هل يمكن إخراج إيران من سورية بعد تخليها عن اليمن؟

وأد الاتفاق النووي مع إيران أدى إلى أن هناك مخاوف في طهران من إسدال الستار على دورها في سوريا، ليس هذا فحسب، بل نجد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد لقائه رئيس الوزراء الفرنسي ماكرون صرح بأنه قال له لم أطلب من ماكرون الانسحاب من الاتفاق لأنه سينهار من نفسه مدعوما من تحذير الخزانة الأميركية حلفاء واشنطن من التعاملات المالية مع إيران، مع اتساع الهوة التي تفصل واشنطن عن العواصم الست الأخرى في مجموعة السبع حتى أصبحت المجموعة بسبب انقسامها تطلق على نفسها مجموعة ال6+1 فقط بين المجموعة التوافق حول الملف النووي لكوريا الشمالية حيث يريد الجميع نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، يمكن توقع مثله في الملف السوري .

حيث هناك توافق بين فرنسا وروسيا في الزيارة التي قام بها ماكرون إلى روسيا في 24 و 25 مايو 2018 وتوافقهما على بناء آلية للتقريب بين ما تقوم به مجموعة آستانة ( روسيا وتركيا وإيران ) والمجموعة الضيقة ( الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن )، وتعتبر باريس أن محددات الحل باتت معروفة، لكن الأمر بالنسبة لباريس هو أنه لا طبيعة لآلية التي يريدها الرئيس الفرنسي ماكرون ولا شكل عملها ومداه معروفان في الوقت الذي تنشط فيه موسكو وواشنطن بالنسبة للملف السوري خصوصا في موضوع التهدئة في جنوب سوريا وانسحاب المليشيات الإيرانية لمسافات بعيدة مقابل وصول قوات النظام إليها، لكن المليشيات الإيرانية تتواجد بلباس النظام مما أدى إلى قتل قائد من الحرس الثوري في درعا خليل تختي نجاد وعدد من عناصره في منطقة دير العدس شمال غربي محافظة درعا والتي تعرف بمثلث الموت.

نشر عسكريين روس في سوريا قرب الحدود اللبنانية أثار خلافا مع ميليشيات مدعومة من إيران ومنها حزب الله اللبنانية التي عارضت هذه الخطوة غير المنسقة، مما تحايلت تلك المليشيات ولبست ملابس النظام من أجل البقاء في جنوب سوريا، خصوصا في منطقة القصير في منطقة حمص اعتبرها حزب الله واقعة منفردة تصرفت فيها روسيا دون تنسيق مع حلفاء الرئيس بشار الأسد المدعومين من إيران، خصوصا وأنهم يعتبرون الدعم الإيراني والروسي كان حاسما للأسد في الحرب.

اختلاف أجندات الطرفين في سوريا أصبح أكثر وضوحا في ظل ضغوط إسرائيل على روسيا لضمان عدم توسع نفوذ إيران العسكري وحلفائها في سوريا، تأتي هذه بعد الدعوات التي وجهتها روسيا في الآونة الأخيرة لمغادرة كل القوات غير السورية جنوب سوريا تستهدف إلى حد ما إيران علاوة على القوات الأمريكية المتمركزة في التنف على الحدود السورية – العراقية، وكانت القصير مسرحا لمعركة كبيرة في الحرب الأهلية السورية في عام 2013 عندما لعب مقاتلو حزب الله دورا رئيسيا في تحويل دفة الحرب لصالح الأسد، لكن تعرض قاعدة جوية عسكرية في المنطقة نفسها لهجوم صاروخي في 24 مايو 2018 ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذا الهجوم، في المقابل هناك جيوب للمعارضة في جنوب غرب البلاد حيث ساهم خفض التصعيد التي جرى الاتفاق عليها مع روسيا والأردن في احتواء القتال في مناطق قرب إسرائيل، كذلك تطالب الولايات المتحدة بسحب إيران قواتها من جنوب سوريا، الأمر الذي دفع وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى ربط انسحاب القوات الإيرانية من جنوب سوريا بانسحاب القوات الأمريكية من التنف شرق سوريا.

في ضوء تصرف روسيا بعيدا عن شركائها ما جعل وسائل إعلام إيرانية تطلق موجة انتقادات لاذعة ضد روسيا بسبب ما تم تداوله حول قرب إسدال الستار على الوجود الإيراني في سوريا، لكن في المقابل قال مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام إن الإسرائيليين أبلغوا الروس بعدم تكرار ما حدث عقب الهجوم على قاعدة تي فور وهو ما يشير إلى وساطة روسية للتهدئة بين إيران وإسرائيل ولم تعلق روسيا على هذا التصريح، لكن أكد إعلان قاعدة حميميم الروسية في صفحتها على فيسبوك عن اتفاق مبرم حول جنوب سوريا يتناول بشكل واضح سحب القوات الإيرانية المساندة للقوات الحكومية السورية في المنطقة ويتوقع تنفيذه خلال أيام.

ونشرت صحيفة سازندكي المقربة من حسن روحاني في 3/6/2018 صورة لرئيس النظام السوري بشار الأسد على صفحتها الأولى وتساءلت في عنوانها الرئيسي عما إذا كان الأسد تخطى إيران، حتى وصلت تساؤلات الصحيفة حول عودة بشار الأسد إلى المشاركة في القمة العربية إضافة إلى الضوء الأخضر الإسرائيلي لاستمراره في منصبه وصولا إلى البحث عن دور بوتين في الاستراتيجية الروسية – السورية الجديدة وما إذا كان بشار الأسد يعود إلى مواقفه السياسية قبل الحرب؟ يبدو أن الموقف السياسي الجديد بعدما أصبحت أولوية إخراج إيران ترك مصير بشار الأسد مؤجلا إلى عودة سوريا الدولة.

من أجل احتواء إيران التوتر مع روسيا قلل مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام أن يكون هناك انقسام بين إيران وموسكو حول وجود القوات الأجنبية في سوريا مشيرا إلى أن القوات الأميركية كذلك لم تحصل على إذن من الحكومة السورية ولا قرار من الأمم المتحدة، لكنه نسي أن الولايات المتحدة تجاهلت دول كبرى وحلفائها الأوربيين عندما انسحبت من الملف النووي الإيراني، فهل تبحث الولايات المتحدة عن قرار وجودها في سوريا؟، بل أيضا قال يجب ألا تتدخل روسيا في الشؤون الداخلية السورية مستبعدا كذلك مواجهات جديدة مع إسرائيل على غرار الهجوم على قاعدة تي فور الذي قتل فيه مستشارون إيرانيون من بينهم خبير في طائرات الدرون لكنه لم يشير إلى الهجوم على قاعدة عسكرية في 24 مايو 2018 والتي لم تعترف إسرائيل بأنها من قامت بالهجوم عليه.

 تتلقى إيران الضربة القاضية من حليف كانت تصر على أنها دخلت معه في شراكة استراتيجية لا عودة عنها، ما يعني نهاية الطموح الإيراني، فبعدما تنازلت عن اليمن سيتم إخراجها عنوة من سوريا على يد حلفائها، بسبب أن طهران ذهبت بعيدا في طموحاتها ممنية نفسها بأنها تنال بعض الامتيازات الاقتصادية وتثبيت قدم شيعية في شرق المتوسط عبر إقامة قواعد عسكرية، اعتبرته إسرائيل خط أحمر وتحولت إسرائيل من لاعب ثانوي إلى لاعب رئيسي.

 لأن إيران تدرك أن حزب الله بمفرده لا يكفي في ظل الوجود الروسي بعدما هزمت واستدعت روسيا إلى سوريا، لكنها لم تتوقع تلك النهاية المأساوية التي ستعجل بنهاية إيران في سوريا الذي أعقب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، فيما روسيا تغلب تقاربها مع الولايات المتحدة على التقارب مع إيران، حيث يشيد بوتين بشجاعة ترمب في اتخاذ قرار عقد اجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي بأنه قرار شجاع وناضج، وقال بوتين أنه يتوقع نتيجة إيجابية، في المقابل قال ترمب أنه سيلتقي في مارس الماضي 2018 أنه سيلتقي قريبا بوتين، لكن منذ ذلك الحين تدهورت العلاقات المتوترة بالأساس بين واشنطن وموسكو بسبب الصراعات في سوريا وتسميم جاسوس روسي سابق في بريطانيا، لكن بوتين يرى أن اللقاء مع ترمب سيكون بناء هذه المرة.

إذا تورط حزب الله بضرب إسرائيل انتقاما من إخراجه من سوريا هو ومليشيات الحرس الثوري الإيراني، وهو في أضعف حالاته، لكنه يعتمد على امتلاكه 135 ألف صاروخ وقذيفة، ستكون نهاية حزب الله في لبنان هذه المرة، خصوصا وأن ميزان القوى يميل لصالح إسرائيل، ولديها تقدم عسكري كبير في سوريا، بينما الإيرانيون في سوريا ضعفاء، رغم ضعفهم لن تقبل إسرائيل أن يقوم الإيرانيون ببناء قواعد بحرية في سوريا لأن أكثر مما تستورده إسرائيل يأتي عبر البحر ولن تقبل أن تكون رهينة مستقبلا لإيران حتى لو أدى إلى حرب شاملة.

وتدرك إسرائيل بأنها القوة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع وقف المشروع الإيراني، خصوصا وأن إيران في أوج ضعفها وهي تتلقى ضربات في اليمن على يد قوات التحالف بقيادة السعودية، ويكفيها أن الولايات المتحدة تؤيدها حتى لو وقف جميع الأوربيون ضدها لكنهم لا يملكون من أمرهم شيئا، خصوصا وأن أمريكا تريد مغادرة الشرق الأوسط ما يجعل إسرائيل تستبق مغادرتها بإخراج إيران ليس من جنوب سوريا بل من المنطقة بالكامل.

 بينما تريد روسيا فقط الحرص على بقاء الأسد فستوافقها إسرائيل في بقاء الأسد في مقابل السماح لها بضرب القواعد العسكرية الإيرانية دون تدخل روسيا خصوصا وأن روسيا تبحث عن التقارب مع أمريكا، لذلك ستحرص على إخراج المليشيات الإيرانية وحتى وإن كانت تصب المصلحة ذاتها للنظام السوري خصوصا وأن القرار ليس في يده بل في يد روسيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق