السعودية الجديدة

السعودية الجديدة المتطلعة للمستقبل والوثابة نحو إصلاحات كبرى شملت كل المجالات دون استثناء، السعودية نبع الإسلام، وقبلة المسلمين، لذلك يحمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جولته الأولى عراب الرؤية السعودية 2030 قيادة حلف حضاري بين أبناء الديانات والثقافات لتعزيز قيم التسامح ونبذ العنف والتطرف.

خلال زيارته لمصر ولندن لم يكتف بزيارة الأزهر الشريف بل زار الأنبا تواضروس الثاني وشكره على المشاركة في استقرار مصر، وزار رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي أثناء زيارته لندن.

هناك سباق إعلامي للزيارة الأولى لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الذي استقبل استقبال الملوك باعتباره قائد التحول في السعودية، والتي أرسلت رسالة قوية لإيران بأن علاقة السعودية بدول العالم تتجاوز التعاون الاقتصادي.

لا يزال هناك تشكيك من البعض بل وتخوف من ربط السعودية مصالحها الأمنية والاقتصادية مع مصر والعراق ولبنان خصوصا ممن تهجم على زيارة الرئيس سعد الحريري للسعودية، وهناك هجوم على السيسي في استقبال ولي العهد السعودي استقبال الملوك، لكن فاجأتهم رئيسية وزراء بريطانيا تيرزا ماي التي تعمدت أن تخطو خطوات بروتوكولية في استقبال الأمير محمد بن سلمان استقبال الملوك، وهناك من استاء من فرح الجماهير العراقية واحتفائهم بالفريق السعودي الذي لعب على أرض العراق.

لا يزال البعض يشكك في مشروع نيوم العملاق المشترك بين السعودية ومصر بل أصاب البعض منهم هستريا بعدما راهن على فشل المشروع، لكن الزيارة الأخيرة للقاهرة تم تأكيد المشروع بين البلدين الكبيرين بالإضافة إلى دولة الأردن، خصوصا وأنه يساهم في تنمية جنوب سيناء للقضاء على الإرهاب الذي استوطن سيناء، وهدد أمن واستقرار مصر.

مشروع نيوم بديل عن مشاريع الوحدة السياسية التي فشلت في فترات زمنية سابقة، حيث أطلقت وكالات الأنباء والصحف الأجنبية بأن المشروع العملاق بين ثلاث دول عربية هو بمثابة (ميغا سيتي) إذ تبلغ مساحته 33 مرة مساحة نيويورك، وبدأت تتهافت عدد من الدول لتنال جزءا من كعكة هذا المشروع العملاق مثل بريطانيا واليابان وفرنسا، وخسر الرهان كل من شكك في العلاقة بين السعودية ومصر.

لكن لأول مرة أرى أن هناك عرباً مرعوبون من تلك العلاقة السعودية المصرية الأردنية اللبنانية العراقية، ومصابون بخوف وهواجس من هذا الحراك السعودي وتشبيهه بالمشروع الإيراني والتركي، فيما أن الحراك السعودي يجد مناصرة قوية خصوصا من العرب الذين يودون التحرر من المشروع الإيراني الطائفي الذي دمر الدول العربية ومن المشروع التركي الذي يلعب بالمنطقة العربية عبر مشروع ورقة الإخوان التي تعتبرها السعودية ورقة انتهى مفعولها، وهي تسعى نحو تحقيق الحلم العربي على أرضية مشتركة عبر تحقيق التكامل الأمني والاقتصادي خصوصا وأن الحراك السعودي بعيدا عن أي أيديولوجيا متطرفة.

السعودية الجديدة بنت فلسفتها بشكل كامل على رؤية اقتصادية المملكة 2030 والتي تتسم بالشمولية ومرحلة ما بعد النفط، تطلبت هذه الرؤية محاربة التطرف والإرهاب وكل ما يعيق تحقيق هذه الرؤية، خصوصا وقف التشدد الذي ساد المنطقة العربية أكثر من أربعة عقود من الزمن والتي تفشت ما بعد 1979 بشقيه السني والشيعي والتي تزامنت بولادة ولاية الفقيه التي تزعمها الخميني، واقتحام جهيمان الحرم الشريف ومبايعة المهدي التي كانت إيذانا بولادة خطاب متشدد يحاول الوقوف أمام تنفيذ مشاريع عملاقة مثل مشروع نيوم وغيره من مشاريع تحقق للعرب نقلة نوعية للدفاع عن أمنهم والتخلي عن عجزهم وفي وقف القتال كالمتمثل في سوريا مستقبلا.

السعودية الجديدة التي يحملها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للداخل والعالم تبنيه الإسلام الوسطي المعتدل الذي يحمل قيم التسامح ورسائل المحبة والسلام باعتبارها رسالة إنسانية قبل أن تكون أيضا دينية، وهذا لا يتعارض مع كون السعودية راعية الحرمين الشريفين بل يعطيها مصداقية أكبر في أن تتولى رعاية السلام والتسامح كدولة راعية الحرمين الشريفين التي يستقبلها في الصلاة مليار ونصف مليار مسلم، وهي ترفض تبني جميع المشاريع سواء الطائفية أو المتشددة أو ما يسمى بتيارات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي، فقط تريد السعودية أن تكون منارة للاعتدال والتسامح المنفتحة على العالم.

هذا التوجه جعل السعودية محط أنظار العالم وأنظار المستثمرين الحالمين بالاستثمار في السعودية خصوصا بعد تبني السعودية مشاريع عملاقة بعدما كان المستثمرون يترددون في الاستثمار في السعودية بسبب انغلاقها، لم تعد السعودية الجديدة تعطي بالا لخصومها أو للمنقطعين عن العصر والذين لا زالوا يرددون مقولاتهم السابقة عن السعودية إما غيظا وحسدا أو جهلا.

الانفتاح السعودي البراغماتي الديناميكي حدث مهم لأنه يستشرف المستقبل ويرصد التحديات ويحاصرها عبر تفجير طاقاته التي كانت تتحاشى المجازفة، ولكنه تطور مدروس الذي لم يعد خيارا بل غدا ضرورة ملحة وواجبا ملزما في الاعتماد على الذات، ولم تعد السعودية تفكر في الاعتماد على الدول الكبرى في حفظ أمنها، وأكبر مثال على ذلك أن السعودية تغيرت وبدأت تحقيق التحول عبر المعالجة بالصدمة الذي تطرق إليه الأمير محمد بن سلمان في لقاءاته الإعلامية غير مرة، واستطاعت السعودية إسقاط الأوهام والتشكك، وأثبتت قدرتها على المواجهة.

السعودية تخاطب الغرب باللغة التي يفهمها من خلال تنظيم أنفسنا والتخطيط بحكمة بدلا من الأسلوب الارتجالي الذي اعتادت عليه بلداننا في الفترات الماضية، رياح التغيير اجتاحت المنطقة وأضحت أسوأ مما كانت عليه، لكن علاج الصدمة الذي استخدمته السعودية مفتاح لبناء علاقات متينة بمواجهة رياح التغيير وتبدل المصالح.

يحتل الترفيه جزءا كبيرا من رؤية المملكة 2030 كأحد أعمدة بناء الشخصية السعودية الجديدة، وتجاوز مفاعيل الانغلاق الذي ساد في الفترة الماضية منذ سنة 1979 وإعلان السعودية عن مشاريع ترفيهية تبلغ قيمتها الاستثمارية 64 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وسيسقط سيف الخوف إلى الأبد الذي قضى على أحلام السعودية في الماضي، لكنه سيحقق أحلام السعودية الجديدة، وأن فسحة الدين أكبر من البقاء في زاوية ردة الفعل التي رسمها التشدد بحجة التمسك بقيود ظنية أكثر منها يقينية، وخلافية أكثر منها ثوابت.

لذلك جولة الأمير محمد بن سلمان الخارجية الأولى وعلى أرض مصر قدم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية السعودية الجديدة والتزامه عمليا بثوابت رؤيته، وبما يريده لشعبه وللشعوب العربية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق