كان فريق رفيش الأحوازي يعتمد على الدعم الذاتي ودعم الجماهير الأحوازية له. بيد أنه بعد فوزه بالدوري بفترة قصيرة أعلن النظام الايراني حل فريق رفيش، واتهمه بأنه يسعى لإثارة الحس القومي بين الجماهير العربية، كما أنه اعتقل أغلب لاعبيه بينما هرب بعضهم خارج البلاد خوفا من بطش النظام وإجرامه.

منذ زمن بعيد سيست السلطة في إيران، الرياضة وعلى رأسها كرة القدم وجعلتها أداة ناعمة لاستهداف الخصوم السياسيين كما استغلتها للعزف على وتر مشاعر الفرس لكسب تأييدهم ورفع مستوى رصيدها الشعبي المتهاوي.

وفي الوقت الراهن يسيطر الحرس الثوري على معظم الأندية الرياضية ويستخدمها لأغراض سياسية بحتة. ونتيجة لهذه السياسات غير الأخلاقية وغير الإنسانية، تلوثت الرياضة في عموم مناطق إيران وابتعدت الجماهير عن الروح الرياضية والحب والتآلف، وانتشرت بينهم البغضاء والعنصرية. وهذا ما تؤكده أغلب المباريات في إيران إذ تهتف الجماهير الفارسية ضد العرب أو الأذريين (الأتراك).

في آخر لقاء رياضي، في الثالث من آب/أغسطس من العام الحالي، والذي جمع بين برسبوليس طهران وفولاذ الأحواز، في ملعب ازادي في طهران، هتف الآلاف من مشجعي فريق برسبوليس بشعارات عنصرية ضد العرب الأحوازيين، ورموهم بالحجارة وعلب المياه، والمفارقة الغريبة أن قوات الشرطة لم تتصد لهم بل دعمتهم واستهدفت العرب وضربتهم. وتكرر هذا المشهد العنصري من مشجعي النوادي الفارسية مرات عديدة ضد منتخبات الشعوب غير الفارسية الأخرى مثل فريق تراختور التابع للشعب الأذري.

وتشير التقارير الصحفية على أرض الواقع أن من أعنف العناصر المرتبطة بالمخابرات وقد ارتبط اسمها بالأحداث العنصرية الأخيرة في الملاعب الرياضية، “عباس إسماعيل بيغي” رئيس رابطة مشجعي فريق برسبوليس. كما وصفه حسين ماهيني أحد اللاعبين البارزين في هذا الفريق بأنه وراء إطلاق الشعارات العنصرية ضد العرب والأتراك.

 وفي المباراة التي جمعت بين فريق استقلال الأحواز وبرسبوليس طهران، قرر الجمهور الرياضي الأحوازي أن يرد على عنصرية الفرس عبر تمسكه بهويته، إذ حضر عدد كبير من المشجعين بالزي العربي، وأطلقوا شعارات وطنية تؤكد على هويتهم وعروبتهم وعروبة أرضهم.

ولا تقتصر العنصرية تجاه العرب في المدرجات وعند جمهور النوادي الفارسية، وإنما في داخل المؤسسات الرياضية، في الأحواز وفي إيران بشكل عام. إذ تم اقصاء العدد من الرياضيين الأحوازيين ومنعهم من ممارسة رياضتهم. على سبيل المثال، بطل الملاكمة في إيران السيد عدنان أميري -من مدينة الفلاحية- اضطر لعرض كليته للبيع بسبب ظروفه المعيشية المزرية نتيجة الإهمال المتعمد من قبل مسؤولي الرياضة الفرس في الأحواز.

وتؤكد جميع المؤشرات أنه في ظل غياب مؤسسات رقابية وقانونية تعبر عن تطلعات الجماهير، تؤكد استمرار هذه التجاوزات الخطيرة والعنصرية البغيضة في قطاع الرياضة ضد الشعوب غير الفارسية.  وسوف تتأزم الحياة الرياضية أكثر من الوقت الراهن وتتحول الرياضة إلى منصة لترويج خطاب الكراهية والبغضاء بين الشعوب.

ياسر الأسدي

ناشط حقوقي أحوازي

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق