أبعاد تعليق السعودية شحنات النفط عبر باب المندب، بعد إرهاب الحوثيين وإيران

ردا على حملة أمريكا التي تستهدف خفض إيرادات النفط الإيرانية إلى الصفر والتي انتقلت من التهديدات إلى العمل الإرهابي، فقامت إيران عبر الحوثيين اعتداء على ناقلتي نفط سعوديتين في مضيق باب المندب، وسبق أن صرح روحاني بأنه لن يكون هناك غلق مضيق هرمز فقط بل هناك غلق أكثر من مضيق.

أعلنت السعودية مباشرة بعد تعرض سفينتين من سفنها النفطية للاعتداء على يد وكلاء إيران في اليمن الحوثيين ومنذ فترة طويلة منذ أن قامت السعودية بعاصفة الحزم وهي تحذر من أن إيران عبر وكلائها ستهدد الملاحة في البحر الأحمر، لكن السعودية واجهت تراخي دولي في التعامل مع خطر بات يمثله الحوثيون على الملاحة البحرية، وهناك دور إيراني وراء تصعيد الحوثيين في باب المندب.

كذلك الاعتداء على الناقلتين السعوديتين يؤكد أهمية تحرير الحديدة ومينائها بعدما تعرضت الحديدة أكثر من مرة من وقف العمليات العسكرية بحجج كثيرة منها العمليات الإنسانية وقتل المدنيين.

يشير توقيت الاعتداء الحوثي على الناقلتين السعوديتين إلى أن هناك دور إيراني في تأجيج التوتر بباب المندب ضمن ضغوط تمارسها طهران لكبح الحملة الأميركية لخفض إيرادات النفط الإيرانية إلى الصفر، لكن هذا الاعتداء أيضا يوفر للسعودية ولدولة الإمارات المشاركة في التحالف العربي في تحرير اليمن فرصة للعمل على استقطاب دعم دولي أكبر لحربهم ضد المتمردين الحوثيين ولمعركة تحرير ميناء الحديدة.

ورغم أن تأثير النفط الذي يمر عبر باب المندب لا يمثل سوى 8 في المائة من النفط العالمي الذي يمد أوربا لها أبعاد عديدة، ولماذا لم تهدد إيران السفن التي تمر عبر مضيق هرمز، بسبب أن إيران تدرك أن مضيق هرمز تحت الحماية الأميركية ولا تود صدام مباشر مع أمريكا، لكنها فضلت تنفيذ تهديداتها عبر وكلائها في اليمن من أجل أن يضغط على أوربا حتى تتخذ مواقف أكثر جدية ضد الولايات المتحدة والدفاع عن مصالحها.

 تعود شرارة الحرب الكلامية إلى تصريحات روحاني خلال جولته الأوربية، وبينما كان الإيرانيون ينتظرون نتائج مفاوضاته حول المقترحات الأوربية لمواجهة العقوبات الأميركية، وتريد إيران من دول 4+1 وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا ومن الاتحاد الأوربي أن تحافظ على تعهداتها في الاتفاق النووي ولا يوجد سقف زمني للمفاوضات.

 تصر طهران إلى وجود ضمانات تنفيذية لحزمة المقترحات، وأمهلت طهران هذه الدول على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حتى 6 أغسطس 2018 وهو موعد بدء العقوبات الأمريكية لتقديم آليات عملية تلبي المطالب الإيرانية وتشمل حزمة المقترحات النفط والغاز والتأمين والعلاقات المصرفية وجميع المطالب الإيرانية من الاتفاق النووي، وتلعب طهران على وتر سوء العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، لكن أخطأت إيران بأن أوربا ستقدم لها شئ بمعزل عن أمريكا، وبالفعل حصل ترمب على تنازلات أوربية لتفادي حرب تجارية، كما نجح في احتواء روسيا بعيدا عن إيران وحتى الصين والهند فهما دولتان لهما مصالح أكبر مع الولايات المتحدة ولن تغامر بتلك المصالح.

خصوصا وأن وفد دبلوماسي أميركي أجرى مباحثات في الهند وتركيا في سياق تحرك الإدارة الأميركية لتصفير صادرات النفط الإيرانية، رغم ذلك لا تريد إيران غلق مضيق هرمز ما يعني هناك مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة غير متكافئة.

وقد حذر سفير السعودية في واشنطن الأمير خالد بن سلمان وكتب مقالا نشرتها عرب نيوز ( لماذا يجب التصدي لسلوك إيران الخبيث لا استرضاؤه؟ ) بعدما حذر الرئيس الإيراني روحاني أميركا من اللعب بذيل الأسد وأضاف أن الحرب مع إيران هي أم الحروب، لكن رد ترمب على تلك التهديدات عبر تغريدة قائلا لا تهدد الولايات المتحدة من جديد أبدا، وأكد الأمير خالد أن العداء بين السعودية وإيران ليس طائفيا كما يزعم محللون كثر بشكل غير لائق من أجل تحقيق أهداف ضد السعودية فمثلا رئيس عصائب أهل الحق الخزعلي يحاول أن يشيع بأن داعش قوات خاصة للسعودية وتركيا لمحاربة الشيعة للتغطية على المشروع الإيراني في المنطقة العربية.

 لكن السعودية بددت هذه الادعاءات بعد تشكيلها التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب أيا كان انتماؤه سواء كان سنيا مثل داعش والقاعدة أو شيعيا مثل الحوثيين وكل من يستهدف أمن السعودية، حيث أن هدف تلك الادعاءات من أجل تحقيق مشروع الحشد الشعبي في العراق وفي سوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وجميعهم ينفذون المشروع الفارسي الطائفي، وأكبر مثال على ذلك أن إيران هي التي ترعى الإرهاب وهي التي استضافت قادة تنظيم القاعدة وسهلت للعمليات التي تهدف زعزعة أمن المنطقة واستقرار جيرانها.

أتى هذا الاستهداف للسفينتين السعوديتين في باب المندب بعدما رفضت طهران تقديم تنازل للرئيس الأمريكي ترمب ليلة استهداف السفينتين، وعلق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بان تنسى أمريكا التفاوض الأحادي الجانب وتحت التهديد وهدد بعدها قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري بإغلاق مضيق هرمز قائلا أن إيران بإمكانها إغلاق صادرات النفط العالمية عندما تشاء.

استهداف السفينتين السعوديتين أتى بعد كلمة ترمب أمام قدامى المحاربين في المعارك الخارجية في 24/7/2018 من أن أمريكا تترك الباب مفتوحا أمام إمكانية التفاوض لنزع أسلحة إيران النووية وذلك بعد يومين من توجيه الرئيس ترمب تحذير شديد اللهجة إلى الرئيس حسن روحاني عبر خلفية تهديدات إيرانية بغلق مضيق هرمز بوجه صادرات النفط الدولية ردا على العقوبات الأمريكية.

لكن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه حذر الرئيس روحاني في 25/7/2018 انتقادات ضمنية وقال إن الأمريكيين يحاولون استدراج إيران لأجواء متطرفة وأضاف يجب ألا ندخل أجواء التطرف لأنه ليس لدينا قناة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، وهو الشخص الذي سبق أن نفى أن روحاني هدد بإغلاق مضيق هرمز خلال زيارته لجنيف، وطالب فلاحت بتنشيط الحلول الداخلية ضد العقوبات قائلا أن 80 في المائة من الاقتصاد الإيراني داخلي و20 في المائة مرهون بالقضايا الخارجية.

خصوصا وأن هناك استياء شعبي بعد توالي الفضائح الاقتصادية وتم الإطاحة بمحافظ المركزي الإيراني ككبش فداء النظام بعد انهيار العملة الإيرانية إلى أدنى مستوى تاريخيا.

استهداف سفينتي نفط سعوديتين وتعليق شحنات النفط يوفر للسعودية فرصة لدفع المجتمع الدولي نحو التركيز على إيجاد حل للحرب الأهلية في اليمن خصوصا وأن أمريكا تريد السعودية أن تعوض الصادرات النفطية، لكن السعودية أيضا تريد ربط هذه الصادرات بحل الأزمة في اليمن، وكأن إيران أيضا قدمت للسعودية قارب إنقاذ.

إيران محاصرة من كل جانب في العراق من قبل المتظاهرين الذين حرقوا صور لخامنئ بعد وقف الكهرباء والماء، والمنسقة للأمم المتحدة كارديل صرحت بأنه حان الوقت لاستراتيجية دفاع نزع سلاح حزب الله، وموسكو مشغولة بمنع الاحتكاك الإيراني الإسرائيلي بعد إسقاط إسرائيل طائرة سخوي سورية غداة زيارة الوفد الروسي.

 والآن وبعد استهداف السفينتين السعوديتين في باب المندب والذي تزامن مع وصول المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صنعاء لإجراء محادثات مع الحوثيين بهدف استئناف عملية السلام وتجنيب مدينة الحديدة الحرب مما اضطر السعودية إلى اتخاذ قرار تعليق شحنات النفط وقد تنضم إليها الكويت، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط رغم أن السعودية لديها بدائل ويمكن تصدير 5 مليون برميل نفط يوميا عبر البحر الأحمر، ولكنها لا يمكن تعويض الصادرات النفطية الإيرانية والأزمة اليمنية مستمرة خصوصا وأن الحوثيين والإيرانيين يهددون الملاحة في البحر الأحمر.

 تدرك إيران إذا أغلقت مضيق هرمز الذي يصدر نحو 18 مليون برميل يوميا إلى آسيا بنسبة 30 في المائة تمر عبر مضيق هرمز مقابل 8 في المائة من إمدادات النفط العالمية عبر قناة السويس بنحو 4.8 مليون برميل يوميا إلى أن تدخل في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لذلك فضلت استهداف السفينتين السعوديتين عبر وكلائها واستهدفت النسبة الأقل حتى لا تدخل في مواجهة شاملة مع أمريكا.

ليس فقط الولايات المتحدة بل يؤجج بقية الدول الكبرى ضدها فيما إيران تبحث عن حلفاء، ولا أعتقد أن إيران ستدخل في مواجهة لا مع أمريكا ولا مع دول كبرى أخرى مثل الصين وروسيا، لذلك ترمب متأكد من أن إيران سترضخ عندما تجد أن كل البدائل التي تطرقها قد فشلت على غرار كوريا الشمالية بعدما وصلت التهديدات بين الجانبين إلى حد الهاوية، وستلجأ إيران إلى مفاوضات وقد تقبل الولايات المتحدة قيادة مفاوضات جماعية ولكن وفق شروطها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق