من يضع قواعد جديدة للسوق: منظمة أوبك بقيادة السعودية أم النفط الصخري؟ (2/2)

ثبات حصة النفط في مزيج الطاقة العالمي:

حصة النفط في مزيج الطاقة العالمي عام 1981 كانت 81 في المائة، وإنه بعد مرور 30 عاما أي في عام 2017 كانت الحصة لا تزال 81 في المائة حسب تصريح للمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول لمؤتمر الطاقة التابع لمجلس الأطلنطي الذي انعقد في أبو ظبي في 12،13 من يناير 2018، وهو يعارض توقعات مناصري الطاقة النظيفة والمتجددة من بينهم الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، بل يرى بيرول أن الطلب على الوقود السائل سيرتفع حجمها في أحسن الأحوال إلى 300 مليون سيارة بحلول عام 2030 أو 2040 ولكنها لن تشكل سوى جزء بسيط من الأسطول العالمي للسيارات البالغ ملياري سيارة يعتمد معظمها على مشتقات النفط أو الغاز وقودا.

وهناك تقديرات أخرى حيث ترى شركة توتال العالمية للطاقة أن النفط الخام سيظل قلب مزيج الطاقة على مدار ال25 عاما المقبلة، وأنه مع الغاز سيشكلان نحو 60 في المائة من المزيج خلال تلك الفترة، خصوصا وأن الاعتماد على الغاز سينمو بوتيرة متسارعة بنحو 20 أو 25 في المائة خلال الفترة ذاتها، باعتبار أن الغاز هو أكثر موارد الوقود الأحفوري نظافة على اعتبار أن انبعاثاته أقل إلى مستوى النصف مقارنة بالفحم، وهو أكثر موارد الطاقة مرونة وقدرة على التكامل مع موارد الطاقة المتجددة التي ستشهد نموا سريعا أيضا خصوصا في مجال توليد الكهرباء.

وسيسيطر النفط والغاز على مزيج الطاقة بسبب أنه يمتلك احتياطيات نفطية تصل إلى 1.5 تريليون برميل من إجمالي الاحتياطيات المؤكدة، وسيصل عدد سكان المعمورة إلى تسعة مليارات نسمة في عام 2040 ونحو 1.5 مليار من السكان حاليا ممن يعيشون في حالة فقر حاد في احتياجات الطاقة وهناك نحو ملياري شخص في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية لا يحصلون على الاحتياجات الأساسية من الطاقة الأولية خاصة من النفط الخام.

سوق النفط قد تعافت بالفعل من واحدة من أكثر فترات الانكماش التي طال أمدها، والتي ضغطت على الأسعار بشكل غير مسبوق على الإطلاق، الأمر الذي دفع الكثير من الشركات على العمل بشكل جاد وسريع على تحقيق مزيد من الانضباط بشأن التكاليف، فصناعة النفط تبحث عن تحقيق في ظل وجود أساسيات سوق شاملة وقوية خصوصا وأن الانتعاش في الاقتصاد العالمي في عام 2017 وسيتم الحفاظ على هذا النمو في ظل 3.8 في المائة ، وحدث نمو قوي على النفط عام 2018 بنحو 1.6 مليون برميل وهو المستوى نفسه عام 2017 وسيقترب الطلب العالمي على النفط من كسر 100 مليون برميل يوميا.

التحولات والمتغيرات التي تطرأ على مزيج الطاقة العالمي يجب أن ينظر إليها كفرص واعدة وليس كمخاطر أو تهديدات تثير قلق المنتجين أو الشركات، حيث أن أغلب الشركات ستظل تعتمد على النفط والغاز بصفة أساسية، لكن ذلك لن يحول دون أن تعطي الشركات اهتماما أكبر للاستثمارات في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، إذ يقدر ذا إنرجي كولكتيف الدولي أن قطاع الطاقة النظيفة حقق أكثر من 333 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في عام 2017 وهو يعد ثاني أعلى مستوى بعد الرقم القياسي الذي بلغه وقدره 360.3 مليار دولار في عام 2015، إلى أن هذا النمو في الاستثمارات يعكس اهتماما دوليا متزايدا بالتقنيات الذكية والطاقة المتجددة حيث بدأ هذا التوجه بقوة منذ عام 2010 حيث تم استثمار ما مجموعه 2.5 تريليون دولار في الطاقة النظيفة، أغلبها كانت في الصين خصوصا في توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحجم استثمارات قدره 132 مليار دولار في عام 2017 تليها الولايات المتحدة 67 مليار دولا، ثم استراليا والمكسيك في حين استثمرت اليابان وبريطانيا وألمانيا عام 2017 أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة.

السعودية تتجه نحو تأسيس أكبر شركة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، والاستثمارات المتوقعة مع مجموعة سوفت بنط تناهز 200 مليار دولار وستمثل حصة كبيرة من مجمل الإنتاج العالمي للكهرباء، يمكن أن تصل طاقة إنتاج المشروع إلى 200 جياجاوات بحلول عام 2030، سيضاعف ذلك إلى طاقة مركبة عالميا تبلغ 400 جيجاوات ويمكن مقارنته بإجمالي قدرة التوليد النووية العالمية البالغة حوالي 390 جيجاوات كما في نهاية 2016، ستبدأ المرحلة الأولى من المشروع بـ 7.2 جيجاوات.

دبلوماسية الطاقة السعودية الروسية تعيد الاستقرار التدريجي للأسواق:

منتجو النفط يغيرون استراتيجيتهم من المنافسة إلى التعاون في ضبط المعروض، وهناك تقرير حديث للمنظمة الدولية عن الأمين العام محمد باركيندو أنه على يقين بأن السعودية ستقود لجنة مراقبة خفض الإنتاج إلى مزيد من الإنجازات في عام 2018 نتيجة الدعم السعودي الكامل لجهود أوبك وللاتفاق خارج المنظمة كان له دور حاسم في نجاح المنتجين التي لم يسبق له مثيل.

لأن السعودية ترى أن دور المستقلين لا يقل عن دور أوبك خاصة فيما يتعلق بتبديد مخاوف المستهلكين والعمل على التأكد من توافر الاستثمارات وتحقيق أمن الإمدادات وطمأنة كل أطراف الصناعة سواء كانوا منتجين أو مستهلكين من خلال الوصول إلى سوق مستقرة ومتوازنة.

التنسيق السعودي الروسي في أفضل حالاته وهناك توافق في الآراء بين السعودية وروسيا بشأن التعامل مع السوق في المرحلة الراهنة خاصة بعد التحسن في مستوى الأسعار وتقلص فائض المخزونات، وهناك حاجة لمزيد من الجهود من أجل التنسيق بين المنتجين لضبط المخزونات وتوفير علاج جذري لحالة وفرة وتخمة الإمدادات بالسوق.

نقل عن الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي أن التعاون مع السعودية وبقية منتجي أوبك وخارجها حيوي لأن وفرة المعروض ما زالت قائمة وكثير من براميل النفط تجد صعوبة في الحصول على مشترين وهو ما قد يعد مؤشرا على أن الأسعار قد تهبط عاجلا أو آجلا ما لم يتدخل المنتجون بإجراءات أكثر قوة وفاعلية لضبط العلاقة بين العرض والطلب.

بفعل التفاهمات الواسعة الحالية بين السعودية وروسيا اللتين بدأتا في تدشين دبلوماسية جديدة تخدم الاقتصاد العالمي وتعزز وضع المنتجين، ورغم أن هناك تقارير أوضحت أن التحالف الذي يضم 24 دولة نجح في خفض المخزونات النفطية إلى متوسط خمس سنوات حيث بلغ في الدول المتقدمة نحو 60.6 يوما من الطلب في ديسمبر 2017 ومع ذلك تؤكد السعودية وروسيا أن الهدف لم يتحقق بعد.

 هناك حاجة إلى جهود أكثر كثافة بين المنتجين بقيادة الدولتين للقضاء على التشوهات التي تعاني منها السوق نتيجة سنوات من حالة الإمدادات العالية المفرطة والبيانات غير المستقرة، وهناك توافق سعودي روسي إلى الحاجة على استمرار القيود المفروضة على العرض طوال عام 2018 يهدف إلى تحقيق المزيد من النجاح، حيث تسعى السعودية لإضفاء الطابع المؤسسي والشراكة الدائمة في تعاون المنتجين،في ضمان مستقبل مستدام للصناعة النفطية، ومحاولة دمج منتجي الصخري في منظومة تعاون مشترك، لأن أوبك تدرك أن الصخري لن يلبي إلا جزءا بسيطا من الطلب العالمي.

 خصوصا وأن اتفاق خفض الإنتاج أضاف 25 دولارا لكل برميل، وسيعطي إعادة انتخاب بوتين دفعة لاتفاق خفض الإنتاج والتعاون مع أوبك، خصوصا بعدما كانت السوق تتحدث عن إنهاء مبكر لصفقة خفض الإنتاج بين المنتجين بعد ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى 70 دولار للبرميل في مارس 2018 أكد وزير الطاقة السعودية الفالح على التمسك بالاتفاق خلال العام المقبل 2019 وهو ما كانت له آثار محفزة على تسجيل مستويات جديدة من الارتفاع لأسعار النفط.

السعودية تستهدف استعادة حصتها السوقية والتوسع في قطاع المصب:

يمكن أن يرتفع إنتاج النفط الصخري إلى 8.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025 مقارنة بنحو أربعة ملايين برميل يوميا في عام 2017، وبما أن صناعة التكرير في الولايات المتحدة ليست موجهة لمعالجة كميات كبيرة من النفط الخفيف الحلو بل سيكون في الأغلب موجها نحو التصدير ما يشكل تحديا طويل الأمد لدول أوبك وغيرها من المنتجين المتنافسين، لذلك بدأت السعودية تركز على خطط لاستعادة حصتها السوقية في العالم، وهي تعتزم الاستمرار في استراتيجية التوسع في قطاع المصب لتصبح على قدم المساواة مع شركات النفط الكبرى.

تمضي أرامكو قدما في استراتيجية توسعية بأنشطتها للتكرير والبتروكيماويات، وتقدر القدرات التكريرية للسعودية 5.4 مليون برميل يوميا وتقيم شراكات مهمة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول المهمة كالصين والهند، وهي تجري اتفاقات في شراء حصص في مصاف هندية وهي استراتيجية تتبعها السعودية لزيادة حصتها السوقية في آسيا والتفوق على منافسين، وتعهدت السعودية عام 2017 باستثمار مليارات الدولارات في مشروعات في إندونيسيا وماليزيا لتامين اتفاقات طويلة الأجل لإمدادات النفط من أجل أن تصل قدراتها التكريرية 8.5 مليون برميل يوميا.

خطة طموحة سعودية للاستفادة من احتياطيات الغاز غير التقليدية:

تدرك السعودية أن الغاز سيمثل أكبر نسبة زيادة في الطلب على الطاقة خلال الـ 25 عاما المقبلة، خصوصا وأن الغاز هو أكثر موارد الطاقة موثوقية وقدرة على التأقلم مع متطلبات مكافحة تغير المناخ التي يلتزمها المجتمع الدولي، رغم أن النفط سيظل المحرك للاقتصاد العالمي من تنامي الموارد الأخرى، لكن ترى السعودية أنها يجب أن تتجه نحو تطوير إنتاجها بالتكنولوجيا والابتكار والاستثمارات المهمة التي تركز على رفع مستويات الكفاءة وخفض الانبعاثات.

وكشف تقرير هارت إنرجي الدولي أن قدرات وإمكانات السعودية غير التقليدية تمثل نحو عشرة أمثال أضعاف قدرات واحتياطيات حجم النفط والغاز التقليديين، حيث قدر مجلس الطاقة العالمي أن السعودية لديها احتياطيات غاز قابلة للاسترداد تبلغ 7.49 مليار طن من النفط المكافئ، وتمتلك احتياطيات مؤكدة من الغاز التقليدية 8.489 تريليون متر مكعب في عام 2014.

مما جعل السعودية تطلق خطة طموحة للغاية للاستفادة من احتياطيات الغاز غير التقليدية خاصة الغاز من الصخر الزيتي والرمال الضيقة، هذا التحرك الواعي جاء نتيجة إدراك التحولات السريعة والجوهرية في منظومة الطاقة العالمية حيث تشهد السوق ارتفاع استهلاك الغاز المحلي وزيادة المنافسة بين الصناعات المختلفة على الغاز كمصدر أساسي مطلوب لتلبية احتياجات الطاقة.

ونقل تقرير هارت إنرجي عن شركة أرامكو تأكيدها أن الغاز من الموارد غير التقليدية خاصة الغاز الصخري يعد هو الوقود المفضل لتوليد الطاقة وتحلية المياه بسبب كفاءته المتزايدة وخصائصه النظيفة مقارنة بالوقود الأحفوري.

 ستكون السعودية من أوائل الدول خارج أمريكا الشمالية التي تستخدم الغاز الصخري بكثافة في توليد الطاقة المحلية، خصوصا بعدما أنجزت السعودية بنجاح حفر آبار في شمال السعودية للمساعدة على الوفاء بالتزامها بتقديم 55 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا من الغاز في عام 2018 لتلبية احتياجات الصناعة والكهرباء ودعم مرافق الطاقة في مشروع مدينة الوعد الصناعية، وتركز أرامكو على ثلاث مناطق في استكشاف الغاز غير التقليدي السعودية لاستخراج الغاز هي الشمال الغربي وجنوب حقل الغوار والربع الخالي.

السعودية بصدد تغيير خريطة الغاز الصخري العالمي من باب الجافورة الذي يمكن أن يجعل السعودية خامس منتجيه الذي يعتبر في تقديرات أرامكو موازيا في الكميات والمساحة لحقل إيغل فورد للنفط الصخري في تكساس، وهي ثاني أكبر حقول حوض البريميان العملاق، بجانب الغاز الصخري في الجافورة هناك غاز محبوس في الجيوب الرملية في شمال السعودية وفي جنوب حقل الغوار.

 فرغم أن السعودية تمتلك خامس احتياطي في الغاز التقليدي إلا أنها تمتلك من احتياطيات الغاز الطبيعي غير التقليدي قد تصل إلى ضعفي أو أكثر كميات الغاز الطبيعي التقليدي، خصوصا وأنه غاز حر ويمكن استخراجه بمفرده، بينما غالبية احتياطيات السعودية من الغاز الطبيعي التقليدي هي مصاحبة للنفط في المكامن، ولا يمكن استخراجها من دون استخراج النفط.

 حيث يقدر وزير النفط السابق علي النعيمي احتياطيات الغاز الصخري في السعودية بنحو 600 تريليون قدم مكعبة، وقد تحتوي السعودية على كميات أكبر وقد تحتوي الجافورة بمفردها على هذه الكمية، وإذا كان تكلفة حفر بئر واحدة للغاز الصخري في الولايات المتحدة بين 6 إلى ملايين دولار وهذا الرقم يتضاعف في بولندا والأرجنتين، ومن المرجح أن تكون تكلفة حفر بئر واحدة في السعودية ما بين 15 إلى 20 مليون دولار في أفضل الأحوال، ويحتاج الحفر إلى كميات كبيرة من المياه لتكسير الصخور، لذلك تبحث آرمكو عن تقنيات أخرى مثل ضخ ثاني أكسيد الكربون، هدف السعودية تحرير مئات الألوف من براميل النفط التي يتم حرقها يوميا في محطات الكهرباء ويجعلها قابلة للتصدير.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق