الدور السعودي في سورية: ما بين التفاهم مع روسيا والتنسيق مع أمريكا

البعض يعتقد أن للولايات المتحدة تأثيراً محدوداً في سوريا، لكن من يتابع الشأن السوري منذ بداية أحداثه يرى أن الولايات المتحدة منذ عهد أوباما لم تكن حريصة كثيرا على التورط في الشأن السوري ولكنها كانت تديره، وتركت جميع الأطراف تتورط في سوريا، واتجهت إلى دعم جميع الأطراف، وتركت الأزمة تتصاعد، حتى إسرائيل التزمت الحياد.

 ولم تنصع الولايات المتحدة للمعارضة المدعومة من التحالف التركي السعودي (الذي انفرط فيما بعد لأسباب تتعلق بتغير الاستراتيجيات) في القضاء على النظام السوري، في المقابل تركت إيران تتورط في الساحة السورية لمزيد من الصراع الإقليمي، لكن عندما شعرت الولايات المتحدة بميل الكفة لجانب المعارضة تركت روسيا تتدخل في سوريا نيابة عنها وفق قراءة الواقع الاستراتيجي، رغم أن بوتين كان حذرا من هذا التورط وأراد أن يحصل على تعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، لكن تريثت الولايات المتحدة في هذا التعاون واكتفت بالتنسيق في الطلعات الجوية وكذلك اكتفت بالتواجد في شرق الفرات حتى أصبح لديها 11 قاعدة، فيما اكتفت أيضا بتوقيع اتفاقية في جنوب سوريا مع روسيا والأردن لحماية أمن إسرائيل.

لكن انسحبت أمريكا من اتفاقية الجنوب بعد اتفاقية هلسنكي بين ترمب وبوتين، وتخلت عن المعارضة المدعومة من تركيا بعدما تلاشى التحالف بين السعودية وتركيا في سوريا لأسباب تتعلق بالطموحات التركية في المنطقة بعد دعمها لدولة قطر أثناء أزمتها مع الدول المقاطعة واستمرت السعودية ضامنا للمعارضة التي تؤمن بالتحول السياسي وفق مبادرة جنيف، وكان اتفاق ترمب وبوتين في قمة هلسنكي على خروج إيران من سوريا، ونجد اليوم هناك مباردة موسكو حول اللاجئين التي تسابق إحياء جنيف لأن أمريكا ترفض أي إعادة تعمير في سوريا قبل أي تسوية سياسية في جنيف.

ويأتي مواصلة السعودية دعمها لصالح المناطق المحررة من داعش، وهو ما جعل السعودية تقدم دعمها لتطوير المناطق المحررة في شمال شرق سوريا بمبلغ 100 مليون دولار، وهو امتداد للعهد الذي قطعته على نفسها السعودية خلال المؤتمر الوزاري للتحالف الدولي الذي عقد في بروكسل في 12 يوليو 2018 واستضافه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.

تهدف هذه المساعدة لإعادة تنشيط المجتمعات المحلية، مثل مدينة الرقة التي دمرها إرهابيو داعش، كما ستركز على مشروعات استعادة سبل العيش والخدمات الأساسية في مجال الصحة والزراعة والكهرباء والمياه والتعليم والنقل الطرق والجسور الرئيسية وإزالة الأنقاض وهي جهود تعتبر حاسمة في إعادة الاستقرار في هذه المناطق التي يدعمها التحالف الدولي بعدما عاد ما يقرب من 150 ألف نازح إلى الرقة باعتبار السعودية شريكاً أساسياً في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي تأسس عام 2014.

وقدمت أيضا دولة الإمارات 50 مليون دولار من أصل مبلغ 230 مليون دولار جمعتها أمريكا من حلفائها لتطوير تلك المناطق، وهو ما أغضب تركيا التي تعتبر أن أمريكا تخلت عنها في سوريا وبشكل خاص بعدما ابتعدت عنها السعودية بسبب أزمة دولة قطر، وأصبح هناك تنسيق أكبر بين أمريكا والسعودية في سوريا رغم أن أمريكا لا تود خسارة تركيا وحتى السعودية تعتبر تركيا دولة محورية لكن تصرفات تركيا هي التي أجبرت السعودية على التخلي عن التعاون مع تركيا في سوريا.

هناك جولة لوفد مجلس سوريا الديمقراطية الذراع لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن إلى دمشق للتفاوض عن تشكيل لجان بين الطرفين لتطوير مفاوضات بهدف وضع خريطة طريق تقود إلى دولة ديمقراطية لامركزية.

ترى قوات سوريا الديمقراطية إعادة المناطق المحررة للدولة السورية التي يسعى إليها السوريون جميعا إلى ما بعد التسوية السياسية، وليس تسليم تلك المناطق المحررة للنظام، وكذلك انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى جيش الدولة السورية وليس إلى جيش النظام.

أصبح النظام السوري يسيطر على أراضي حررها بعدما فقدها بعد عام 2011  التي تمثل 60 في المائة من الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على نحو ثلاثين في المائة من مساحة سوريا تتمركز في شمال شرقي سوريا وتضم 90 في المائة من نفط سوريا ونصف الغاز وأهم المحاصيل الزراعية والسدود لتكون ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد النظام السوري.

ما يخيف تركيا تصاعد نفوذ الأكراد في سوريا بعد عقود من التهميش خصوصا وأنهم يجدون دعما من السعودية بعد مرحلة طويلة من التحالف، ويقلق تركيا إعلان الأكراد الإدارة الذاتية ثم إعلان النظام الفيدرالي في 2015 في منطقة روج أفا غرب كردستان، وتضم هذه المنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة والفرات شمال وسط تشمل أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة وعفرين شمال غرب التي باتت منذ أشهر تحت سيطرة قوات تركية وفصائل سورية موالية، رغم أن أمريكا دعمت الأكراد ضد داعش لكنها لم تدعمهم ضد تركيا في عفرين ضمن عملية غصن الزيتون التي سهلتها موسكو، وأقنعت أمريكا الأكراد بالانسحاب من منبج بناء على اتفاق أميركي تركي.

رغم أن هناك خلاف بين وزيري خارجية روسيا وتركيا حول أولوية إدلب، ويرى لافروف أن الأولوية القضاء على جبهة النصرة، وهو نفس مطلب المعارضة التي تطلب الدعم لإنهاء النصرة ومسماها الجديد هيئة تحرير الشام والمتواجدين في الريف الغربي من حلب ووصلت لها تعزيزات عسكرية كبيرة من ريفي إدلب وحماة حتى لا تستمر ورقة يستخدمها النظام ويخرق هدنة الشمال بين تركيا وروسيا بسبب وجود ملايين من المدنيين.

لن تسمح تركيا بأي اختراق أو أي عملية عسكرية لتلك الهدنة حتى لا يتوافد إليها مزيد من اللاجئين، وحتى لا تتكرر تجربة درعا وحماة في إدلب والحفاظ على المدنيين البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون، وهناك 12 نقطة مراقبة لتركيا منتشرة في حلب وإدلب وحماة وامتداد سفوح جبال اللاذقية، ومن المفترض أن تنتشر قوات مراقبة روسية تركية على طول طريق حلب دمشق الدولي في الجزء الواقع تحت سيطرة المعارضة.

بدأ الأكراد يتراجعون أخيرا عن موضوع الفيدرالية والتركيز على اللامركزية من أجل تطمين السعودية التي تنسق مع أمريكا وروسيا التي تدعم الحل السياسي في سوريا مع بقية المكونات من أجل بناء مستقبل سوريا، وهناك مفاوضات ترمي إلى دخول الجيش السوري إلى المناطق ذات الغالبية الكردية وإعادة مؤسسات الدولة إليها في مقابل اعتراف الدستور المقبل بالمكون الكردي.

عللت أمريكا تخليها عن المعارضة لأسباب عديدة والتي ترى أن المعارضة مخترقة من الجماعات الإسلامية المتشددة والتي تجد دعما من تركيا خصوصا بعد موجة الإرهاب التي ضربت أوروبا وأمريكا واعتبرتها ذات صلة بالمعارضة، وهو موقف لا يختلف عن موقف روسيا وبعض الدول العربية مثل مصر وهي نقطة الخلاف الرئيسية بينها وبين السعودية لكن بعدما ابتعدت السعودية عن تركيا تماشيا مع التطورات الاستراتيجية الجديدة التي تصب في صالح سوريا المستقبل.

تتمسك أمريكا والسعودية بجنيف فيما هناك مجلس ثلاثي يمثل روسيا وتركيا وإيران ومجلس رباعي يمثل روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا الذي سيعقد في 6 سبتمبر 2018، وفي سوتشي العاشر هناك تباين بين أولويات روسيا التي تسعى إلى تعزيز تحركاتها على صعيد ملف إعادة اللاجئين وربطه بمسألتي رفع العقوبات وإعادة الإعمار والأمم المتحدة من جانب آخر التي تؤكد على أهمية استكمال العمل لدفع ملف الإصلاح الدستوري، وقاطعت الولايات المتحدة هذه الاجتماعات وبررت أنها تؤيد دعم عملية سياسية تديرها الأمم المتحدة، وتقليص حضور وفد المعارضة الذي يرأسه أحمد طعمة والذي ركز في استانة 10 الذي عقد في منتجع سوتشي في 30/7/2018 وركز في نقاشه على إدلب، بينما حضر ممثل من الأردن لأن ملف الجنوب كان حاضرا.

وفي ملف الجنوب استخدم داعش في مجزرة السويداء بعدما رفض الدروز الالتحاق بجيش النظام استعدادا لمعركة إدلب في مواجهة شركائهم في الوطن، ما جعل وليد جنبلاط يحذر روسيا من أن تطبيق الحرب الشيشانية في سوريا مستحيلة بسبب أن عوامل الجغرافيا والديموغرافيا تختلف كليا في سوريا، بسبب أن الشعب الشيشاني محاصر اثنيا ودينيا، فلن تستطيع روسيا فرض نظام أقلوي كما تفرضه في شمال القوقاز وغير قابل للاستمرار في سوريا.

ما تمارسه روسيا في إجبار الدروز على الخدمة في جيش النظام سبق أن طبقته تركيا على سكان بلاد الشام عشية الحرب العالمية الأولى، وفي الوقت الحاضر طبقه قاسم سليماني على الشيعة وجلبهم لسوريا لمشاركة النظام السوري والدفاع عنه.

بدأت موسكو تمهل تركيا لحسم إدلب  بعد فترة لعبت موسكو دور الموازن بين مواقف مختلفة، وهي تطالب بتطهير إدلب من الإرهابيين بحجة أنهم بدأوا يشنون هجمات على القوات الشرعية شمال سوريا، حيث تضم إدلب مثلث حلب حماة اللاذقية تضم ثلاثة ملايين شخص أكثر من نصفهم من النازحين والمهجرين من مناطق مختلفة وفيها أكثر من 70 ألف مقاتل من فصائل إسلامية وأخرى متطرفة وتشكل نحو 4 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع وهي بالقرب من القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية.

قال منسق الأمم المتحدة في سوريا بانوس مومتريس ليس هناك إدلب ثانية في سوريا لإرسالهم إليها هذا هو الموقع الأخير، لكن تركيا ضغطت على المعارضة السورية في إدلب للمضي في التوحد وتشكيل الجبهة الوطنية للتحرير التي تضم نحو 70 ألف مقاتل ومعظمهم مدرج على قائمة غرفة العمليات العسكرية الأمريكية برئاسة وكالة الاستخبارات الأمريكية، بينما خطة أنقرة أن يكون هذا الجيش نواة لجيش وطني من أجل أن يكون في سوريا ثلاثة تكتلات: قوات سوريا الديمقراطية التي تضم 75 ألف مقاتل وتدعمها أمريكا في شمال شرقي سوريا، الجبهة الوطنية لتحرير سوريا وتدعمها أنقرة وتضم 70 ألف مقاتل إضافة، إلى قوات النظام التي يدعمها الجيش الروسي بما فيها الفيلق الخامس وقوات الدفاع الوطني والمليشيات التي تدعمها إيران.

يمكن تشييع المعارضة السورية بعد تخلي الدول الكبرى عنها ولن تستطيع أن تدافع عنها الدول الإقليمية بعد إلصاق تهمة الإرهاب بها، ما يعني أن روسيا حتى الآن تفرض بقاء النظام السوري، ويتضح هذا من خلال تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن أفضل حماية لمصالح إسرائيل يمكن أن تتأمن على يد بشار الأسد التي لم تعكرها رصاصة واحدة منذ عام 1974، وحتى مبعوث بوتين إلى سوريا الكسندر لافلانتييف، حينما سأل الإيرانيين هل هناك حاجة إلى وجودكم قرب الحدود الإسرائيلية، فأجابوا بالنفي فهو جواب للمصفقين لمحور الممانعة الذين لا يخجلون من تكرار معزوفتهم من أجل الدفاع عن المشروع الفارسي بأيدي عربية.

توازن القوى على الأرض هو المؤشر لما يمكن التوصل إليه من حلول، وهناك صفقة متكاملة روسية أمريكية تخفف العبء عن الدول الإقليمية والغربية التي تضع شروطا لاستضافتهم وفي مقابل تسهيل النظام عودة اللاجئين، وأي مشروع سياسي ستعرضه المعارضة سيبقى مصيره معلقا بالنتائج التي انتهت إليها خريطة القوى على الأرض، وعند ذهاب المعارضة إلى جنيف ستواجه المعارضة أهمية وجود غطاء سياسي يحمي مواقفها ويضمن لها الحد الأدنى.

 د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق