جغرافية إيران السياسية والصراع القادم

 من الواضح أن الشروط الإثني عشر التي أعلنتها الإدارة الأميركية لترويض النظام الإيراني والحد من سلوكه المنفلت في العالم العربي والمنطقة بدأت تؤتي ثمارها. وما التهديدات الإيرانية الأخيرة التي جاءت على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني وزملائه قادة الحرس الثوري، بأنهم سيمنعون صادرات النفط العربي إذا أوقفت الدول معاملاتها النفطية مع طهران، إلا دليل على أن النظام الإيراني بالفعل مرتبك، خاصة إذا تقلصت الصادرات النفطية التي تشكل أكثر من 80 بالمئة من مجمل إيرادات البلاد.

وناقش كثيرون الشأن الداخلي الإيراني والأوضاع الاقتصادية المتردية إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من الجهد لمناقشة وفهم وضع القوى السياسية الإيرانية الفاعلة في الخارج، والتي من المحتمل أن تلعب الدور الرئيسي في مستقبل جغرافيا إيران السياسية ذات التنوع العرقي وغير المتجانس أصلا.

عندما عيّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جون بولتون مستشارا له واستبدل ريكس تيلرسون وزير خارجيته السابق بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو، تنفّست القوى السياسية الإيرانية الصعداء ودخلت في ائتلافات سياسية وعقدت مؤتمراتها تحسبا لما هو قادم، وذلك لأهمية هذه التعيينات كونها شديدة العداء لنظام الجمهورية الإسلامية.

في هذا الإطار أيضا، تجسّد هذه التعيينات والشروط الأميركية رغبة صناع القرار الأميركي وتنسجم كليا مع رغبة البعض من العواصم العربية -التي تضررت من السلوك الإيراني المخرّب في المنطقة- في مساعدة ودعم الشعوب في جغرافيا إيران السياسية، الشعوب الراغبة هي أيضا في التخلص من نظام الجمهورية الإسلامية ورجال الدين هناك.

وعليه، يمكن أن نقسِّم خارطة القوى السياسية للشعوب الإيرانية التي تنشط خارج الحدود إلى قسمين: الأول يتشكل من القوى الفارسية، التي تتوزع ما بين منظمة مجاهدي خلق (اليسار القومي الفارسي) والملكيين (معظم التيارات القومية الفارسية). ولم تعترف هذه القوى بعد بالشعوب غير الفارسية (تقريبا 70 بالمئة من مجموع السكان) والواقع السياسي في البلاد إلا في ما ندر، وإذا استلم الملكيون الحكم في إيران، فلن يكونوا أقل من مجاهدي خلق خطورة على مستقبل المنطقة وشعوبها عموما.

أما القسم الثاني فيتشكل من القوى السياسية التي تمثل الشعوب غير الفارسية في إيران، والتي لديها مشتركات قومية وثقافية ودينية مع الجوار الإيراني من العرب وغيرهم، والتي تبلور حراكها السياسي ونضج أكثر من ذي قبل خاصة في السنوات القليلة الماضية، وشكلت كياناتها السياسية ودخلت في ائتلافات سياسية فيما بينها لتحقيق مبدأ تقرير المصير والعيش الكريم.

وبالنظر إلى الواقع الإيراني المتباين عرقيا واجتماعيا وسياسيا، فإن التطلعات السياسية لمعظم القوى والأحزاب الفاعلة سواء أكانت في الداخل أم في الخارج، ما عدا أجنحة النظام السياسية (إصلاحيين وأصوليين)، بالرغم من شبه توافقها على ضرورة التخلص من النظام الثيو-فارسي، إلا أنها أيضا ليست موحّدة وغير منسجمة.

التباين الشديد بين الشعوب الإيرانية من جهة وبين قواها السياسية من جهة ثانية، يعمل على إذكائه النظام الإيراني منذ تأسيس الدولة البهلوية الأولى إلى يومنا هذا. ويعتبر من أهم الإشكاليات التي وقفت لهذه اللحظة أمام كافة المحاولات الرامية إلى تأسيس جسم سياسي يضم هذه القوى.

وقد يكون ظهور «جریان سوم»، أي التيار الثالث، الذي عرّف نفسه بأنه الشعب، ورفع شعار المساواة في الحقوق القومية والسياسية، خير دليل على هذه الإشكالية المعقدة (حقوق الشعوب).

وبالإضافة إلى هذه الإشكالية ما زالت السياسات المذهبية الممنهجة للنظام منذ أربعة عقود المحرك الأساسي للتوجهات السياسية لدى المواطن الإيراني.

ومن هذا المنطلق، وبما أن هناك مصلحة مشتركة بين العواصم المتضررة من سياسات طهران وبين الشعوب القاطنة في جغرافيا إيران السياسية (وهم العرب والأذريون والأكراد والبلوش والتركمان وغيرهم)، فإن دعم القوى السياسية التابعة لهذه الشعوب بما فيها الشعب الفارسي، من خلال آلية سياسية واضحة المعالم، تضمن الحقوق القومية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه الشعوب في إيران المستقبل، بات ضرورة ملحة.

والظروف الحالية التي تمر بها جغرافيا إيران السياسية مواتية لتمكين هذه الشعوب من إيجاد نظام سياسي واضح المعالم والآليات بإشراف الأمم المتحدة لضمان الأمن والاستقرار في الإقليم برمته.

جمال عبيدي

رئيس مركز مستقبل الشرق

نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

شارك هذا المقال

إضافة تعليق جديد