مشروع الطاقة الذرية السلمي في السعودية: استراتيجية احتواء وتنمية

عقد اجتماع في واشنطن في 22/3/2017 بمشاركة وزراء 68 دولة من أن هناك توجها حقيقيا لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب، لمواجهة الإرهاب، الذي بات ظاهرة عبارة للقارات، وهي بمثابة انتفاضة لمواجهة مراكز الشر، وأيديولوجيا في مواجهة العقول، بعدما أثبت الإرهاب بأنه لم يعد منظمات هيراكية تراتيبية الذي يصعب مواجهتها أو تتبعها أو مطاردة عناصره، خصوصا بعدما فشلت الولايات المتحدة في اختبار تجميع الإرهاب في مناطق محددة على الأرض في منطقة الشرق الأوسط، باعتقاد أنها تنتهي من الإرهاب وتقضي عليه، لكن ما حدث هو العكس حيث تمددت ظاهرة الإرهاب إلى جميع أنحاء العالم.

تولت السعودية مهمة مواجهة الإرهاب أيديولوجيا باعتبارها المركز الديني، لكنها تشترط مواجهة وكلاء إيران التي تحارب بهم إيران السعودية وتحيط السعودية بهم من كل جانب، وهم جماعات إرهابية يستخدمون تكنولوجيا متواضعة لكنها خطرة ومهددة باعتراف الولايات المتحدة من أن إيران تزرع الخوف بين ناقلات النفط والسفن التجارية والحربية في الخليج العربي باستخدام بعض الزوارق السريعة الصغيرة.

وفق الحسابات الاقتصادية بدأت تظهر ما يسمى بقوة التوازن الثالثة، أي ليس من المعقول مواجهة هذه الزوارق بقذائف تبلغ تكلفة الواحد منها 100 ألف دولار، وقد نجحت شركة لوكهيد نجاحها في اختبار نظام أسلحة طاقة موجهة أي شعاع ليزر، والسلاح الجديد الذي سيستخدمه الجيش الأمريكي سيكون فاعلا في إسقاط الصواريخ والطائرات التي تعمل من دون طيار ويستخدمها وكلاء إيران.

السعودية رحبت بإعلان وزارة الخزانة الأميركية في 31/10/2017 بتجديد العقوبات الأميركية على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لتكون في سياق تنفيذ قانون العقوبات الأميركي (كاتسا)، ولكنها لن تتوقف خصوصا وأن السعودية تدرك مدى حجم المصالح الدولية وتوازناتها وأن استراتيجية الولايات المتحدة في احتواء المد الإيراني لم تتم ترجمتها على الأرض حتى الآن ولا زالت مجرد تصريحات أو فرض عقوبات محدودة جدا، رغم تلك الخطوات البدائية إلا أن رد إيران كان سريعا على إعلان وزارة الخزانة الأميركية.

 إذ لوح قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري باستهداف القوات الأميركية في المنطقة، وزيادة مدى الصواريخ البالستية إلى أكثر من ألفي كيلومتر إذا أخذت واشنطن خطوات عملية في تطبيق قانون العقوبات الأميركية (كاتسا).

 وحذر جعفري أمريكا من ثأر إيراني، وأن بلاده لن تتخلى عن القدرات الصاروخية، حيث يطالب القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن بعد الاتفاق النووي إيران بعدم تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، أو يمكن تطويرها لاحقا لحمل رؤوس نووية.

إيران في الحالتين في عهد أوباما فهمت أنها مقابل توقيع الاتفاق أن تستولي على المنطقة من خلال مشروعها القومي الذي يتولاه الحرس الثوري الإيراني، بينما في عهد الرئيس ترمب الذي بدأ يواجه وكلاء إيران الذي يهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي يرتبط بمحاربة الإرهاب الذي اتخذته كافة دول العالم بقيادة الولايات المتحدة وبرعاية سعودية، وهو ما يجعل السعودية وبقية دول الخليج والمنطقة العربية محل تهديد من قبل وكلاء إيران.

تصر إيران على رفض خسارة مكاسبها التي حققتها بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 200، وتمددها في سوريا بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011 خصوصا وأنها تعتبر العراق منصة انطلاق نحو دول الخليج وسوريا ولبنان وحتى البحر المتوسط.

وجدت إيران في طقوس التطبير التي ارتفعت وتيرتها في العراق التي لم يكن لها وجود قبل نهاية القرن التاسع عشر في العراق، وهي شعائر دخيلة ليس لها جذور عربية كانت مقتصرة على إيران التي بدأت في عهد الصفويين وتم استنساخها من مسيحي القفقاس فداء للسيد المسيح، قصروها على زيارة ضريح علي بن موسى الرضا، وهي التي تم ربطها بالثورة الخمينية التي هي قدرة على الباطل والتي تحولت إلى موسم حج في كربلاء، وينتقل الحجاج الإيرانيين إلى كربلاء لبسط سيطرتها على العراق من ناحية، ومن ناحية أخرى من أجل أن يحل محل حج بيت الله الحرام لمنافسة السعودية التي فشلت إيران بعد الثورة الخمينية من النيل من الحرمين الشريفين، هذا من جهة ومن جهة أخرى تشكيل مليشيات من الحجاج الذين استوطنوا في العراق.

رغم أن إيران وجدت من الدول الإسلامية والعالم استنكارا لما تقوم به إيران من تهديد أمن الحج وتسيسه، لكنهم لم يتنبهوا لخطط إيران من اللعب بالتغيير الديموغرافي كما حدث في البحرين في غفلة من دول الخليج ويحدث الآن في سوريا.

زلزال سياسي يضرب المنطقة بدأ باستقالة سعد الحريري الذي رفض إضفاء شرعية على اختطاف حزب الله لمفاصل الدولة بكافة جوانبها وهي استقالة احتجاج على تصريح علي أكبر ولايتي الذي زار بيروت وأعلن منها انتصار المقاومة ولم يقم أي اعتبار لحكومة سعد الحريري.

وأدرك سعد الحريري أنه لم يتحقق الذي سعى في التنازل عن مصالح خاصة بكتلته وشركائه فقط كان من أجل مستقبل لبنان، ووافق على التسوية لكن بشرط النأي بلبنان عن أزمات المنطقة، وبشكل خاص وقف حزب الله استهداف أمن السعودية الداعم الرئيسي للبنان، لكن ما حدث العكس من أن استخدم حزب الله وإيران حكومة الحريري كغطاء شرعي لتحركاتهم في لبنان وفي المنطقة.

 ووجد سعد الحريري أنها كانت تسوية لجردة حساب عن الماضي، ولم تكن جردة حساب عن المستقبل اللبناني، وأصبحت حكومة سعد الحريري وكأنها تضفي شرعية على ممارسات حزب الله وعلى تغوله في الداخل اللبناني، وكذلك استمرار استهدافه لأمن السعودية خصوصا بعدما ثبت تولي حزب الله تهريب الصواريخ البالستية للحوثيين، وإرسال فريق تدريب من حزب الله وإيران مشترك يتولى تجميع تلك الصواريخ المفككة والمهربة وتولي إطلاق تلك الصواريخ نحو السعودية.

استقالة الحريري أربكت إيران وجعلتها تدرك أن هناك مرحلة جديدة قادمة خصوصا بعدما اعتبرت السعودية إطلاق صواريخ طهران بمثابة عدوانا مباشرا تهدد أمن السعودية، لكن الاستقالة أدركت طهران أن المنطقة سوف تدخل مرحلة جديدة،  خصوصا بعد وضع حزب الله على قائمة الإرهاب، وملاحقة شخصيات ووضع عقوبات على شخصيات في الحرس الثوري الإيراني، وهي تربطها بتوترات على الحدود بعد مقتل عشرة من جنودها بنيران معارضين من جماعة جيش العدل البلوشية، وثمانية جنود على يد الأكراد في الحدود الإيرانية الشرقية، وهددت إيران باستهداف عمق الأراضي الباكستانية، وهو ما ردت عليه إسلام أباد باستدعاء السفير الإيراني.

 ويعتبر جاويد باجوا ثاني رئيس أركان من جيران إيران يزور طهران خلال الشهر الثلاثة الأخيرة وكان رئيس الأركان التركي خلوصي آكار زار طهران في أكتوبر 2017 ونصح الحرس الثوري الإيراني بنسخة باكستانية من الباسيج، لم يكن أمام إيران سوى التخبط في إرسال صاروخ بالستي صناعة إيرانية يفوق مداه 900 كيلومتر وهو صاروخ عشوائي أعمى، وفي اعتقادي أنها بعدما أرسلت صاروخ في يوليو 2017 من نوع قيام لم تجد استنكار أممي بالشكل الذي يردعها مما جعلها تتمادى وتشعر بأن المجتمع الدولي في أوج ضعفه خصوصا بعدما رفضت موسكو نتائج التحقيق حول الكيماوي وشككت في نتائجه الذي أدان النظام السوري.

مما يفرض على السعودية رفع قدراتها التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية بما يمكنها من مواجهة وكلاء إيران وحماية حدودها ومقدراتها، خصوصا وأن السعودية وسلطنة عمان رفضتا التوقيع على مبادرة اسطنبول للتعاون منذ إطلاقها في عام 2004، بينما انضمت إليها كل من الكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات.

مر 75 عاما منذ عام 1942 بأن أصبحت الطاقة النووية تلعب دورا محوريا في إمدادات الكهرباء في العالم، وقد وفرت في عام 2016 قدرا من الكهرباء بلغ 4.2 بيتا واط في الساعة، أي ما يكفي لتلبية 10 في المائة من مجموع الطلب العالمي، وهي عكس محطات الوقود الأحفوري الذي لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون وهو المسبب الرئيس لتغير المناخ كما يعتقد العلماء، والرطل الواحد من اليورانيوم ينتج كهرباء تعادل ما ينتجه 16000 رطل من الفحم ترتفع النسبة إذا كان إنتاج الكهرباء من النفط والغاز.

هناك على مستوى العالم نحو 400 مفاعل نووي وفي 31 بلدا، ورغم تزايد استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم، فإنها لا توفر القدرات الموثوقة اللازمة لسد هذه الفجوة.

السعودية تتجه فعليا إلى الاكتفاء من مزيج الطاقة الأمثل وتصديره إلى الأسواق العالمية، ووفق مبادرة الملك سلمان لإنتاج الطاقة المتجددة، وهناك توقع بان يتم سد منتجات القطاع النقص في الكهرباء، ومن ثم تصديرها إلى دول الربط إقليميا ودوليا، وهي تسعى نحو توطين الصناعات المتقدمة ذات الصلة.

لذلك وافق مجلس الوزراء على إنشاء المشروع الوطني للطاقة الذرية في المملكة لتمكين السعودية من الحصول على مكتسبات وطنية كثيرة في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، منها تعزيز مصادر الطاقة الكهربائية، وتحلية مياه البحر، وذلك للوصول إلى مزيج الطاقة الأمثل للمملكة.

تؤكد السعودية على الأهداف والغايات السلمية للبرنامج ضمن التزام المملكة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات العلاقات المتعددة وثنائية الأطراف، وبالتوجيهات الإرشادية التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الدول المقبلة حديثا على مثل هذه البرامج.

وتتجه مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة القيام لبناء مفاعلين من المفاعلات الذرية الكبيرة ذات قدرة كهربائية ما بين 1200 – 1600 ميغاوات من السعة الكهربائية للمفاعل الواحدة، إلى جانب المفاعلات النووية المدمجة الصغيرة، حيث تمكن هذه المفاعلات المملكة من تملك وتطوير تقنيات الطاقة الذرية وبنائها في مناطق منعزلة عن الشبكة الكهربائية تتناسب مع متطلبات تحلية مياه البحر والتطبيقات الحرارية المختلفة من الصناعات البتروكيماوية ودورة الوقود النووي، خصوصا وأن السعودية تمتلك 5 في المائة من المخزون العالمي من اليورانيوم، لإنتاج أكسيد اليورانيوم الذي سيسهم في تأهيل علماء سعوديين مختصين في عملية استكشاف وإنتاج اليورانيوم، وتوظيف الخبرات المكتسبة في هذا المشروع، مما سيتيح توطين تقنيات إنتاج خامات اليورانيوم.

وتولي الدولة اهتماما كبيرا لتطوير قدراتها في إنتاج الطاقة النووية من خلال المفاعلات الرقمية عالية التقنية والتي تحقق أعلى معدلات الأمان النووي، حيث هناك مجالا واسعا في التعاون مع الصين في هذا المجال.

حيث تسعى السعودية إلى إنشاء هيئة متطورة للسلامة النووية بحلول الربع الثاني من العام 2018 بالشراكة والتعاون مع الخبرات الفلندية المتطورة في هذا المجال، كما تسعى الدولة إلى إقرار حزمة من التشريعات المهمة لتنظيم استخدام الطاقة النووية في السعودية، ونلاحظ من الجدول أن نصيب الطاقة النووية من مزيج الطاقة في ارتفاع.

نووي السعودية1

السعودية تبدي قلقها من وجود أنشطة نووية في المنطقة غير خاضعة لرقابة وكالة الطاقة النووية والمجتمع الدولي، حيث تؤمن السعودية بحق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع ضرورة الوفاء بالاستحقاقات كافة تجاه المؤسسات المعنية بمراقبة سلامة وسلمية الأنشطة النووية، حيث تدعم السعودية وجود استراتيجية دولية وفاعلية للحد من انتشار التسلح النووي، حيث أعلنت عن مساهمتها بالتبرع بعشرة ملايين دولار لإنشاء مركز وكالة الطاقة الدولية لمتابعة أنشطة التسلح النووي والقيام بدور فعال لمكافحة هذا الخطر الكبير، وهي تدعو المجتمع الدولي إلى المشاركة في هذا المركز وتسهيل تبادل الخبرات ليقوم بمهمته على أكمل وجه.

حيث أعادت تجارب الصواريخ الكورية الشمالية احتمالات توجيه الضربات النووية إلى الوعي الأميركي وبقوة خلال الفترة الماضية، حيث جاء في شبكة فوكس نيوز في مقال نشر على موقع الشبكة بان الصواريخ الكورية يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة، غير أنها تفتقر إلى قدرات إعادة الدخول في الغلاف الجوي الأرضي، لكن مقالة أخرى نشرت في بيزنس إنسايدر تتساءل بشأن قدرة كوريا الشمالية على بناء محركات الصواريخ القادرة على إعادة الدخول في الغلاف الجوي من خلال الضغط الهائل والاحتكاك الفائق لكن إذا أخفقت كوريا في إطلاق قذيفة لا يعني هذا أنها لا تشكل تهديدا حيث الدول لا تتعامل مع أعدائها بمثل تلك المعايير.

ومنذ أن وقعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا معاهدة حظر التجارب المحدودة، وبموجب المعاهدة تم نقل التجارب تحت سطح الأرض فقط كانت التجربة الوحيدة التي اشتملت على إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي من جانب الصين في 27 أكتوبر 1966 باستخدام صاروخ بالستي متوسط المدى، ولم تحاول أي دولة إظهار قدرات الصواريخ البالستية بهذه الطريقة منذ ذلك التاريخ، لكن لم يتساءل أحد إن كانت الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين تملك الصواريخ النووية العاملة من عدمه.

وجاء في مجلة التايم في عام 2015 إذا نجحت إيران في تطوير المقدرة على استخدام الأسلحة النووية فعليهم التفكير أولا في قنبلة القوات الجوية الأميركية المخترقة للتحصينات والقدرة على تدمير تلك القدرات، وليس فقط تدمير البنية التحتية، بل أيضا الترسانة النووية بما في ذلك العلماء والفنيون والقنابل نفسها وهو ما أرادت إسرائيل تنفيذه منذ أعوام، لكن استعاضت الولايات المتحدة من استبدال تلك الضربات بتوقيع الاتفاق النووي، لكن المشكلة أن أوباما كانت معالجته للأزمة على حساب أمن المنطقة العربية وعلى حساب المصالح الأميركية الذي يعارضه ترمب في الوقت الحاضر رغم ذلك لدى السعودية قلق من صدق الولايات المتحدة لذلك فهي تبحث عن قدرات ذاتية وبدائل تحقق ما تصبو إليه.

صرح مستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر إلى شبكة إيه بي سي الإخبارية بأن نظرية الردع التقليدية لا مجال لها حيال نظام مثل كوريا الشمالية، وحى ماري بيت مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق لا تحدوه الآمال بشأن قضية الردع، كذلك صرح بأن أمريكا حاولت ردع كوريا الشمالية عن امتلاك برنامج نووي، ولم يفلح الأمر، لكن زيارة ترمب لآسيا والتقائه بالرئيس الصيني لإنتزاع فتيل التوتر مع كوريا الشمالية من خلال ضغط الصين عليها.

وبرغم أن الردع النووي لم ينجح حتى الآن، لكن لم تستخدم أي دولة السلاح النووي من الدول التسعة التي تمتلك أسلحة نووية منذ عام 1945، ولم تستخدم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في الحرب الكورية عام 1950 التي استمرت ثلاث سنوات عندما غزت كوريا الشمالية الجنوبية من أجل إجبارها على الوحدة، ولم تتنازل كوريا الشمالية عن طموحاتها في توحيد شطري شبه الجزيرة، ولا في المناوشات الحدودية بين الاتحاد السوفيتي والصين عام 1969، ولا بين الهند والباكستان عام 1999.

الحرس الثوري الإيراني كان واضحا في رده على مواقف أوربية وأخرى أميركية في 19/10/2017 بوقف البرنامج البالستي أكد فيه الحرس الثوري على مواصلة تطوير الصواريخ ومد نفوذه الإقليمي بوتيرة أسرع على الرغم من الضغوط وصرح قائد الحرس الثوري محمد جعفري بأن جغرافية نفوذ بلاده في الوقت الحالي غير قابلة للتحكم، واعتبر أن دعوات تعميم المفاوضات النووية على مجالات قوة النظام تأتي بالتزامن مع بداية مرحلة تكامل الثورة الإيرانية التي تقضي على الحضارة الغربية وأن العقوبات لم توقف تطوير البرنامج.

تأتي هذه الخطوات التصعيدية من الحرس الثوري في سياق الرد الإيراني على خطوة الرئيس الأميركي رونالد ترمب برفض التصديق على الاتفاق النووي وإعادته إلى الكونغرس وإعلانه عن استراتيجية لمواجهة ما وصفه بتهديد إيران المتنامي في المنطقة، خصوصا برنامج الصواريخ البالستية، ووصف بيان الحرس الثوري ترمب بالمارق والأحمق واعتبره دليل على فشل السياسات الأميركية والصهيونية لتغيير خريطة المنطقة وتقسيم الدول وأنها غاضبة من دور قوات الحرس الثوري في المنطقة، وأنه أكثر عزما من السابق على مواصلة رسالته الثورة.

وأشار جعفري إلى أن أولويات الحرس الثوري هي تنمية القدرات الدفاعية لإمطار الأعداء بالقذائف النارية متعهدا بأن قواته ستقف أمام الأعداء في سياق العبور من المرحلة الثالثة للثورة الإيرانية، وتهكم من أميركا وحلفائها لو أن بإمكانهم إلحاق الضرر بإيران لألحقوه خلال 40 عاما وما كانوا ليضيعوا دقيقة من أجل ذلك.

انزعج الحرس الثوري من كلمة هيلي في مجلس الأمن بعد رفض ترمب الاتفاق النووي وقالت هيلي إن الولايات المتحدة انطلقت إلى التصدي للسلوك الإيراني المدمر بجميع جوانبه، وليس جانبا واحدا منه، وأضافت أن من الضروري أن يقوم المجتمع الدولي بالأمر ذاته، وأشارت في كلمتها إلى صفقات بيع الأسلحة والدعم العسكري لجهات مقاتلة في اليمن وسوريا ولبنان، على أنها تشكل أمثلة على انتهاك إيران قرارات الأمم المتحدة، وطالبت بمحاكمة إيران على مجمل سلوكها العدواني والمزعزع للاستقرار والمنتهك للقوانين وأن أمام المجلس فرصة لتغيير سياسته تجاه النظام الإيراني.

توصل ترامب إلى استراتيجية في التعامل مع السلوك الإيراني وبالطبع هناك تنسيق مع السعودية الدولة الكبرى المعنية في المنطقة والتي تدافع عن الأمن العربي وليس فقط عن الأمن الخليجي.

 فلم ينسحب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، لكنه ربط انسحابه إذا لم يحصل على شروط أفضل، وهي تتجه نحو ممارسة ضغوط شديدة على وكلاء إيران في المنطقة أعتقد أن استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية في 4/11/2017 هي جزء من هذا الضغط على وكلاء إيران في المنطقة وخصوصا حزب الله اللبناني.

رغم أن طهران في وضع تستطيع الرد على شركاء الولايات المتحدة مثالا الأكراد وحتى القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، لكن ستحسب إيران خطواتها لأن ترمب لم يستخدم حتى الآن فرض عقوبات الأكثر صرامة على إيران، لكن خطاب ترمب تضمن تحذير قاسي.

رغم أن ردة الفعل الأوربية احتوت التوتر الشديد بين ترمب وإيران وأصدر قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانا مشتركا يحضون فيه الكونغرس الأميركي على عدم فرض عقوبات جديدة من شأنها تقويض الاتفاق المبرم وهو ما يجعل إيران تراجع سلوكها تجاه المنطقة الذي رفض ترمب على عكس أوباما ربطه بالاتفاق النووي وفي نفس الوقت يريد اتفاقا أكثر صرامة من حيث تمديد فترته وتأمين إنفاذ أكثر صرامة لبنوده.

حاول كبار مستشاري الرئيس ترمب توصيف خطاب الرئيس بشأن إيران كجزء من جهود موسعة لإحكام السيطرة على سلوكيات طهران العدائية في منطقة الشرق الأوسط، ولقد أعرب أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية ممن ساعدوا في صياغة الاستراتيجية الأميركية حيال إيران عن رأيه حول الحملة الدولية الموسعة لمواجهة السلوكيات العدائية الإيرانية في المنطقة، لاحتواء إيران في اليمن، ولبنان، والخليج العربي، وفي أماكن أخرى، وأكد أن الحلفاء الأوربيون يعملون معنا كما ذكر المسؤول، ويبدو أن بيان القادة الأوربيون يتسق مع موقف الإدارة الأميركية من أجل احتواء السلوك الإيراني حتى لا يتجه نحو الانتحار، خصوصا في ظل تعقيد التضاريس الإقليمية في المنطقة ومدى تأثر المصالح الأميركية سلبيا بسبب النزاعات المحلية الناشئة.

ومن أجل مواجهة العديد من بؤر التوتر في المنطقة التي تتطلب احتواء المد الإيراني الذي يصر عليه الحرس الثوري ولن يتنازل عنه، فلم يكن أمام الرئيس الأميركي سوى الدفع بالاتفاق النووي إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، ومن جانب آخر لم تتوقف القيادة السياسية في السعودية التوقف عند الموقف الأمريكي، بل هي تقيم شراكات سياسية واقتصادية مع روسيا والصين لخلق توازن في احتواء السلوك العدائي الإيراني.

 لم تتضرر فقط السعودية من السلوك العدائي الإيراني، بل كذلك روسيا، لكن إيران كانت الجسر الذي عبرت عبره روسيا إلى سوريا، لذلك تتجه السعودية إلى احتواء سلوك إيران العدائي عبر عدد من الدول الكبرى التي اقتنعت بأن المنطقة لابد من أن تدخل مرحلة الاستقرار من أجل تحفيز النمو بعدما ضرب الإرهاب العالم وبدأت الدول العظمى تشعر بأهمية المنطقة اقتصاديا بعدما وقعت السعودية عدد من الاتفاقيات الاقتصادية وأصبحت نقطة ارتكاز في طريق الحرير، ولن تستطيع الحكومات والدول العمل في ظل سلوكيات عدائية وإرهابية لإيران في المنطقة، خصوصا أمريكا والصين وروسيا تتصارع على المنطقة من أجل تحفيز نموهم الاقتصادي.

لكن هل تضمن السعودية أن إيران لن تستخدم الأسلحة النووية ضدها، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من ردع دول مثل كوريا الشمالية ولا إيران؟ وكيف تحمى نفسها؟ هل الأسلحة التقليدية يمكن أن تحميها من أي هجوم محتمل، خصوصا وأن إيران حتى الآن أسلحتها التقليدية لديها متخلفة عن الأسلحة التقليدية الموجودة لدى السعودية، ولن تقدم السعودية على مهاجمة إيران بل وقفت أمام الضربة الإسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية، فهل يدفع مثل هذا التخلف في امتلاك مثل تلك الأسلحة التقليدية التي تتفوق عليها السعودية بأن يكون مدعاة لاستخدام أي سلاح نووي مستقبلا، أو الإصرار على التوصل لصناعة سلاح نووي لتعويض التخلف، وكيف يكون الرد السعودي؟ خصوصا وأن الاستراتيجية السعودية الجديدة تشكيل خط أمني ذاتي من دون الاعتماد على الولايات المتحدة خصوصا على المدى المتوسط والطويل.

رغم أن البعض يرى أن صناعة تخصيب اليورانيوم قيد السيطرة وأن تصنيع الوقود عالي الجودة سواء كان من البلوتونيوم أو من اليورانيوم عالي التخصيب هو أصعب المراحل في أي برنامج، لكن التكنولوجيا لم تعد من العوائق الكبيرة أمام صناعة القنابل النووية، فأسرى الحرب من الألمان والنمساويين وبعد إطلاق سراحهم استفاد منهم الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينات في اختراع جهاز طرد مركزي بسيط يعمل بالغاز وغير مكلف نسبيا، وكذلك الولايات المتحدة حاولت الاستفادة منهم لصناعة أجهزة الطرد المركزية البسيطة، بل حاولت دول مثل استراليا والبرازيل وبريطانيا والهند والصين وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل ودول أخرى عدة الاستفادة من صناعة نسخها الخاصة من التقنية السوفياتية القديمة الرامية إلى تخصيب اليورانيوم.

لذلك اتجهت السعودية إلى إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية على أن تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، وذلك بهدف تنظيم قطاع الصناعات العسكرية في المملكة وتطويره، وتشكيل مجلس إدارة للشركة السعودية للصناعات العسكرية.

الشركة تسعى لتكون من أكبر 25 شركة في القطاع عالميا بحلول 2030 حيث تلتزم الشركة بتوطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري للمملكة بحلول عام 2030، ووقعت الشركة في الفترة الماضية مذكرا تتفاهم مع عدد من كبرى الشركات العالمية في قطاع الصناعات العسكرية، هي بيونج، ولوكهيد مارتن، وريثيون، وجنرال داينامكس، وروزوبورن اكسبورت، لدعم عمليات التطوير القائمة والمستثمرة في الشركة عبر مجالات عملها الأربعة الرئيسية هي الأنظمة الجوية، والأنظمة الأرضية، والأسلحة والذخائر والصواريخ، والإلكترونيات الدفاعية.

عينت الشركة الدكتور أندرياس شوير رئيسا تنفيذيا حيث يتمتع بخبرة كبيرة في قطاع الصناعات العسكرية ورؤية واسعة في مجال إنشاء وإدارة شركات الصناعات العسكرية العالمية وسيتولى انتقاء وتعيين أعضاء فريق الإدارة التنفيذية العليا من بين مجموعة من الكفاءات المتخصصة وأصحاب الخبرات للعمل سويا على تفصيل مذكرات التفاهم الموقعة والانتقال إلى مرحلة الشراكة الكاملة والبحث عن شراكات جديدة.

تتمثل رسالة الشركة في العمل على تطوير أحدث المنتجات التقنية مع التركيز على الإبداع والابتكار، وتقديم حلول متكاملة تسهم في دفع عجلة تطوير قطاع الصناعات العسكرية في المملكة والحفاظ على أمن المملكة وحلفائها.

حيث تعمل الشركة على تحقيق ثلاثة أهداف زيادة المحتوى المحلي من المنتجات والخدمات العسكرية، والاستثمار في الجوانب الاستراتيجية المربحة، والحرص على تحقق الصناعات العسكرية مساهمة أكبر في الاقتصاد بشكل عام.

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق