جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة: البنية والمسارات

جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة: البنية والمسارات

تعتبر جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، دولة حديثة النشأة، حازت على استقلالها عقب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد اليوغسلافي، عام 1991. ورغم أن استقلالها أتى بطرق سلمية على خلاف باقي دول الاتحاد اليوغسلافي، إلا أنها شهدت ذات الأزمات القائمة في دول البلقان، لتسجل مع دولتي كوسوفو والبوسنة، أعلى معدلات التأزم السياسي والمجتمعي منذ الاستقلال. وتتنوع الأزمات التي مرت وتمر بها الدولة، بحيث يمكن تأطيرها في الأشكال التالية:

أولاً-الأزمات البنيوية:

  • الأزمات عالية الحدة:
    • الأزمة الإثنية، ببعديها العرقي والديني.
    • الأزمة السياسية، ببعديها: التسلط والفساد، وما نجم عنها لاحقاً من أزمة انتخابية.
    • الأزمات متوسطة الحدة: تتمثل في عدم الاستقرار الاقتصادي.
    • الأزمات منخفضة الحدة: تتعلق بتاريخ وجغرافية الدولة، وتسميتها، وعلاقاتها مع دول الجوار.

ثانياً-أزمات مستحدثة:

  • أزمة تدفق اللاجئين عبر الدولة، منذ عام 2012.
  • إشكالية انضمام مقدونيا للمؤسسات الأوروبية والأطلسية.
  • إشكالية العلاقات الدولية.

القسم الأول: الأزمات الإثنية والسياسية

أولاً-البنية الإثنية والأزمة الناجمة عنها:

شكل رقم (1)

البنية الإثنية المقدونية (1)

01

يظهر الجدول السابق، مستوى التنوع الإثني في الدولة، انعكاساً لواقع البلقان ككل، ما خلق هويتين متمايزتين، تأثرتا باضطراب البلقان: الهوية السلافية/المسيحية، والهوية الألبانية/الإسلامية، على ما تضمه هاتان الهويتان من إثنيات أصغر (عرقية ومذهبية)، انعكست من خلال اضطراب اجتماعي، تتمثل أبرز أشكاله، فيما يلي:

السلوكيات السلافية/المسيحية (المقدونية):

  • تشمل هذه الهوية السلاف (الذين يفضلون تسمية المقدونيين)، والصرب والفلاس والرومان بشكل رئيس.
  • تسعى إلى ربط المسلمين في مقدونيا، بعموم المسلمين في منطقة البلقان، وعموم المسلمين عامة، مع التركيز على تصويرهم بالشكل المتطرف، وربطهم بالتنظيمات الإرهابية (القاعدة، داعش، الإخوان، …). ووجدت في تمدد السلفية والوهابية في مجتمعات المسلمين في مقدونيا والبلقان، تأكيداً على طروحاتها.
  • فيما تسعى لتغيير فلسفة استقلال الدولة، من دولة مدنية ديمقراطية، إلى دولة قومية “مقدونية”. وبالتالي تكريس الهوية السلافية المسيحية وإقصاء الهويات الأخرى.
  • عدا عن هيمنتها الأكثرية السلافية على مؤسسات الدولة، والوظائف العامة، وتسييرها وفق مصالحها، وضمن آلية الفساد.

السلوكيات الألبانية المسلمة:

  • تشمل هذه الهوية الألبان والأتراك والبوشناق والأرنؤوط، بشكل رئيس.
  • تحاول من جهة تكريس فلسفة استقلال الدولة باعتبارها دولة مدنية، فيما تتنوع طروحاتها ضمن هذه الرؤية:
  • غالبية طروحاتها تقع ضمن مطالب العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية الدينية.
  • تطالب بعض الأطراف ضمن هذه الهوية، بتحويل شكل الحكم إلى الفدرالي، بحيث تحصل مناطق غرب وشمال غرب مقدونيا، على إقليم فدرالي، لتكريس هويتها الإثنية.
  • فيما تطالب جماعات أصغر بالانفصال عن الدولة.
  • وتذهب طروحات أكثر تطرفاً إلى المطالبة بالانفصال والانضمام إلى ألبانيا، ضمن مشروع “ألبانيا الكبرى”، على أنها طروحات محدودة، تختفي وتعود للظهور في مناسبات التوتر الإثني. ونفى ألبان مقدونيا هذا الطرح، موجهين اللوم لجهات صربية وغربية في تصديره للرأي العام المقدوني.
  • فيما تكتفي بعض الطروحات بالمطالبة باعتماد اللغة الألبانية لغة رسمية ثانية للدولة، رغم أن الألبانية تستخدم في بعض وسائل الإعلام المحلية وفي بعض الصحف ومنشورات الكتب.

شكل رقم (2)

التوزيع الجغرافي للأعراق الرئيسة في دولة مقدونيا

 02

  • وترى أن هويتها، مستهدفة من قبل السلطة والأكثرية السلافية المسيحية، وفق الأشكال التالية:
    • التضييق الديني، من خلال منع بناء مساجد جديدة في بعض المناطق، أو هدم بعضها. عدا عن تعمد الدولة والأكثرية بناء كنائس في مناطق غير مؤهلة، ورفع الصلبان الضخمة في أرجاء الدولة، إمعاناً في تحدي الآخر. إضافة إلى محاولات نشر “الإسلاموفوبيا” في الدولة والمنطقة بأسرها، إضافة إلى اتهامات لمؤسسات الدولة بنشر خطاب الكراهية ضد المسلمين، رغم أنه تم السماح بتدريس المواد الإسلامية منذ عام 2008، وباللغة الألبانية.
    • التضييق الثقافي، من خلال محاولات إعادة صياغة ثقافة الدولة بعد الاستقلال، والتركيز على الرموز المقدونية والمسيحية التاريخية، مع تجاهل ثقافة الجماعات الألبانية والمسلمة.
    • التضييق المعاشي، والذي يعبّر عنه عبر الفساد المؤسساتي الحكومي، الذي ذهب بموارد الدولة لصالح أطراف من الأكثرية، عدا عن استهداف هذه المؤسسات للجماعات الأقلوية، وصولاً إلى تعمد تصفية أفراد من الأقليات المسلمة.

وإن لم تشكل هذه البنية دافعاً نحو حرب أهلية عقب الاستقلال مباشرة، كما سائر أجزاء الاتحاد اليوغسلافي، إلا أنها كانت حاضرة في المشهد السياسي طيلة الفترة اللاحقة، وصولاً إلى اشتباكات إثنية، إبان “انتفاضة الأرنؤوط” لمدة ستة أشهر عام 2001، كانت بمثابة حرب أهلية محدودة، استطاعت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي محاصرتها، ووضع حد لها، ليتكرر الصدام الإثني بحدة أقل عام 2012، وبشكل محدود مطلع عام 2015.

ومن أبرز الجهود الأوروبية لنزع فتيل التأزم الإثني، قيام النرويج بإنشاء مصانع ومدارس متعددة الإثنيات، بغية التقريب بينها، وخلق مناخ من الانفتاح الجديد في الدولة.

وبالمحصلة، فإنّ البنية المجتمعية والسياسية المقدونية، ما تزال تشكل حاضناً لنزاعات إثنية قد تتطوّر إلى حالة اشتباكات مسلحة محدودة، أو حتى حرب أهلية شاملة، في الحالات التالية:

  • عودة الحروب الأهلية والنزاعات الإثنية في منطقة البلقان. وخصوصاً أنّ عوامل اشتعالها ما تزال قائمة، نتيجة تصاعد موجات التطرف الهوياتي (العرقي والديني) لدى كل إثنيات المنطقة، وتعثّر دور الدولة في تكريس التوافق المجتمعي، في دول المنطقة.
  • تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية القائمة، وتحولها إلى اضطرابات واسعة، ما يسمح للنزعات الإثنية بالظهور إلى السطح ثانية، واستغلال تلك الأزمات لتقديم طروحاتها بشكل أكثر علنية.

عدا عن أنّ البيئة المقدونية، تحمل عوامل تمييز إثني، منها:

  • غذت الحومة المنتهية ولايتها مؤخراً، النزعات الإثنية، بغية التغطية على قضايا الفساد.
  • هناك فصل إثني في كثير من المدراس.
  • للطرفين مدارس دينية محافظة، تكرس الهوية الذاتية، ويساهم بعضها في نشر خطاب الكراهية.
  • يرتبط متطرفو كل إثنية بداعم خارجي، أو لديها ميول لداعم خارجي على الأقل. حيث يخشى المسلمون من علاقات الأكثرية السلافية بروسيا لتكريس هيمنتهم الإثنية، وتخشى الأكثرية من ارتباطات الأقليات المسلمة بألبانيا وتركيا بغية تعزيز الطرح الفدرالي أو الانفصالي (2).
  • تتخذ آليات العمل السياسي (الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني)، الصبغة الإثنية، بشكل يكاد يكون مسيطراً على توجهاتها. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الشكل رقم (3)

شكل رقم (3)

الأحزاب العاملة في الساحة المقدونية

 03

غير أن الأزمة السياسية المقدونية 2015-2016، استطاعت -حتى الآن- تقريب وجهات النظر الإثنية، لدى المعارضة، في مواجهة الأزمة والسلطة معاً. ولا يمكن التعويل على هذه النتيجة، حتى يتم تجاوز الأزمة بشكل نهائي. حينها يمكن أن تشكل آلية حل الأزمة السياسية، دليلاً مرشداً لحل أزمة الهوية في الدولة، في حال توفر رغبة لدى كافة الأطراف الإثنية بإعادة صياغة هوية الدولة، واحترام تعدديتها، وتوفر داعم خارجي لذلك.

ثانياً-الأزمات السياسية الداخلية:

لم تكتف مقدونيا بالأزمة الهوياتية التي رافقت نشوء الدولة، بل تشهد منذ قرابة 10 أعوام (2006-2016)، أزمة سياسية على مستوى السلطة، التي نحت سلوكياتها باتجاه تعزيز النمط السلطوي، وتقييد الحريات بشكل تدريجي، وصولاً إلى فضيحة التسجيلات الصوتية المسربة، التي كشفت عن عمق الأزمة. عدا عن أزمة انتخابات 2016، وأزمة المهاجرين غير الشرعيين.

أزمة التسجيلات المسربة:

أظهر زعيم أكبر أحزاب المعارضة “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي”، في فبراير 2015، قرابة 500 تسجيل صوتي، قامت الأجهزة الأمنية “المخابرات” بتسجيلها لقرابة 20 ألفاً، من المسؤولين والسياسيين والإعلاميين والمعارضين، طيلة الفترة (2007-2013)، كشفت عن النقاط التالية:

  • تلاعب السلطة بنتائج الانتخابات المحلية والبرلمانية.
  • هدر واختلاس المال العام.
  • رشى لمسؤولين حكوميين رفيعي المستوى.
  • محاولة السيطرة على وسائل الإعلام، والتضييق عليها بشتى الوسائل.
  • قضايا ابتزاز.
  • مراقبة غير شرعية، ونفوذ سياسي داخل السلطة القضائية.
  • تجاوزات بحق اللاجئين والمهاجرين.

– ممارسة الاعتقال غير القانوني، والاستخدام المفرط للقوة.

وهو ما أثار ردود فعل مجتمعية واسعة، وانطلاق جملة مظاهرات أعاقت العملية السياسية في البلاد على مدار عامين تقريباً، بدءاً من مظاهرة مايو 2015 المطالبة باستقالة رئيس الوزراء إثر تواطئه المزعوم في التغطية على المسؤولية عن مقتل شاب في مظاهرات عام 2011، وكانت نتيجتها استقالة وزير الداخلية ومدير الأمن ومكافحة التجسس.

واستمرت الاحتجاجات بشكل متفرق، لكن أبرزها كان احتجاجات إبريل 2016، على عفو أصدره الرئيس عن السياسيين المتورطين في فضيحة التنصت (34 مسؤول)، غالبيتهم من الحزب الحاكم، اضطرت الرئيس إلى إلغاء قراره، تلتها احتجاجات يونيو 2016 للمطالبة باستقالة الرئيس على ذات الخلفية.

وقد قاطعت الأحزاب المقدونية البرلمان، وبموجب اتفاق عُقِد بين أحزاب المعارضة السياسية الرئيسية بوساطة الاتحاد الأوروبي في يونيو 2015، أنهت تلك الأحزاب مقاطعتها للبرلمان في سبتمبر 2015، بهدف تشكيل حكومة انتقالية قبل انتخابات تُجرى في أبريل 2016، لكن الانتخابات تم تأجيلها حتى يونيو 2016، ومرة أخرى حتى ديسمبر 2016.

ويعود السبب الرئيس في هذه الأزمة، إلى رغبة الحزب الحاكم في إحكام سيطرته على البلاد، والحفاظ على موقعه السلطوي، من خلال مزيد من التسلطية السياسية. وقد زعمت الحكومة أن التسجيلات كانت ملفّقة من قبل أجهزة استخبارات أجنبية.

ولعل الجانب الإيجابي لهذه الأزمة، هو تكاتف المعارضة، وتجاوز التباينات الإثنية للمرة الأولى في الدولة، ما يجعل نجاح حل هذه الأزمة، دليلاً مرشداً، في معالجة كافة الأزمات، ومن ضمنها أزمة الهوية المقدونية.

أزمة انتخابات ديسمبر 2016:

أدت الأزمة السابقة لاستقالة الرئيس، والوصول إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لإعادة تشكيل السلطة، غير أن هذه المناسبة لم تخلُ من تأزم جديد، مع سعي الحزب الحاكم السابق للعودة إلى السلطة وتجاوز أزماته وأزمات إدارته السابقة للدولة.

حيث أعلن كل من اليمين الحاكم والمعارضة يسار الوسط فوزهما في الانتخابات التشريعية، في حين تظهر النتائج فارقاً ضئيلاً لصالح اليمين الحاكم، لا تمكِّنه منفرداً من تشكيل حكومة جديدة، ويبقى بحاجة إلى تحالف مع الأحزاب الصغيرة. وحيث أنّ عقيدته تبقى قومية محافظة، ربما لا تساعده أصوات الأحزاب السلافية الصغيرة في القدرة على الانفراد بالسلطة مرة أخرى، حيث تعيق هذه الأيديولوجيا إجراء تحالفات عابرة للإثنية في الدولة، إلا إنْ كان مستعداً للتخلي عن أيديولوجيته لتعزيز سلطويته، مع قبول الأحزاب الإثنية لذلك، رغم أزماتها الهوياتية معه، ورفضها لسلوكياته طيلة العقد السابق.

لذا يبدو أنّ المشهد يسير وفق اتجاهين:

  • تمتع المعارضة بقدرة أعلى على تشكيل حكومة تحالفية، وما يترتب عليها من فتح ملفات الفساد للحزب الحاكم السابق، وربما أزمة مواجهة معه.
  • أو أن تعجز عن ذلك، ما يؤدي إلى اشتداد الأزمة السياسية، والعودة إلى انتخابات برلمانية جديدة، في حال تمسّك الحزب الحاكم بفوزه وأحقيته بتولي السلطة.

أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين:

وهي أزمة مرتبطة بأزمة الشرق الأوسط (سوريا والعراق)، وتحديداً منذ بدء تدفق المهاجرين غير الشرعيين مع عام 2012، نحو دول أوروبا الغربية، حيث عَبَر مقدونيا قرابة مليون مهاجر. وتعتبر مقدونيا واحدة من أهم معابر المهاجرين، ما شكّل عبئاً سياسياً ترافق باتهامات للحكومة المقدونية بانتهاكات حقوق الإنسان تجاه المهاجرين الشرعيين، وهي اتهامات ركزت عليها اليونان في إشكاليتها مع مقدونيا، عدا عن عبء اقتصادي إضافي.

في المقابل، تتهم الحكومة المقدونية اليونان بأنها تتعمد تيسير تدفق المهاجرين غير الشرعيين باتجاهها، بهدف زيادة الضغوطات السياسية الأمنية (دخول عناصر إرهابية ضمن سيل المهاجرين غير الشرعيين).

ولا يمكن لمقدونيا معالجة هذه الأزمة بشكل منفرد كما يجري حالياً، فهي بحاجة لتضافر الجهود الأوروبية والدولية، عدا عن حاجتها لمساعدة الولايات المتحدة.

وقد أدت هذه الأزمة إلى انتعاش العصابات المختصة بتهريب المهاجرين وما يترتب عليها من تهديد أمني، وهي عصابات تشمل كامل دول الإقليم.

الجريمة المنظمة:

تشهد مقدونيا بالإضافة إلى عصابات تهريب المهاجرين، مافيات الجريمة المنظمة، وطالت الاتهامات مسؤولين حكوميين وأحزاباً سياسية بتورطهم في أعمال هذه المافيات. حيث تشكل مقدونيا إلى جانب كوسوفو، أحد المعابر المهمة لتجارة البشر والمخدرات، بين شرق أوروبا وغربها.

ويمكن الاستدلال على مستوى الجريمة، من خلال مؤشر جرائم القتل العمد، الذي شهد تحسناً طيلة الفترة 2003-2013، مسجلاً أفضل قيمه (1.1)، ليعاود التراجع مع عام 2014 ويسجل قيمة (1.6).

شكل رقم (4)

جرائم القتل العمد (لكل 100 ألف شخص) / البنك الدولي

 04

إلا أن قيمة هذا المؤشر تبقى منخفضة عالمياً، عدا عن أنها متوسطة بين دول الجوار، كما في الشكل رقم (5).

شكل رقم (5)

مقارنة جرائم القتل العمد في مقدونيا ودول جوارها وجمهوريات يوغسلافيا السابقة

 05

أبعاد الأزمات السياسية الداخلية (مؤشرات):

كشفت الأزمة السياسية، عن حجم الخلل في إدارة الدولة، وتراجع معظم مؤشراتها السياسية، كما يلي:

مؤشرات دار الحرية:

تعتبر مقدونيا دولة حرة جزئياً، حيث حققت عام 2016، قيمة متوسطة على مؤشرة الحرية (3.5)، وتعتبر شبه مستقرة عند هذه القيمة منذ استقلالها، رغم تراجعها المحدود خلال العامين الأخيرين. وعموماً، فقد شهدت استقراراً تقريبياً في هذا المستوى، وظلت ضمن الدول الحرة جزئياً. (القيمة الأدنى هي الأفضل)

شكل رقم (6)

مؤشر الحرية في مقدونيا (1998-2016)

 06

إلا أن هذا الاستقرار النسبي في قيمة الحرية، يترافق منذ عام 2007، بتراجع مؤشرات أداء الحكومة ديمقراطياً، وهو ما يظهر الشكل رقم (7)، ما يعني توجه النظام لأن يكون أكثر تسلطاً في الدولة. أما على مستوى نشاط المجتمع المدني، فلم يلحظ تغيير يذكر في هذه الفترة. أي أن تراجع الأداء الحكومي لم يترافق بتضييق على المجتمع المدني، الذي حافظ على أفضل قيمة بين مؤشرات الحكم الديمقراطي. كما يلحظ، أن جميع المؤشرات، تقع أدنى من القيمة المتوسطة.

وتبقى الحريات الصحفية الأكثر تضرراً، حيث تراجعت إلى دولة غير حرة، وخصوصاً إبان أزمة التنصت، والفساد الحكومي في وسائل الإعلام، وزيادة مستوى التهديدات والمخاطر على الصحفيين، والتضييق.

شكل رقم (7)

مؤشرات الأداء الحكومي في مقدونيا (2007-2016)

 07

وطالما أن نشاط المجتمع المدني ما يزال فعالاً، فإنّ إمكانية إحداث إصلاح داخل النظام تبقى أعلى. إلا أنّ الانخفاض التدريجي لهذه المؤشرات، ربما يحمل مخاطر في المستقبل المتوسط، على استقرار الدولة والمجتمع، في حال تجاهل عمليات الإصلاح المطلوبة.

وفي حال مقارنتها بدول الجوار في المنطقة، فإنها تظهر في حدود متقاربة معها في كافة المؤشرات، وفق الشكل رقم (8)، أي أن أوضاعها السياسية هي أوضاع عامة في الإقليم. وهذا يخفف من وطأة احتمال حدوث اضطرابات مجتمعية عنيفة، يكون سببها المؤثر الإقليمي.

شكل رقم (8)

مقارنة مؤشرات الأداء الحكومي بين مقدونيا وإقليم البلقان 2016

 08

مؤشرات منظمة الشفافية (الفساد):

أظهرت مؤشرات مقدونيا على مستوى الفساد، تراجعاً منذ عام 2015، مترافقاً بالأزمة السياسية، رغم ما حققه من إنجاز طيلة الفترة (2003-2014). وتبقى قيمة مؤشر إدراك الفساد دون المتوسطة.

شكل رقم (9)

مؤشر إدراك الفساد في مقدونيا (2003-2015)

 09

ملاحظة: القيمة الأعلى هي الأفضل والأقل فساداً، بحيث: 100=دولة خالية من الفساد، 0=فساد مرتفع.

إلا أنها لا تعتبر قيمة شاذة في منطقة البلقان عموماً، حيث تحتل موقعاً متوسطاً بين دول المنطقة، وإن كانت بعض جمهوريات يوغسلافيا السابقة واليونان تتقدم عليها، إلا أنها بدورها تتقدم على الدول الأخرى.

شكل رقم (10)

مقارنة مؤشر إدراك الفساد في مقدونيا ودول جوارها وجمهوريات يوغسلافيا السابقة (2015)

 10

وربما تكون الإشكالية الأكبر في مسألة الفساد، هي التشكيك في رغبة الحكومة بمحاكمة المسؤولين الفاسدين. وخصوصاً أن القطاعات الأكثر فساداً، هي: الشرطة، المحاكم، التعليم العالي، الرعاية الصحية، القطاع العام.

نتائج الأزمات السياسية الداخلية (مؤشرات)/ تراجع مستوى استقرار الدولة:

أدّت مجمل هذه الأزمات إلى تخفيض مستوى استقرار الدولة عن عام 2015 (مستوى التحذير)، إلى (مستوى التحذير المرتفع)، بعد أن كانت تسجل تحسناً مستمراً منذ عام 2007.

شكل رقم (11)

مسار مؤشر استقرار مقدونيا 2007-2016 (صندوق السلام)

 11

وهو ما جعلها كذلك ثالث أدنى الدول في جوارها استقراراً، خلف ألبانيا وصربيا، وثالث أدنى الدول استقراراً ضمن جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق، خلف صربيا والبوسنة. (لم يتسنَ الحصول على مؤشر كوسوفو).

شكل رقم (12)

مقارنة مؤشر استقرار مقدونيا ودول جوارها وجمهوريات يوغسلافيا السابقة (صندوق السلام)

 12

ملاحظة: القيمة الموجبة تعني تراجعاً، والقيمة السالبة تعني تحسناً

ثالثاً-الإشكاليات السياسية الخارجية:

 تشهد مقدونيا عدة إشكاليات في علاقاتها بدول الجوار، وفي علاقاتها الدولية بشكل عام، ناجمة بالأساس عن موقعها الجغرافي، وما أنتجه من إشكاليات سياسية-تاريخية عبر عدة قرون، باعتبارها (كما دول البلقان عامة)، منطقة صراع ونفوذ بين كافة القوى الدولية، ونقطة تماس الحضارتين الإسلامية والمسيحية، بل وما تزال تشكل منطقة أطماع لكافة دول جوارها. وتتمثل أبرز الإشكاليات التي قامت على هذه المعطيات، فيما يلي:

إشكالية اسم الدولة:

اختارت الدولة حديثة الاستقلال اسم “مقدونيا” لتمثيلها دولياً، بما فيه من دلالات هوياتية وتاريخية، وهو ما تسبب بإشكالية في علاقتها بجارتها اليونان، التي اعترضت على هذه التسمية، حيث أنها تعود تاريخياً لأجزاء منها، عدا عن أن الإقليم الشمالي من اليونان يحمل ذات الاسم.

شكل رقم (13)

خريطة جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، وإقليم مقدونيا اليوناني

 13

ويقوم اعتراض اليونان، خشية أن يشكل هذا الاسم سبباً في تطلعات انفصالية في إقليم مقدونيا اليوناني، وتسببت اعتراضات اليونان لاحقاً، بإعاقة انضمام الجمهورية الجديدة إلى المؤسسات الأوروبية والأطلسية. فيما فرضت عليها تغيير الاسم إلى “جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة”، وهو الاسم الرسمي لها حالياً.

ورغم كثافة الوساطات الأوروبية والأميركية بين الطرفين، وخصوصاً جولات المفاوضات عامي 2015/2016، إلا أنها لم تحرز تقدماً بشأن التسمية، وتنقسم الدول الأوروبية تجاه هذه الإشكالية:

  • دول تطلق عليها اسم “مقدونيا”: المملكة المتحدة، بولندا، رومانيا، 13 دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي.
  • دول تطلق عليها اسم “جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة”: فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، 9 دول أخرى في الاتحاد الأوروبي.

وقد اعتبر الرئيس المقدوني، أن إثارة فضيحة الاتصالات، “مؤامرة دولية” تهدف إلى الضغط على مقدونيا لتغيير اسمها الحالي. فيما يتم اتهام إيطاليا بعرقلة مشاريع مرور أنابيب النفط الروسية عبر مقدونيا، كنوع آخر من الضغط في ذات الاتجاه.

التنافس الدولي في مقدونيا:

ويبرز بشكل رئيس بين الولايات المتحدة وروسيا، وتتمثل أبرز محددات هذا التنافس كما يلي:

تتطلع روسيا إلى توسيع مجالات نفوذها في البلقان، بالاستناد إلى العامل العرقي (السلافي)، والعامل الديني (الأرثوذكسي). حيث تعتبر صربيا إحدى أبرز مناطق النفوذ الروسية في المنطقة، وفق ذات العوامل. وتسعى لتعزيز نفوذها في مقدونيا على هذه الأسس؛ لأهداف:

  • استراتيجية، تتعلق بتطلعات روسيا على المستوى الدولي، حيث تعتبر منطقة شرق أوروبا منطقة نفوذ تقليدي سابق، عدا عن توظيفها في مساعي روسيا في إعادة صياغة النظام الدولي لاحقاً.
  • اقتصادية، تتعلق بتطلعات روسيا بمد أنابيب النفط من تركيا أو أوكرانيا أو البحر الأسود، عبر مقدونيا، إلى أوروبا الغربية.

فيما تشتغل الولايات المتحدة منذ استقلال مقدونيا، على إعادة تأهيلها وفق النمط الليبرالي الديمقراطي، لتعزيز نفوذها في شرق أوروبا، لذات الأسباب الاستراتيجية، في الحفاظ على النظام الدولي الأحادي. حيث تقدّم لها مساعدات اقتصادية وعسكرية وثقافية، كما أنها ملتزمة بمساعدتها لتعزيز سيادة القانون وترسيخ الديمقراطية فيها.

كما كان للولايات المتحدة -بالإضافة إلى دول من الاتحاد الأوروبي- دور في نزع فتيل عدة أزمات فيها، وخصوصاً فتيل الحرب الأهلية عام 2001. كما تسعى جاهدة في تسريع عملية اندماجها في المؤسسات الغربية (الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو).

وقد استفاد الحزب الحاكم –المنتهية ولايته مؤخراً- من هذا التنافس السلمي/الناعم، للاستحصال على دعم من الدولتين معاً، إلا أن أولوياته كانت تجاه تكريس سلطته أكثر منها تجاه الانخراط في المؤسسات الأوروبية، وهو ما دفع الرئيس المقدوني -السابق- للتقارب مع روسيا/بوتين، لدعمه في التمسك بالسلطة. بل وأعلنت وزارة الخارجية المقدونية، تحفظاتها على عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا.

كما أن من أسباب تقارب السلطة المقدونية مع موسكو:

  • التخلص من الضغوط الأوروبية، بشأن مشاريع الإصلاح ومكافحة الفساد وتغيير الاسم. ففي نوفمبر 2016، ندّد الرئيس المقدوني “بسلوك الاتحاد الاوروبي والحلف الأطلسي غير المسؤول”، الذي يؤدي من خلال إبطاء عملية انضمام بلاده إلى إغراقها أكثر في الأزمة السياسية.
  • الضغط على الاتحاد الأوروبي، من خلال طرح البديل الروسي عنه، ودفع دول الاتحاد إلى تخفيف ضغوطها.
  • عدا عن أنّ مشاريع أنابيب الغاز، تعتبر منقذاً للاقتصاد المقدوني المضطرب، في غياب مشاريع أوروبية بحجمه، عدا عما يمرّ به الاتحاد الأوروبي من أزمات مالية، ربما لا تفسح مجالات لتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لمقدونيا.

ورغم العامل العرقي والديني والسلطوي، إلا أن الميول الشعبية العامة، أقل توجهاً نحو موسكو، خلافاً لتوجهات نظيرتها الصربية، إذ ينظر أغلبية المقدونيين إلى دور الولايات المتحدة في نزاعات الإقليم بشكل إيجابي، ويرون أن الولايات المتحدة ساعدت في الحفاظ على تماسك الدولة إبان أزمة النزاع الأهلي عام 2001. ويُلحَظ أنّ ميول أغلبية المقدونيين- وخصوصاً الألبان- تتجه إلى الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي أكثر من التقارب مع روسيا؛ لما ستعود عليهم من فوائد اقتصادية ومعاشية.

فيما تذهب آراء محلية إلى اعتبار أنّ الأزمة السياسية الداخلية، هي انعكاس للتنافس الأميركي-الروسي في المنطقة. وتميل عديد من التحليلات إلى احتمال حدوث تحسن كبير في علاقات مقدونيا بالولايات المتحدة عام 2017، نتيجة:

  • الإطاحة بالتشكيلة الحكومية المقدونية السابقة، وفي مقدمتها الرئيس.
  • وصول دونالد ترامب إلى السلطة، في ظل تأييد مقدوني له (3).

ويبقى لدول الإقليم الأخرى تأثير أقل فعالية:

  • دعم معنوي وثقافي وديني من قبل ألبانيا، للأقليات المسلمة، في إطار التنافس السياسي والديني والتاريخي بين الجارتين.
  • ودعم مشابه من قبل تركيا، لأهداف مساعي استعادة النفوذ لدى الأقليات البلقانية المسلمة، وأهداف اقتصادية تتعلق بمشروع السيل التركي.
  • ودعم من قبل دولة صربيا للأقلية الصربية في مقدونيا (دعم ناعم)، لتثبيت تفوقها في الإقليم.
  • عدا عن تدخلات اليونان وبلغاريا.
  • ورغم العلاقات الودية للغاية التي ظهرت خلال زيارة الرئيس المقدوني لبلغاريا في نوفمبر 2016، إلا أن الدولتين لم تتوصلا بعد إلى اتفاقية لحسن الجوار فيما بينهما.

وفي إطار التنافس الدولي كذلك، تتطلع إيران لإنشاء علاقات مع مقدونيا، حيث زار وزير خارجية مقدونيا إيران والتقى بروحاني 2016، فيما شاركت إيران في فعاليات مهرجان تتوا الدولي للأفلام في مقدونيا عبر فلم “الكحل”، كما عينت سفيراً لها، غير أن التبادل التجاري بينهما ما زال محدوداً.

إشكالية الانخراط في المؤسسات الغربية:

رغم انخراط مقدونيا في عضوية كثير من المؤسسات الدولية، من أبرزها: صندوق النقد الدولي (1992)، مجلس أوروبا (1995)، منظمة التجارة العالمية (2003). إلا أنها ما تزال:

  • بلداً مرشحاً للانضمام إلى حلف الناتو منذ عام 2005.
  • بلداً مرشحاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، وفشلت المحاولات الأربعة لدعوتها للانضمام.

وإن كانت شروط الإصلاح ومحاربة الفساد في مقدمة شروط المؤسسات الأوروبية، إلا أن اعتراض اليونان على اسم الدولة ما زال يشكل عائقاً أمام انضمامها إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. فيما انضمت بلغاريا لاحقاً إلى اليونان في مطالبها تجاه مقدونيا، لناحية تغيير الاسم وتغيير منهج الكراهية المقدوني تجاه بلغاريا.

وتذهب بعض التحليلات، إلى اعتبار أن حلم الشعب المقدوني، بمختلف إثنياته، بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، هو ما حافظ حتى الآن على حالة السلام الهش بين هذه الإثنيات.

القسم الثاني: عدم استقرار البنية الاقتصادية

أولاً-المؤشرات الاقتصادية:

الشكل رقم (14)

أبرز مؤشرات البنك الدولي الاقتصادية الخاصة بمقدونيا

 14

ملامح الاقتصاد المقدوني: ويمكن رصدها في النقاط التالية:

  • تتسم المؤشرات السابقة بشكل عام، بأنها مؤشرات مضطربة غير ذات اتجاه ثابت.
  • تقع الدولة ضمن الدول ذات الدخل المنخفض، وحصة الفرد المنخفضة من الدخل القومي.
  • يعادل الدين الخارجي أكثر من ثلثي الدخل القومي.
  • تعاني من ميزان تجاري سلبي (زيادة نسبة واردات السلع إلى صادراتها)، من إجمالي الناتج المحلي.
  • لا تشكل الموارد الطبيعية موقعاً ذا أهمية، في دخل الدولة، فيما تشكل السياحة نسبة ملحوظة في دخلها.
  • تطال البطالة أكثر من ربع السكان.
  • أما سوق الأوراق المالية فيعاني من ذات الاضطرابات، حيث تشهد قيمته الإجمالية صعوداً حاداً وهبوطاً حاداً، على التوالي.
  • أثرت الأزمة السياسية بشكل سلبي على كثير من المؤشرات السابقة، لتشهد تراجعاً عام 2015.

نقاط إيجابية: رغم هذه الملامح العامة، إلا أن الاقتصاد المقدوني يحمل عدة نقاط إيجابية، أهمها:

  • اتجاه نمو إيجابي ومتزايد لإجمالي الدخل القومي حتى عام 2014، رغم أنه يبقى دخلاً محدوداً. غير أنه عاود الهبوط ولأول مرة منذ عام 2015.
  • وينتج عن ذلك زيادة إيجابية في نصيب الفرد من الدخل القومي، ويبقى نصيباً محدوداً.
  • ذات الاتجاه طال إجمالي الاحتياطات، قبل أن تعاود الهبوط عام 2015.
  • وتتمتع مقدونيا بنسبة ادخار جيدة، وترتفع بشكل إيجابي ومستمر.
  • بعد أن شهدت الدولة تضخماً هائلاً عقب استقلالها، حافظت في السنوات اللاحقة على نسبة تضخم منخفضة للغاية، بل وسجلت قيمة سلبية للتضخم، ولأول مرة عام 2015. وإن كان يمكن اعتبار ذلك نقطة إيجابية لناحية انخفاض أسعار السلع، إلا أنها ربما تشير كذلك إلى تدني قدرة الأفراد على الاستهلاك، ما أجبر المؤشر أن يتحول إلى القيمة السالبة (انخفاض الاستهلاك دفع إلى انخفاض الأسعار).
  • رغم أن حجم البطالة مرتفع للغاية، ويطال أكثر من ربع السكان، إلا أن المؤشر يشهد تحسناً عقب عام 2010.
  • تبقى فجوة الفقر منخفضة في الدولة، وهو مؤشر غير متطابق مع المؤشرات السابقة، وربما ذلك بسبب أنه يعود إلى عام 2006، ولا تتوفر بيانات لاحقة، كما لا يتوفر مؤشر وطني للفقر. ما يدفع إلى عدم تبني هذه القيمة، أو أنه مؤشر حقيقي للواقع المعاشي (احتمال ضعيف).

نقاط سلبية:

  • رغم النمو الإيجابي لإجمالي الدخل القومي، إلا أن نسبة نمو الناتج المحلي شديدة الاضطراب، وشهدت فترات من النمو السلبي الحاد، كما أنها عاودت الهبوط منذ عام 2015.
  • تعاني مقدونيا، من نسبة دين مرتفع للغاية، يتجاوز ثلثي الدخل القومي، وهو في زيادة مستمرة كذلك.
  • كذلك تعاني من ميزان تجاري سلبي منذ استقلالها، اشتدت حدته حتى عام 2010، ليعاود تقليص الفارق (ازدياد نسبة الصادرات بشكل ملحوظ، مع انخفاض محدود في الواردات).

شكل رقم (15)

العجز في الميزان التجاري المقدوني 1993-2015

 15

ثانياً-الاقتصاد المقدوني المقارن:

 تتأكد المؤشرات السابقة، وسوء الإدارة الاقتصادية للحكومة المقدونية، في حال توسيع مجالات المقارنة لتشمل دول الجوار وجمهوريا يوغسلافيا السابقة. ويمكن الاعتماد على مؤشرين كمثال للمقارنة، على أنها تتسع وضوحاً كلما زاد عدد المؤشرات. وهما:

  • مؤشر إجمالي الدخل القومي، الذي يضع مقدونيا في أسفل القائمة بين هذه الدول، بحيث لا يتخلّف عنها سوى جمهوريتي كوسوفو والجبل الأسود. (شكل رقم 16)
  • مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو أكثر وضوحاً من سابقه، حيث لا يتخلف عن مقدونيا سوى كرواتيا التي شهدت عام 2015 تراجعاً كبيراً جداً في هذا المؤشر (من 4 مليار إلى 158 مليون دولار)، كما لا تتأخر عنها البوسنة سوى بـ 3 مليون دولار. ويدل هذا المؤشر على ضعف ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد المقدوني. (شكل رقم 17).

شكل رقم (16)

مقارنة إجمالي الدخل القومي لمقدونيا ودول جوارها وجمهوريات يوغسلافيا السابقة 2015 (مليار دولار)

 16

شكل رقم (17)

مقارنة نسب توجه الاستثمار الأجنبي المباشر في مقدونيا ودول جوارها وجمهوريات يوغسلافيا السابقة

 17

ثالثاً- مقومات الاقتصاد المقدوني:

يقوم الاقتصاد المقدوني على المقومات التالية:

  • الصناعة: الإسمنت والحديد والفولاذ والثلاجات والتبغ والمنسوجات.
  • الصناعة الاستخراجية: خامات الكروم والحديد والنحاس والمنجنيز واليورانيوم والرصاص والزنك.
  • المنتجات الزراعية: القطن والذرة الشامية والقمح والتبغ والفواكه والأخشاب.
  • الثروة الحيوانية: الأغنام والدواجن والماشية والخنازير.
  • المواصلات: ترتبط مقدونيا بكل من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة واليونان بالسكك الحديدية، كما توجد شبكة من الطرق البرية بين المدن، وهناك مطاران، أحدهما في العاصمة سكوبيه والآخر في مدينة أوهريد.
  • الطاقة: توفر 80% من احتياجاتها من الطاقة، من مواردها الذاتية (الوقود الأحفوري وموارد المياه).
  • القطاع العام: تملك الدولة معظم وسائل الإنتاج، وتبلغ نسبة العاملين في الصناعة 40 % من مجمل العمالة، وفي الزراعة 10%، وتوظف الخدمات كالصحة والتعليم ودوائر الحكومة 50%. وتبلغ إجمالي الإيرادات الضريبية السنوية 24.2%. كما تحافظ على عجز صغير نسبياً في الموازنة.
  • القطاع المصرفي: تهيمن المصارف الأجنبية على السوق المحلية، وتمتلك أكثر من 90% من إجمالي الأصول المصرفية.

ورغم بعض المعطيات الإيجابية والمشجعة حالياً، إلا أن مقدونيا لم تبلغ بعد مستوى النمو الاقتصادي الذي عرفته حتى عام 1991 (والذي كان قد بلغ أعلى مستوياته في العام 1987)، ما يؤكد أن مقدونيا، ومنذ حصولها على استقلالها، شهدت مراحل سلبية في مسيرتها أكثر من المراحل الإيجابية.

خلاصة اقتصادية:

تؤكد المؤشرات السابقة ضعف الإجراءات الحكومية واضطرابها في الإدارة الاقتصادية للدولة، أكثر مما ظهر في المؤشرات السياسية. حيث يعتبر الاقتصاد أكثر مرونة (أسرع تأثراً)، للاضطرابات وسوء الإدارة. عدا عن تداخل الفساد الحكومي بالقضايا الاقتصادية كما أوضحته جملة التسجيلات المسربة، والتي أنهكت الاقتصاد المقدوني، الضعيف في أسسه، ما يزيد الأعباء السياسية على الحكومة المقبلة، ويضعها أمام تحديات إصلاحية كبيرة، ربما تؤخّر انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لفترة أطول.

كما يترتب على إشكالية الإدارة الاقتصادية المقبلة، أعباء تنمية الأرياف الإثنية التي تعاني من تجاهل السلطة المركزية طيلة العقدين السابقين، ما يرفع من قيمة النزعات الإثنية، في حال أخفقت الحكومة المقبلة في تحقيق تنمية للأطراف، ورفع مستوى معيشتها.

وفيما تتطلع مقدونيا إلى رفع مستوى دخلها القومي ومستوى معيشة الأفراد، فإنها تأمل أن يشكل مشروع أنابيب الغاز الروسية مورداً جديداً لها، عبر فرض رسوم عبور، مقابل دعم غربي اقتصادي ما يزال دون التطلعات. على أن لكلا الدعمين أبعاد سياسية، يتحتم على الحكومة المقبلة البت فيها. حيث يمكنها تأكيد توجهاتها الغربية، مع الاستفادة من المشروع الروسي، دون أن تقدم مقابلاً سياسياً لروسيا، في حال توسيع عمليات التفاعل الغربي مع مقدونيا. فروسيا هي الأخرى بحاجة مقدونيا لإكمال مشروعها، وستضطر لتقديم تنازلات سياسية لإنعاش الاقتصاد الروسي المحاصر والمنهك من أسعار النفط والغاز المنخفضة.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الهوامش

(1) ترى بعض الإحصائيات أن نسبة الألبان والسلاف متساوية، وبالتالي فإن نسبة المسلمين والمسيحيين تتساوى وفق ذات المنطق. غير أن تلك الإحصائيات محدودة، وغالبيتها في مواقع إسلامية. عدا عن أن واقع دور العبادة لا يعكس هذه الإحصائيات، حيث يوجد في مقدونيا، 400 مسجد و1200 كنيسة، وهو ما يؤكد إحصائية الثلثين للسلاف المسيحيين مقابل الربع/الثلث للألبان المسلمين. فيما يحتج آخرون أن الفارق بين عدد دور العبادة، ناجم عن التمييز الديني ضد المسلمين، وهدم مساجدهم والتضييق عليهم في بناء مساجد جديدة، في مقابل بناء كنائس في مناطق غير مأهولة بالسكان، بغية تكريس الهوية المسيحية للدولة.

كما تتباين نسب الحضور المذهبي للمسلمين في مقدونيا، حيث تذهب بعض الإحصائيات، إلى أن السنة يشكلون 25% من مجمل السكان، ويمثل الشيعة البكتاشية 8.3%. فيما تذهب مواقع سنية أخرى، إلى أن السنة يمثلون 99% من مجمل المسلمين في الدولة.

(2) من دلائل ذلك، على سبيل المثال:

– مظاهرة لاتحاد منظمات المجتمع المدني التركي في مقدونيا، دعماً لأردوغان، إبان الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.

– تسجيل أغنية تحت عنوان “مقدونيا تبكي من أجل بوتين”، لشاعر سلافي مقدوني، يطالب فيها بوتين بإنقاذ مقدونيا من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، انظر: https://www.youtube.com/watch?v=ZoYe0EWNE7I

(3) تصدرت مقدونيا أخبار الانتخابات الأمريكية، إثر تحولها إلى منصة إلكترونية عالمية، تضم عشرات المواقع التي تدعي أنها مواقع إخبارية أمريكية، قامت بالترويج لشائعات عدة أثناء الانتخابات، موجّهة ضد الحزب الديمقراطي والمرشحة هيلاري كلينتون. وحازت هذه المواقع على متابعة واسعة من الجمهور الأمريكي، وكان لها تأثيرها غير المباشر في ميول الناخب الأمريكي.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق