هل الخليجيون بقيادة السعودية قلبوا صفحة أوباما؟

كثير من المحللين السياسيين يرون أن المسؤولين الخليجيين وخصوصا السعودية لا يعولون كثيرا على زيارة كيري إلى السعودية في 24/8/2016 الذي التقى بالقادة وبوزير الخارجية خصوصا وأن هناك شعورا خليجيا عاما بأن إدارة أوباما باتت عاجزة عن اجتراح مبادرات نوعية لحل أزمة المنطقة تتوافق مع استراتيجية أوباما الذي يؤكد دائما بأنه لن يوافق أن يركب العالم بالمجان ويدع الولايات المتحدة بمفردها تدفع الثمن، أي يجب أن تعتمد الدول على نفسها، وهو القرار الذي اتخذه قادة دول الخليج بقيادة السعودية تماشيا مع استراتيجية أوباما.

لكن إذا كانت تلك استراتيجية إدارة أوباما، لكن لماذا القلق ينتاب الإدارة الأمريكية من الدور السعودي الذي لم يعد يراهن على الدورين الأمريكي والروسي في رسم معالم منطقته، يبدو أن الولايات المتحدة تريد أن يكون حضورها واضحا وبارزا حتى لا تترك فراغا يملؤه الدور الروسي بمفرده ويستفرد بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة بمفرده، خصوصا وأن روسيا ذات إمكانات كبيرة ولكن يعاني ركودا اقتصاديا.

كما أن زيارة كيري هي زيارة استطلاعية للوقوف على رأي عواصم دول الخليج، ليس فقط في حل معضلة اليمن، بل كذلك تفقد الرؤية الخليجية في حل معضلة سوريا، بسبب أن دول الخليج يدعمون المعارضة السورية، وكذلك محاربة داعش الذي سيترك تساؤلات كبيرة وكثيرة حول من يتولى إدارة تلك المناطق بعد دحر داعش.

 وهي لقاءات تستبق لقاء كيري لافروف وزير خارجية روسيا في جنيف بعد يومين من زيارته للسعودية، حيث تتجه الإدارة الأمريكية إلى مواقف تنسيقية مع وروسيا وهي تريد أن تباركها الرياض، حتى لا تصطدم بأي معارضة إقليمية، خصوصا وأن واشنطن لم تلحظ أي تغير في موقف الرياض تجاه سوريا، بينما تغير موقف أنقرة تجاه سوريا وإن كان يعتبر تغير تكتيكي حتى تستعيد تركيا أمنها الإقليمي والحدودي، وترك القرار حول سوريا للسعودية، وهي تدرك مواقف السعودية بأنها مواقف ثابت، ولن يتغير تجاه سوريا.

 خصوصا وأن موقف إدارة أوباما معنية فقط بإدارة معركة داعش في العراق وسوريا فقط في الفترة المتبقية من رئاسته، بينما هو غير معني بأي تغييرات دراماتيكية في الشأن السوري، بل إدارته معنية بتسليم الملف للإدارة الأمريكية الجديدة في نوفمبر 2016.

 لذلك سيبقى الموقف الأمريكي ضبابي، سيحاول أن يرضي الجميع من الأتراك والأكراد ويتعايش مع الموقف الإيراني، وكذلك ستكون مواقف العواصم الخليجية غير متطورة حتى اتضاح هوية ساكن البيت البيض الجديد، ولن تجازف بالتكيف كثيرا مع المستجدات المتعلقة بتبدل العلاقات الروسية التركية الإيرانية، وهي أيضا بعضها تحالفات تكتيكية ليست بالضرورة استراتجية بسبب تضارب في الأهداف قد يكون هناك تقارب في المصالح وهي تغيرات ما زالت رخوة.

يحسب لدول الخليج مشاركة روسيا ممثلة بنائب وزير خارجيتها بوغدانوف في خطوة تؤكد التوجه الخليجي نحو إدراج روسيا في الملف اليمني بعد فشل محادثات الكويت، وحتى في الملف السوري، وكان حضور أمريكي بحضور وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ.

الدبلوماسية الخليجية بقيادة السعودية نجحت في تلك الاستراتيجية الجديدة بأن جعلت كيري يصرح ولأول مرة بكل وضوح بأن الحوثيين أقلية بل أقلية قليلة جدا، وهي عبارة مهمة، رغم أنه اتجه إلى تطمينهم في نفس الوقت بأنهم سيكونون مشاركون في أي حكومة وحدة وطنية، وأعلن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن التوصل إلى خريطة طريق لليمن من أجل التوصل إلى حل سياسي، حيث أن السعودية تكفلت بإدارة مستقبل اليمن، ولن تتخلى عنه بعد عودة الاستقرار.

الاجتماع المتعدد الأطراف بشأن اليمن يهدف إلى تبادل الأفكار والمبادرات لعودة المناقشات السياسية إلى مسارها ومحاولة التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع المستمر منذ 16 شهرا، حيث ينسق الجيش الأمريكي مع الحملة الجوية بقيادة السعودية في اليمن مما يساعد في ضمان حصول السعودية على الذخائر الموجهة بدقة لتقليل الخسائر المدنية.

تدرك السعودية حقيقة اليمن بأن له خصوصية مجتمعية حيث عانى اليمن من انقسامات تاريخية ودينية وقبلية، إذ لم يشهد لحظات وحدوية حقيقية، بسبب الانقسامات الجغرافية، حيث يبلغ الشريط الحدودي مع السعودية 1458 كيلو مترا ومع عمان 288 كيلو مترا، وتمتد الجبهة البحرية نحو 2522 كيلو مترا أي أن كل كيلو مترا من المساحة يقابلها 182.2 كيلو مترا.

إضافة إلى ضعف السلطة المركزية وتوافر السلاح للمواطنين وبحسب إحصائية للإنتربول في 2013 تحتل اليمن المركز الثاني على مستوى العالم في عدد الأسلحة، ما يزيد من احتمالية تصاعد الصراعات، إضافة إلى ارتفاع الشبان الذين يمكن الاستعانة بهم كمقاتلين خصوصا وأنهم يعانون من البطالة فليس أمامهم خيار سوى قبول الانضمام للقتال من أجل الحصول على مورد مالي يؤمن حياتهم وحياة أسرهم الفقيرة لذلك تهتم السعودية بتقديم المساعدات الإنسانية لوقف انضمام الشباب إلى القتال لكن الحوثيين وعلي عبد الله صالح يعرقلون وصول مثل تلك المساعدات.

ولم يقتصر الأمر على الحوثيين المدعومين من إيران كجماعة دائما ما سعت إلى الانفصال، وكذلك الحراك الجنوبي مع اختلاف الأساليب التي اتبعها كل فريق، لذلك كان الدعم الإيراني محفزا لإكمال الصورة التي وصلت إليها الأوضاع في اليمن نتيجة عقودا من الفساد والاستبداد في ظل حكم صالح الذي فشل في إدارة التعددية.

لذلك فرح اليمنيون بقوات التحالف بقيادة السعودية لإنقاذ اليمن من أقلية تابعة لإيران، لكنهم لم يتوقعوا أن يتحالف الحوثيون مع عدو الأمس علي عبد الله صالح، مما عقد الأزمة في اليمن وطال مداها.

 والآن يريد علي عبد الله صالح أن يزيد أزمة اليمن بالسماح للروس باستخدام قواعد اليمن لمحاربة الإرهاب، لكن الدبلوماسية السعودية نجحت في إشراك روسيا في الملف اليمني مما خيب أمل علي عبد الله صالح، خصوصا وأن المجتمع الدولي يؤكد ثقته برؤية التحالف العربي بقيادة السعودية والشرعية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق