داعش في قلب استراتيجية أوباما

داعش في قلب استراتيجية أوباما

يبدو أن تنظيم داعش واثق من بقائه أطول فترة ممكنة أثناء فترة أوباما المتبقية، رغم أن أوباما يتظاهر بأسلوب استعراضي بأنه طلب من الكونغرس إجازة استخدام القوة العسكرية ضد داعش، في نفس الوقت يراوغ أوباما عندما يقول إن طلب التفويض لا يعني أن أمريكا سترسل قوات برية إلى العراق وسوريا، إنها لن تنجر إلى التورط في حرب برية طويلة يمكن أن يرسل مستشارين ومدربين فقط.

ينتقد هذا الأسلوب الاستعراضي لأوباما المستشار السابق للبنتاغون أنطوني كوردسمان عندما قال إن أوباما لا يمتلك استراتيجية لمحاربة الإرهاب، بل يملك فوضى استراتيجية، خصوصا عندما يحذر أوباما من مغبة اتخاذ قرارات متسرعة في إدارة أميركا للأزمات الدولية داعيا إلى التحلي بصبر الاستراتيجي.

فهم تنظيم داعش والملالي في طهران بأن الولايات المتحدة لن تتدخل رغم أنها تقود تحالفا دوليا ضد داعش، حتى أن رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر الذي ينتقد أوباما يقول لأوباما ما مصلحة أميركا في الابتعاد عن حلفاء موثوقين ومحاولة التقرب من أعداء مؤكدين، قد تكون تلك الهرولة لمصالحة إيران وتوقيع اتفاق نووي معها قد يكون من أجل التغطية على فشل أوباما حيال القضية الفلسطينية عندما قطع على نفسه إقامة دولتين.

هناك تساؤلات عديدة هل يريد أوباما تأجيج السنة في المنطقة، وخصوصا في العراق التي تشكو من قوات الحشد الشعبي الشيعي، التي تشكلت بفتوى من المرجع الشيعي السيستاني، واختطفتها إيران، وبدأت تمارس ما يمارسه داعش ضد السنة من حرق البيوت وممارسة حرق السنة على غرار داعش، وهو ما دفع المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني إلى إدانة هذه الأعمال الوحشية التي لا تختلف عن داعش.

استراتيجية أوباما تؤدي إلى تدعيش كافة السنة، وإشعال حرب مذهبية شاملة على وسادة صبره الاستراتيجي، وداعش الورقة التي يلعب بها أوباما بين السعودية وإيران للحصول من السعودية على تنازلات وموافقة على استراتيجية أوباما حتى يوقع الاتفاقية التي تعارضها السعودية وإسرائيل مع إيران، وتتشدد فرنسا أيضا في توقيع الاتفاقية، رغم أن القادة الخليجيين وافقوا على توقيع تلك الاتفاقية في كامب ديفيد.

استراتيجية أوباما تسببت في شلل سياسي في الشرق الأوسط، وهي تهدد السعودية إن لم تتوقف عن عاصفة الحزم، وعن التحرك والتقارب السعودي التركي في سوريا، فإن إيران ستحتشد قواتها عن طريق وكلائها في الحشد الشعبي بعد تحرير الأنبار على الحدود السعودية.

يوظف أوباما الجذر الطائفي في تحقيق استراتيجيته، وهو يحمل الشباب السني وكذلك الشيعي على التعصب الذي لم يبلغ من العلم مبلغا ولا من السن نضجا لاستعادة التاريخ والإفادة من الفراغ والفوضى السائدة في المنطقة.

تشعر السعودية أن إيران اكتسبت تفوقا عبر استراتيجية وكلائها في المنطقة، ولم تعد تنفع سياسة الصبر، حيث كانت اليمن أول تجربة، وستتواصل التجارب، خصوصا في سوريا ولكن بأشكال أخرى.

لم تعد ترى السعودية أن جهود السيسي المضادة للإخوان القوة الدافعة الأكبر للسعودية، لأن السعودية ترى الخطر الأكبر في النفوذ الإيراني عبر وكلائها في المنطقة بما فيهم نظام الأسد الذي يتحالف مع إيران وحزب الله، بينما خطر داعش مؤقت وزائل، وهو ورقة يلعب بها أوباما وإيران، ويحرص أوباما على بقاء داعش حتى يحقق استراتيجيته في المنطقة، يؤكد ذلك أن واشنطن كان لديها معلومات استخباراتية مهمة بشأن هجوم داعش على الرمادي من خلال التنصت على محادثات قادة التنظيم.

وفي نفس الوقت لا تريد السعودية خسارة مصر كحليف مهم جدا، ولكن هناك إعادة للاستراتيجية السعودية، وهي بحاجة للحلف التركي القطري لملئ الفراغ في المنطقة بالتعاون مع الإخوان المسلمين المعتدلين في اليمن وفي سوريا لمواجهة وكلاء إيران، خصوصا وأن السعودية تستفيد من تحويل تركيا المحبطة من الولايات المتحدة إلى حليف، لأن تركيا محبطة من عدم التفاف الولايات المتحدة إلى نصائحها فيما يخص سوريا والعراق بسبب النفوذ الإيراني المتنامي، وهو يعتبر تهديداً مشتركاً لكل من السعودية وتركيا، لذلك وافقت السعودية على طلب تركيا إقامة منطقة حظر جوي في سوريا.

ما جعل وزير الخارجية السعودي يلتقي نظيره المصري لتنسيق المواقف حول سوريا بين البلدين، لأن السعودية لا تسمح بازدواجية المواقف حول أزمات منطقة الشرق الأوسط كما حافظت على استقرار مصر ولم تسمح لأي دولة أن تبث الفوضى وتهدد الأمن المصري حتى ولو كانت تركيا، ما جعل وزير خارجية مصر يعلن بأن روسيا ومصر لا تمتلكان مبادرة في مصر رغم أن روسيا دولة مهمة، وفي نفس الوقت صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن السعودية لا تمانع أي حل سياسي في اليمن.

وصرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن السعودية تجري اتصالات مكثفة مع روسيا من أجل إقناعها بالتخلي عن الأسد بعد أن فقد شرعيته لاستعادة الأمن والاستقرار مع الحفاظ على المؤسسات في سوريا، حتى لا تترك فراغا بعد رحيل الأسد.

 وأكد عادل الجبير أن اتصالات مصر مع روسيا تتطابق مع اتصالات السعودية، خصوصا بعد التغيرات التي بدت في الموقف الروسي خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي لموسكو جون كيري، حيث بدأت أمريكا نتيجة الضغط الخليجي العربي تجهز لمرحلة ما بعد الأسد ولكن بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

وتستبعد الرياض الدخول حاليا في أي تفاهم مع إيران حتى لو كان برغبة أمريكية، وتحاول السعودية تحييد الموقف الروسي من بشار الأسد مثلما تمكنت من تحييدها في مجلس الأمن، عندما لم تصوت على القرار 2216 تجاه اليمن، ولم تستخدم الفيتو مقابل أن تضمن الولايات المتحدة والسعودية مصالح روسيا في سوريا.

لن تسمح السعودية أيضا لأوباما أن يوظف الجذر الطائفي في المنطقة، وترك انتصارات داعش المزعومة تتواصل، وتتمدد في المنطقة استثمرت الفوضى التي تسببت فيها سياسات الولايات المتحدة بترك إيران ووكلائها يعبثون في المنطقة.

هذه الانتصارات المزعومة لداعش تحولت إلى عملية جذب واسعة للشباب المتحمس من كافة أنحاء العالم، بينما يعتقد أوباما أنه يفرغ العالم الغربي من الإرهابيين ومن المتشددين الإسلاميين، وتحويلهم إلى عدميين في مقابل كراهية المذهب الآخر وتكفيره، واستباحة الدماء، والتخلص منهم في الشرق الأوسط، خصوصا وهم شباب نشأ في الغرب في ظل سلبية التعددية الثقافية، خلقت حاضنة بشرية تدعم الانفصالية الثقافية عن المجتمع الأصلي، حتى أصبح الشاب يشك في هويته في البلد الذي يعيش فيه في الغرب، رغم أنه من الجيل الثاني أو الثالث، نتيجة فشل تلك الدول في دمج المهاجرين من المسلمين وغير المسلمين، قد يكون بسبب أنها تفرض عليهم نمطا ثقافيا محليا يتعارض مع مبادئ وتقاليد المهاجرين.

تحولت المنطقة إلى وقود لتطبيق استراتيجية أوباما وفق الهوية المذهبية، وتسويقها للبسطاء، التي تنقل الهوية المذهبية إلى البعد السياسي برعاية إيرانية واستخباراتية، بعد دمج الاجتهاد المذهبي بالسياسي، الذي يخلق تقوقعا طائفيا في دوائر مغلقة، تقود إلى الاحتراب الطائفي نتيجة الشعور بالغبن، الذي يمنع بزوغ تنوع الآراء القادرة على صياغة حلول للمشكلات الاجتماعية، وحرمت المنطقة من التعددية القابلة للتداخل، والجسر العابر للطوائف، وتدعيم المشترك الذي يحافظ على الدولة الوطنية، ما جعل السياسيين في العراق لديهم شكوك في قدرة علاوي والصدر على تشكيل تحالف عابر للمحاصصة الطائفية والعرقية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق