التدخل الأمريكي والوساطة التركية في سورية

منذ بداية الهجوم الشرس على الغوطة، أمتلك يقيناً جازماً بأن التدخل الامريكي الإنساني قادم. تدخل شبيه بالحالة البوسنية، وهو ما كتبت عنه مقالة توضح رؤيتي للأمر، ونُشرَت بمركز مستقبل الشرق للدراسات، وتأخير هذا التدخل لا يعني إلغاءه، ومن الضروري البحث وإظهار الأمور التي منعت أو أخرت هذا التدخل في محاولة لتفكيك الأسباب والعوامل التي تقف خلف تأخير هذا التدخل.

أولاً: المتاجرة التركية بالقضية الثورية السورية

تم تسليم الغوطة حسب اتفاقات استانة بين الدول الضامنة، والأجدر تسميتها الدول المتاجرة بالثورة، حيث ظهرت المتاجرة التركية بحلب سابقاً، وتظهر اليوم مجدداً في الغوطة، التي سُلمت حسب أوامر وتوجيهات تركية مباشرة لفيلق الرحمن، ذي الميول الإخوانية السياسية، والدعم والتوجه المالي التركي.

ثانياً: اتخذ الفيلق سياسة عسكرية تقوم على الانسحاب التدريجي، منعاً لحصول معارك ومجازر كبيرة، تعطي ذريعة لتدخل دولي إنساني. كما عمل على إظهار وتعظيم وتوجيه الأنظار نحو بعض عملاء الداخل، وإعطائهم أكبر من حجمهم وتأثيرهم على الوضع؛ لإخفاء وتبرير الانسحاب والانهزام العسكري.

وعمل أيضاً على منع الاصطدام والدفاع العسكري الشعبي ضد الحملة، من خلال تجميع المقاتلين بمنطقة بعيدة عن منطقة العمليات العسكرية، وإعطائهم الوعود بعمل عسكري، اُجِّل مراراً، وأُلغِي أخيراً، بعد استكمال المسرحية الهزلية.

عملت الماكينة الإعلامية الإخوانية على تبرير الانسحاب والتسليم، وعدم طرح الأسئلة التي تظهر المتاجرة التركية والخيانة الاخوانية مع الفيلق، الذين باعوا الحراك الثوري بالغوطة لمصلحتهم الخاصة دون مصلحة الوطن، ولصالح أيديولوجيا خاصة بهم ينتهجونها، تنطلق من أساس ديني زائف تسمى خلافة وسلطان ودولة الشريعة.

واليوم تأتي الوساطة التركية كمحاولة لمنع انهيار مكاسب تركيا المباشرة بعد دخولها عفرين ومنطقة درع الفرات، فانهزام وانسحاب روسيا يعني تضرر تركيا وانسحابها من عفرين ودرع الفرات، واحتمال عودة الأكراد الانفصاليين.

 كما تعني الوساطة محاولة تقديمها كبلد محايد بعيد عن روسيا، في إشارة تركية واضحة لمحاولة التموضع مع التحالف الأمريكي الجديد، أو الانفكاك على أقل تقدير عن الحلف الروسي. وبالنسبة إلى المتابع السُوري، فإنه لا فرق بين المحتل التركي والانفصالي الكردي، فكلاهما يبحث عن مصالحه بعيداً عن الثورة ومصلحتها.

يحاول الأمريكان تأخير تدخلهم للحصول على أكبر قدر من المكاسب، دون مواجهة مباشرة، إضافة لرص وتكبير تحالفهم، وحتى محاولة تهميش تركيا أو تحييدها عن إقليمها الجغرافي، لإرجاعها لاحقاً لمشروع تركيا المتوافق مع أمريكا وأوروبا، بعيداً عن مشروع أردوغان وحزبه، الذي حاول مصادرة مشروع تركيا لصالح مشروعهم الحزبي الضيق.

بالعودة للغوطة، نجد أن جيش الإسلام فهم هذه المعادلة، وعمل على تأخير الانهيار في الغوطة، في محاولة للوصول لتدخل دولي، وهو ما لم يتم حينها، فلم يسعفه الموقف والاتفاق الدولي الناتج عن تحالف الدول الضامنة، والذي يتمثل باتفاق المحور الروسي الايراني التركي في استانة، ولم يسعفه الوقت الضيق أيضاً مَنْعُ حصول تدخل فوري لسرعة انهيار وتسليم الغوطة، ولا يعني أبداً تفهمنا لموقف جيش الإسلام، محاولة تبرير خياناته وأخطائه السابقة التي أضرت بالثورة عموماً وبالغوطة خصوصاً.

هذا التدخل، وإن حصل، فإن الفائدة باتت معدومة بالنسبة للثورة والثوار في الغوطة الشرقية، خاصة بعد تهجيرهم منها، وإعلانها منطقة تحت نفوذ وسيطرة النظام. كما لا يعني نقدنا لتركيا والإخوان مناصبتهم العداء، بقدر ما هو توصيف للواقع.

فتركيا ملامة بمتاجرتها بملف الثورة، وبتأخرها بالتدخل المبكر لصالح الثورة، فأصبح التدخل لاحقاً ناتجاً عن عمليات بيع وتبادل مصالح مع الدول الضالعة بالملف السوري، بعد استفرادها سابقاً بالملف بمفردها بسبب قربها الجغرافي.

أما نقد الإخوان، فهو محاولة لإخراجهم من ضيق تفكيرهم الأيديولوجي والمصلحي الحزبي، نحو الانتماء الوطني العميق، والتفكير الاستراتيجي الوطني الشامل، بعيداً عن الأيديولوجيات الحزبية الضيقة. واليوم هناك ثابت واحد، هو عودة الأمريكي بحثاً عن مصالحه، بعد استنزاف روسيا وإيران، وحتى تركيا بعد توريطها باصطفاف دولي عاد عليها بخطأ استراتيجي من الصعب تلافيه مستقبلاً، فيما لو بقيت الاستراتيجية الأمريكية بتجميد ورفض قبول تركيا الحالية ضمن شراكة اوروبية وأمريكية.

هيثم البدوي

كاتب سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق