هل فقد نظام الملالي توازنه حينما يهدد بوقف إمدادات النفط العالمية؟

زلزال يضرب إيران ويبدو أن النظام بدأ بفقد توازنه، خصوصا بعدما أصبح في مواجهة شعبه، لم تستوعب إيران رسالة ما بعد داعش، وأمريكا أولا الذي يأتي ضمن إعادة تموضع أمريكا وتغيير استراتيجيتها، ولم تعد أمريكا الجديدة في عهد ترمب أن تقبل الاستمرار في القيادة من الخلف كما كانت في عهد أوباما، والتي ثبتت أنها استراتيجية أضعفت مكانة أمريكا لصالح أطراف أخرى خصوصا الصين وروسيا.

جون ماكين السناتور الجمهوري الأمريكي والسياسي المتفرد من ولاية أريزونا أصدر تعليق صريح حول الحالة الديمقراطية الأمريكية والقيادة العالمية والرد الشعبوي الذي أدى إلى انتخاب الرئيس دونالد ترمب، يعترف ماكين بكراهيته لبوتين ويعتبره رجلا شريرا يمثل خطرا حاضرا وواضحا رغم إعجابه به، ويعتبر الصين التحدي الرئيس طويل الأمد أمام الولايات المتحدة، ويعترف ماكين أن غزو العراق كان تصرفا خاطئا، ويعتقد أن الولايات المتحدة كان بإمكانها إنقاذ هذا البلد بسبب أن الشرق الأوسط يعيش العواقب التي ترتبت على انهيار تلك الدولة والثقل الموازن لإيران على نحو مماثل.

لذلك يبدي ازدراءه لسياسة أوباما المتمثلة في القيادة من الخلف، وأخفق ماكلين في إنقاذ الخط الأحمر في سوريا وفي إقناع أوباما الذي دعاه لاجتماع حول سوريا، ويعتبر نهج أوباما الخفيف والمرهق عالميا نحو السياسة الخارجية على أنه مضلل بشكل كبير ما شجع حلفاء الولايات المتحدة البحث عن حلفاء آخرين والاعتماد على النفس لملئ الفراغ الذي تركه أوباما.

أمريكا في عهد ترمب تمر بنقطة تحول بعدما وصلت أمريكا إلى مرحلة حرجة، وربما القرارات التي اتخذها ترمب تعمل على إغلاق الباب أمام عهد النظام العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودخلت مرحلة لم تتحدد معالمها خصوصا وأنها تشعر أنها بدأت تفقد القيادة بعد تمرد عدد من الدول الإقليمية خصوصا مثل السعودية وتركيا، ما يتطلب وقف النفوذ الإيراني الذي تسبب في تمرد السعودية على الولايات المتحدة وبدأت تنحو نحو سياسات أكثر استقلالا عن الولايات المتحدة وهي لا تريد أن تخسر حليفا مهما في المنطقة مثل السعودية.

وحينما يربط الحرس الإيراني بين العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران وتشمل النفط بتهديد وقف إمدادات النفط وهو ما يمثل عبارة عن فقاعات هوائية، لأن إيران تدرك أن أي تهديد لإمدادات النفط التي تصدر من دول المنطقة هو تهديد للملاحة العالمية وليس تهديدا لدول المنطقة خصوصا وأن المنطقة تعج بالقواعد العسكرية الأمريكية والغربية، وستواجه إيران كل دول العالم، هذا علاوة على أن السعودية لديها بدائل لتصدير نفطها الخام في زمن الأزمات والحروب عبر البحر الأحمر، وكذلك دولة الإمارات عبر بحر العرب، فلن يتضرر البلدان المستهدفان في تلك التهديدات من أي تهديد مستقبلي، ولن تدخل السعودية بمفردها في مواجهة مباشرة مع إيران ما لم تعتد إيران على السيادة السعودية بشكل مباشر.

التقارير تثبت أن طهران احتضنت كثيرا من الجماعات الإرهابية في أعقاب الهجوم الأمريكي على أفغانستان إبان تفجيرات 11 سبتمبر 2001 حيث جعلت لهم مقرا لعمليات التنظيمات الإرهابية، لاستهداف الدول في المنطقة، خصوصا السعودية، وتصدير العناصر الإرهابية إلى اليمن والعراق وسوريا وليبيا، وكل هذه الدول تعرضت لعمليات إرهابية متعددة الأدوار، إلا إيران لم تتعرض لمثل تلك العمليات الإرهابية، بحيث أن إيران والإرهاب ليسا عدوين.

باعتراف معاون السلطة القضائية الإيراني محمد جواد لاريجاني في مقابلة حصرية مع التلفزيون الإيراني الرسمي الذي أوضح بأن إيران سهلت مرور عناصر القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، وأن الحكومة الإيرانية وافقت على عدم ختم جوازات بعضهم لأنهم عبروا بشكل رحلات ترانزيت لمدة ساعتين وكانوا يواصلون رحلتهم دون ختم جوازاتهم، لكن كل تحركاتهم كانت تحت إشراف المخابرات الإيرانية بشكل كامل.

وقد وضعت أمريكا إيران على قائمة لائحة الإرهاب منذ عام 1984 وذلك نتيجة دعمها حزب الله وتنظيمات أخرى، وقد نشرت منظمة الأمم المتحدة عدة تقارير لانتهاكات إيران للمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن نتيجة دعمها الحوثيين بتسليحهم في اليمن، وقد ظهر دورها من خلال توفيرهم الصواريخ البالستية الإيرانية التي وصلت إلى الرياض في عدة مرات مما شكل ضررا مباشرا على أمن السعودية.

 يعارض خامنئي انضمام إيران لاتفاقية منع تمويل الإرهاب وأنهى آمال حكومة حسن روحاني بتمرير تشريع قانون منع تمويل الإرهاب وغسل الأموال، تمهيدا لانضمام طهران إلى اتفاقية (فاتف) الدولية، وطالب نواب البرلمان الإيراني بإعداد بديل لتشريعه، بالطبع خوفا من استهداف أنشطة الحرس الثوري وذراعه فيلق القدس فضلا عن تمويل جماعات مسلحة مثل حزب الله اللبناني.

أمهلت مجموعة (فاتف) في مارس 2018 طهران لتمرير القانون قبل وضع طهران على القائمة السوداء، وسبق أن صنفت (فاتف) في عام 2009 طهران بين أكثر الدول التي تشكل مخاطر على مجموعة العمل المالي (فاتف)، بعد أربعة أشهر من تنفيذ الاتفاق النووي، كانت المجموعة أعادت تصنيف إيران وكوريا الشمالية على رأس القائمة السوداء، لكنها علقت الإجراءات ضد إيران.

شهد البرلمان الإيراني على مدى شهرين نقاشا مثيرا للجدل بين النواب والمعارضين للمشروع والنواب الموافقين، وقال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني لا رأي للمرشد الإيراني حول الانضمام، وأنه يعتبر البرلمان صاحب القرار، لكن تلقى نواب في البرلمان رسائل تهديد من دون الكشف عن الجهة، لكن نائب رئيس البرلمان علي مطهري أتهم ممثل المرشد الإيراني وخطيب جمعة مشهد أحمد علم الهدى بالوقوف وراء رسائل التهديد.

 لم تستخدم طهران فقط التهديد بوقف الإمدادات النفطية فقط بل كذلك هددت بأن انهيار الاتفاق النووي ستكون له تبعات على أمن المنطقة، كما كشفت شبكة إيرانية خططت لاستهداف مؤتمر لمعارضين في باريس، وهناك اعتقالات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهناك دبلوماسي بسفارة طهران في فيينا نقل المتفجرات، خصوصا بعدما صرحت رجوي بأن تغيير النظام في طهران أصبح في متناول اليد أكثر من أي وقت مضى، وحليف لترمب يقول إن نهاية حكام إيران اقتربت، وبدأ خامنئي يتهم واشنطن بتأليب الإيرانيين.

واشنطن تتعهد بوقف النشاطات المدمرة وتطالب شركاءها بالرد على السلوك الخبيث، وبعد الولايات المتحدة الأمم المتحدة بدأت تنتقد الصواريخ الإيرانية وتعتبر الاتفاق النووي على مفترق طرق، وبعد الضغط الأمريكي أصبحت مصاف آسيوية تبدأ البحث عن بدائل لنفط إيران، وهناك 160 شركة أوربية عاملة في إيران مهددة بعقوبات أمريكية قاسية، وصدر عن باريس أنها لا تستطيع إجبار شركاتها على الاستمرار في التعامل مع إيران.

لن تنفع زيارة روحاني لأوربا وبشكل خاص لسويسرا وصرح من هناك بأن خطة أميركا لحظر الخام الإيراني محض خيال، رغم ذلك قائد الحرس الإيراني ينتقد بطء تصدير الثورة في المرحلة الثالثة لأن الحرس الثوري قسم الثورة إلى أربعة مراحل الثورة وتثبيت الثورة إلى تصدير الثورة وإعلان الدولة الإسلامية بمحورية إيران. اعتبر قائد الحرس الثوري بطء المرحلة الثالثة بسبب أسلوب الإدارة التنفيذية والمبادئ الفكرية وخلافات المسؤولين، لكنه أبدى أسفه من أوضاع الثورة في داخل إيران، ويتفاخر بتمدد الحرس الثوري في سوريا والعراق ولبنان، لكنه هذه المرة لم يذكر اليمن كعادته.

رغم ذلك ادعى أن بلاده قريبة من النصر في اليمن، والغريب أن تأتي مكالمة بين حسن روحاني التي دخلت بلاده مرحلة الأزمة مع أمير قطر تميم الذي يعاني هو الآخر أزمة مقاطعة، ويبحثان عن الوضع في اليمن، ويبدي روحاني قلقه من تراجع الحوثيين، ويؤكد بأن المسار العسكري محكوم بالفشل.

بل يعتبر قائد الحرس الثوري محمد على جعفري أثناء إلقاء خطاب في طهران في 19/6/2018 قائلا بأن انتصارات شعوب العراق ولبنان وسوريا التي حدثت نتيجة التبعية للثورة الإيرانية، وكأنه يعيش حالة من الغيبوبة أو حالة من الضياع بينما يعرف الجميع أن هذه الدول تعاني من الطائفية والصراعات والإرهاب نتيجة تصدير إيران الثورة إليها.

هناك تهديد مبطن للرئيس روحاني وتذكيره بالرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر والمرشد الأول الخميني حول حرب الخليج الأولى مع العراق أقيل من منصبه عام 1980، وسبق أن وجه خامنئي تحذير لروحاني في يناير 2017 من تكرار سيناريو أبو الحسن بني صدر.

ما فرض على روحاني أثناء زيارته لفيينا بأن يتحدث حديثا مبطنا يحوي معالم التهديدات الموجهة للولايات المتحدة إن هي مضت قدما في مشروعها في فرض عزلة على إيران بأنه سيكلفهم ثمنا باهظا جدا، وسيكون الشعب الإيراني أكثر مقاومة، ما يعني أن روحاني يذهب في إطار وقف تصدير النفط من مضيق هرمز وتعطيل الملاحة الدولية، ولأول مرة وجه قاسم سليماني لروحاني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري المكلف بالعمليات الخارجية رسالة أشاد فيها في 4/7/2018 بموقف روحاني وفي رسالة نشرتها وكالة فارس كتب سليماني قائلا أقبل يدكم لتصريحاتكم الحكيمة والصائبة هذه أتت في وقتها المناسب في إشارة تصريحات روحاني الأخيرة حول إسرائيل والتهديدات الأميركية للنفط الإيراني، وهو تطور لافت بعد تهديد روحاني بمصير أبو الحسن بني صدر وفي تطور لافت بالساحة الإيرانية وحدة موقف بين الحرس والحكومة.

أمريكا حسمت الأمر وأبدت البحرية الأميركية تصميمها في تصريح صادر عن البحرية الأميركية في 5/7/2018 على حماية إمدادات النفط وحركة الملاحة في مضيق هرمز ردا على تهديدات إيران بوقف الإمدادات وإغلاق المضيق بأنها وشركاءها في المنطقة مستعدون معا لضمان حرية الملاحة وحركة التجارة حيثما يسمح القانون الدولي بعدما طلبت واشنطن من الدول الامتناع عن شراء النفط الإيراني اعتبارا من الرابع من نوفمبر 2018 ودعت الشركات إلى وقف التعامل مع إيران تحت طائلة فرض عقوبات مالية على الأطراف التي لا تستجيب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق