الشيطان الأكبر والولي الفقيه وتحقيق المصالح المشتركة عبر الاتفاق النووي

البرنامج النووي الإيراني بعد أن كلف خزينة الدولة مليارات الدولارات، وأخضع طهران تحت عقوبات دولية، أدخلت الشعوب الإيرانية في نفق مظلم قادها إلى صعوبة عيش وواقع سقيم وتململ من الأوضاع القاسية، وزادت من معدلات الفقر والبطالة، وأذكت الجرائم والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وكادت أن تسقط الدولة بجميع أركانها، أصبح الآن بعد اتفاق فيينا في خبر كان، هكذا وصف الخبراء والمحللون هذا الاتفاق النووي الذي جرى بين إيران والمجموعة الدولية 5+1 في تاريخ 14 يوليو 2015 وتم بتنازل إيراني بحت تعدى الخطوط الحمراء التي وضعها رأس النظام الإيراني علي خامنئي، وأخضع إيران لإرادة الشيطان الأكبر بين ليلة وضحاها، وكشف حقيقة التودد الإيراني الأميركي والذي سيكون على حساب شعوب المنطقة الإيرانية والعربية، ولصالح النظام الإيراني وإدارة أوباما التي طالما أثبتت بشيطنتها السياسية عداءها اتجاه الشعوب العربية.

الزعيم الإيراني علي خامنئي شدد مراراً وتكراراً على الخطوط الحمراء غير القابلة للتنفيذ في التفاوض بين الفريق الإيراني والمجموعة الدولية، وعاهد الشعب في كثير من خطاباته بعدم تجاوز هذه الحدود بأي ثمن، والتي كان منها تفتيش المواقع النووية والعسكرية، ومقابلة العلماء النوويين، ورفع العقوبات الدولية مرة واحدة في حال التوصل إلى اتفاق، تراجع الآن وبشكل علني مفضح عن هذه الخطوط، وخضع أمام شعبه والعالم للإرادة الأميركية، ليكشف حقيقة عدم التزامه بأي عهد قطعه على نفسه أمام شعبه، فكيف سيلتزم بعهد أبرمه أمام المجتمع الدولي؟

وفي دراسة البنود التي تم الاتفاق عليها بين إيران والغرب في فيينا، يتضح حجم التنازلات التي قدمتها طهران علناً من أجل التوصل إلى هكذا اتفاق من الممكن أن يرفع كاهل العقوبات عنها، ومن المؤكد الإشارة إلى حجم التنازلات الأخرى التي جرت تحت الطاولة وبعيداً عن الإعلام خوفاً من غضب الشعوب الإيرانية وتراكضاً للمصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية.

بنود المصالحة الإيرانية الأميركية:

أولا: فرض قيود طويلة المدى على البرنامج النووي الإيراني مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% فقط.

ثانيا: تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين ولمدة 10 سنوات، لتصل إلى 5060 جهاز طرد مركزي تقوم بعمليات التخصيب في موقع نطنز، و1044 جهازاً آخر تبقى في حال العمل إنما بدون تشغيلها في موقع فوردو، علماً أن إيران تملك حاليا 19 ألفاً.

ثالثا: إجبار طهران على التخلص من 98% من حجم اليورانيوم الإيراني المخصب.

رابعا: إجبار إيران على عدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيلة، بالإضافة إلى عدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما.

خامسا: سماح طهران بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، من بينها المواقع النووية والعسكرية، وخاصة موقع بارشين العسكري الذي كان أحد خطوط المرشد الحمراء.

سادساً: إخضاع طهران تحت حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية، و8 سنوات للصواريخ البالستية.

سابعاً: التعهد بالإفراج عن أرصدة وأصول طهران المالية المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات.

ثامناً: رفع الحظر عن الطيران الإيراني وأيضاً عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشركات والشخصيات الإيرانية.

تاسعاً: رفع العقوبات الدولية المفروضة من جانب أوروبا والولايات المتحدة عن طهران بعد ثبوت التزامها ببنود الاتفاقية، وسيتم رفع العقوبات تدريجياً اعتباراً من مطلع العام المقبل 2016، لكنه ينص على إعادة فرضها في حال إخلال طهران بالتزاماتها.

عاشراً: الموافقة على التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.

بنود الاتفاقية هذه كبحت أجنحة طهران فيما يخص طموحاتها النووية بالفعل، وعلى الرغم من جنيها مليارات الدولارات بفعل الإفراج عن أرصدتها النووية، إلا أن حجم خسائر المليارات التي أهدرت في برنامجها النووي الذي ذهب أدراج الرياح تبقى أكبر، وتبقى الشعوب الإيرانية هي الخاسر الأكبر، ولتحريف هذه المعادلة، عمل النظام الإيراني خلال الأسابيع الماضية عن طريق رجالاته ووسائل إعلامه على الترويج لهذا الاتفاق قبل حدوثه من أجل تضليل المواطنين بإقناعهم أنه في حال تم، سيكون انتصاراً إيرانياً، وهو ما يفسر نزول بعض المواطنين الإيرانيين إلى الشوارع احتفالاً بهذا الاتفاق.

في حقيقة الأمر، ما تم في فيينا بين إيران والمجموعة السداسية يعتبر مصالحة إيرانية أميركية سعت وراءها طهران، أكثر من كونه اتفاقاً نووياً، لتصبح غطاء للاجتماعات واللقاءات التي تتم عادة بين الطرفين وفي العديد من المدن العالمية، فبعد أن كانت هذه الاجتماعات سرية، ستصبح الآن علنية وتحت غطاء الملف النووي، لينكشف بذلك حجم الصداقة الإيرانية الأميركية والتي كانت ومازالت على حساب شعوب المنطقة، ولعل نقل التلفزيون الإيراني الرسمي لكلمة أوباما بعد أن كان يصفه بالشيطان الأعظم رمزاً لعلانية هذه الصداقة الحميمة.

رغم تراكض طهران وراء التقارب مع أميركا، وتقديمها التنازلات العديدة لتحقيقه، مازالت أعمالها موضع شك من قبل الطرف الأميركي الذي يريد تحقيق أكبر قدر من مصالحه في منطقة الشرق الأوسط عبر نظام ولاية الفقيه، وهو ما اتضح في كلمة أوباما التي أكد فيها أن هذا الاتفاق استند إلى عمليات تحقق وليست ثقة، وقال: “إن لاتفاق النووي الإيراني لن يحل كل خلافاتنا مع طهران، وأن الكونغرس الأميركي سيراجع هذا الاتفاق، وستبقى خياراتنا مفتوحة في حال انتهكت إيران الاتفاق”، كما هدد خصوم أوباما الجمهوريين بإفشال هذا الاتفاق وعرقلته أثناء مروره بالكونجرس، وفي السياق نفسه أدان مجلس النواب الأميركي الاتفاق النووي النهائي بين إيران والمجموعة 5+1، محذراً من أن هذه الصفقة ستؤجج سباق التسلح في العالم، وقال رئيس مجلس النواب جون بينر في بيان له: إن “هذه الصفقة لن تؤدي، على الأرجح، إلا إلى اشتعال نيران سباق التسلح في جميع أنحاء العالم، وأن عقد الصفقة مع طهران أظهر تراجع أوباما عن مبادئه، وفي أول ردة فعل إسرائيلية، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذا الاتفاق بقوله “الاتفاق النووي الإيراني خطأ سيئ وله أبعاد تاريخية”، وذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الحكومة الأمنية المصغرة اجتمعت وأصدرت بياناً قالت فيه: إن إسرائيل لا تعترف بهذا الاتفاق، وهي ليست ملزمة بالتقيد به.

من جهته أيضاً، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: “إن وكالة الطاقة الذرية ستقوم بتفتيش أي موقع إيراني وستقابل من تريد”، وصرح مسؤول سعودي “أن اتفاق إيران النووي مع القوى الدولية سيكون يوماً جيداً للمنطقة إذا منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، لكن الاتفاق سيكون سيئاً إذا سمح لطهران بأن تعيث في المنطقة فساداً”، كما أن جميع بنود الاتفاقية أشارت إلى عدم ثقة المجتمع الدولي بتعهدات النظام الإيراني، وخاصة البند المتعلق برفع العقوبات، إذ نص على أن رفع العقوبات الدولية سيكون تدريجياً اعتباراً من مطلع العام المقبل 2016، وسيعاد فرضها في حال إخلال إيران بالتزاماتها.

هذا الاتفاق أثار العديد من التساؤلات لدى الخبراء والمحليين حول طبيعة العلاقات الإيرانية الأميركية من جهة، والدور الذي ستلعبه طهران في المنطقة ومدى سلبياته وأخطاره على شعوب المنطقة في ظل تدخلاتها المعاكسة لمصالح دول المنطقة، إذ يرى العديد من المختصين أن النظام الإيراني من خلال حرسه الثوري سيزيد من دعمه للجماعات الموالية له بعد الإفراج عن ملياراته المجمدة، من خلال دعم هذه الجماعات مادياً وإعطائها العديد من الامتيازات الاقتصادية لتقويتها وتعزيز مكانتها في المنطقة، كأداة يسعى من خلالها النظام الإيراني إلى خلط الأوراق داخل الدول العربية وإشعال الفتن والاقتتال لإضعافها، من أجل بسط أيديولوجياته الطائفية وتحقيق أهدافه التوسعية، وهو ما تراه إدارة أوباما في نفس الوقت تحقيقاً للمصالح الأميركية تشترك في تنفيذه مع الولي الفقيه على حساب شعوب المنطقة، وهو ما يتطلب تشكيل تحالفات إقليمية لصد هذا المخطط الإيراني الأميركي الذي سيجلب الويلات والدمار للمنطقة.

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق