التغيير الديموغرافي في الأحواز: تسعة عقود من السياسات الفارسية الفاشلة

تعتبر العنصرية ومعاداة العرب وثقافتهم في إيران أهم السمات التي يمتاز بها الفرس. في واقع الأمر، إن هذه الظاهرة ناتجة عن الاعتقاد السائد بين الأوساط الثقافية الفارسية بأن الفتح العربي الإسلامي قبل ألف وأربعمئة عام لبلاد فارس كان السبب الرئيس في تخلف الفرس عن اللحاق بركب التطور الحضاري والعلمي.

وباتت الأوهام التاريخية الفارسية على المستويين الرسمي والشعبي منذ قرن من الزمن تقريبا، سلوكا مزعجا ومرهقا لمجمل الشعوب في جغرافية إيران السياسية عموما، والشعب العربي الأحوازي والمنطقة العربية خصوصا، ولم يعد بالإمكان التعايش معها. وتحت عنوان (أنا عربي)، انطلقت الاحتجاجات المستمرة منذ أيام في الأحواز، والتي عمت العديد من مدن الإقليم العربي هناك، وسمّيت بـ”انتفاضة الكرامة الثانية”.

شرارة هذه الانتفاضة كانت أحد البرامج التلفزيونية التي تبثها هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني. والقصة هي أن القائمين على هذا البرنامج، الذي يعتبر من أهم البرامج الإيرانية وأكثرها مشاهدة في البلاد، قاموا بتجاهل حقيقة الوجود العربي في الأحواز، وذلك عندما وضع المخرج على الخارطة الإيرانية دمية تشير إلى تواجد “القومية اللرية”، المحسوبة على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، محل القومية العربية في جغرافية إقليم الأحواز، هذا الإقليم الذي يعتبر موطنا للعرب منذ الآلاف من السنين وقبل مجيء الفرس من جبال القوقاز للهضبة الفارسية التي تسمى حاليا بإيران.

أثار هذا التصرف غضب العرب في جغرافية إيران السياسية الذين يعانون أصلا من الويلات جراء السياسات العنصرية الفارسية الرامية لتهجيرهم وجلب وتوطين القومية اللرية محلهم في موطنهم الأصلي وأرض أجدادهم.

والملاحظ في الأمر، أن الدمية التي وضعت على الخارطة الجغرافية لإيران تشير إلى القومية اللرية التي عملت السلطات الفارسية منذ احتلال الأحواز عام 1925 إلى يومنا هذا على جلبها من إقليم لرستان (موطن اللر والبختياريين) المجاور للإقليم العربي وتوطينها في الأحواز، وذلك من خلال مشروع استيطاني متكامل المعالم رغبة من السلطات الفارسية بتغيير ديموغرافية الأحواز لصالح غير العرب.

بالطبع، يندرج هذا المشروع الذي يهدف إلى التهجير القسري للعرب الأحوازيين من الأراضي التي يقيمون عليها منذ الآلاف من السنين، ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية (جريمة التطهير العرقي).

وفي هذا الإطار حظرت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 من أن التهجير القسري الجماعي للأشخاص والأفراد من قبل الحكومات يعد من الممارسات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية.

هذا المشروع الاستيطاني كان قد بدأ في عهد الدولة القومية الفارسية البهلوية الأولى، ومع الأسف لم يتوقف في عهد الجمهورية الإسلامية الشيعية، بل استحدث النظام العنصري الثيوفارسي الحالي الذي أخذ من الإسلام غطاء شرعيا، سياسات وأساليب خبيثة لم يكن معمولا بها من قبل.

ومن هذه السياسات، مشروع حرف مجرى مياه الأنهار الأحوازية للوسط الفارسي. وهذا المشروع الذي قام به رهاشمي فسنجاني والحرس الثوري بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية أدى إلى تجفيف الأراضي في الأحواز، وما ظاهرة الغبار والعواصف الترابية وتأثيراتها الصحية والبيئية الخطيرة على المواطن العربي في الإقليم والمنطقة برمتها التي نشاهدها اليوم، إلا نتيجة لهذا المشروع المدمر للإنسان والبيئة في آن واحد.

وبالإضافة إلى مشروع حرف مجرى مياه الأنهار هناك المشاريع الأمنية والاقتصادية التي حاولت السلطات الفارسية تنفيذها في الأحواز منذ إسقاط الحكم العربي في الربع الأول من القرن الماضي، وهناك مشروع استيطاني خطير عملت السلطات في طهران على تنفيذه منذ ثلاثة عقود، وكلّفت أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، وقائد الحرس الثوري سابقا، الجنرال محسن رضائي مهمة إنجاحه.

ويهدف هذا المشروع إلى جلب المواطنين الإيرانيين من إقليم لرستان (الموطن الأصلي لمحسن رضائي) وتوطينهم في إقليم الأحواز العربي ليصبحوا أكثرية في ما بعد. وقد تكون الوثيقة التي سُرِّبت عام 2005 من مكتب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، والتي عرفت بوثيقة أبطحي في الشارع السياسي الأحوازي، والتي على إثرها اندلعت الانتفاضة النيسانية، كانت تشير وبوضوح النية لتهجير العرب من موطنهم الأصلي واستبدال القومية الفارسية بهم، لتصل نسبة السكان من غير العرب في الأحواز خلال 10 عوام إلى 70 بالمئة على الأقل (وهو ما فشلت السلطات الإيرانية في تحقيقه لهذه اللحظة)، وهو خير دليل على هذه السياسات الهادفة والممنهجة من قبل السلطات الإيرانية في الأحواز.

وعليه، فإن الاحتجاجات الجارية في إقليم الأحواز العربي، والتي باتت تعرف بثورة الكرامة، هي نتيجة طبيعية في مواجهة السياسات الظالمة والاستعمارية هناك. وبالنظر لما قاله أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام ذات يوم أمام حشد من البختياريين، بأنه سيصل بالخيم اللرية والإنسان البختياري حتى حدود شط العرب، فهل يستطيع الشعب العربي الأحوازي إيقاف المد الفارسي تجاه بلاد الرافدين أم لا؟

جمال عبيدي

نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق