التحول الاقتصادي السعودي في ظل تغير موازين القوى الإقليمية: القسم الثالث

نصف السكان السعوديين فوق 15 سنة يدرسون في التعليم المتوسط والثانوي تكلفة تعليم الطالب سنويا على الدولة 11556 ريال حيث بلغت مخصصات التعليم عام 2013 204 مليار ريال ،فيما عدد الطلاب 17.65 مليون طالب سيدخلون سوق العمل في أقل من عقد من الزمن ما يعني أن استراتيجية الإحلال غير كافية لكن برنامج التحول الاقتصادي قادر على الاستعداد لتلك المرحلة، بدلا من أن تستمر السعودية في الاعتماد على استخدام العمل المستورد وخفض أهمية العمل ومستوى الأجور، ومن ثم زيادة الفجوة بين القطاعين العام والخاص من حيث متوسط الأجور.

حيث أن الرؤية تشمل خططا واسعة من بينها برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية تستهدف تجهيز السعودية لمرحلة ما بعد النفط، تتضمن ثلاثة تقسيمات رئيسة هي: اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح، ولتحقيق اقتصاد مزدهر تستهدف الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، حيث تستهدف تقدم ترتيب السعودية في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى 25 عالميا والأولى إقليميا، والانتقال في مؤشر التنافسية إلى أحد المراكز العشرة، وزيادة حجم الاقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة 19 إلى المراتب ال15 الأولى على مستوى العالم، بعد تحقيق زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليارا إلى تريليون ريال سنويا.

تستهدف الرؤية زيادة الإيرادات غير النفطية بنسبة 224 في المائة أكثر من ضعفين في عام 2020، حيث سجلت 163.5 مليار ريال في عام 2015، وخمسة أضعاف عام 2030 بنحو 518 مليار ريال، وتستهدف إيرادات غير نفطية بنحو تريليون ريال مرتفعة من 163.5 مليار ريال عام 2015، كما تستهدف الدولة رفع الأصول غير النفطية ب67 في المائة من 3 تريليونات ريال إلى 5 تريليونات، لتحقيق التوازن المالي.

برنامج التحول الوطني يدرك ضرورة ربط خطة التحول بالعمل على محورين متوازنين من خلال زيادة الاستثمارات والتي تتطلب إلى إحداث ثورة جذرية في البيئة التشريعية والتنظيمية والإجرائية للاستثمار في السعودية، وهي تتضمن خطط تفصيلية وحوكمة لتنفيذ برنامج التحول على 5 مراحل، والتي تتطلب درجة أعلى من الشفافية باعتبار أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لهزيمة البيروقراطية العتيدة في الجهات الحكومية في السعودية التي أضاعت عديدا من الفرص الاستثمارية في المجتمع جراء تعقيداتها ورتابتها الإدارية وضعف الأداء والتي ثبتت نجاعتها في الدول المتقدمة من خلال دعم أكبر للقطاع الخاص الذي يفتح آفاقا جديدة للعمل وفق رؤية التحول الوطني من أجل رفع مساهمته في الناتج المحلي من 40 في المائة إلى 65 في المائة.

خصوصا وأن هناك مشاريع تنافسية على مستوى العالم مثل المركز التعديني العالمي الذي يدعم تحقيق الحلم الصناعي السعودي، حيث تهدف معادن للألمنيوم أن يكون منتجها الأقل تكلفة عالميا، ومع خطة التحول الوطني التي تهدف إلى فع حجم صناعة الدواء من 20 في المائة إلى 40 في المائة من حجم السوق المحلي لصناعة الدواء، أي أن ثورة صناعية كبرى تنتظر المنتجات الدوائية السعودية على خلفية مبادرة برنامج التحول الوطني المتضمنة.

 كما أن تجهيز البنية التحتية ركيزة لاستقبال 15 مليون معتمر مع نهاية 2020، وهناك 3 جهات لتحويل التحلية إلى قابضة تضم 8 شركات، ما يعني أن هناك فرص استثمارية كبيرة بالشراكة مع القطاع الخاص كي يجعله قادر على توليد الوظائف بدلا من الاستمرار في اقتصار القطاع العالم على توليد الوظائف، وسيتم تحجيم الخدمة المدنية لصالح التأمينات الاجتماعية ما عدى رفع نسبة عمل المرأة في الخدمة المدنية من 39 في المائة إلى 42 في المائة خطوة مهمة رغم ضعف النسبة، مما يخلق سوق حقيقي لتوطين العمالة، بل سينافس القطاع العام، وسيكون أكثر مرونة وأكثر استقرارا لأنه سيغير سلم الرواتب بشكل تنافسي بين القطاعين العام والخاص والذي سيتجه إلى جذب الكفاءات والخبرات بل والقياديين من القطاع الحكومي.

وستلغي وزارة العمل استراتيجات الإحلال التي اتبعتها في الفترة الماضية بسبب ارتفاع نسبة البطالة واستحواذ العمالة الوافدة على القطاع الخاص بنسبة 90 في المائة بعدد رسمي يقارب 9 ملايين، ما يعد خلل في توظيف العمالة السعودية، فحرصت وزارة العمل على سعودة كثير من القطاعات من خلال البرامج المتعددة، رغم ذلك يوجد ملونا عاطل سعودي عن العمل منهم 600 ألف رجل والعدد المتبقي من النساء، بجانب أن أقل من 15 سنة يمثلون أكثر من 45 في المائة من السكان وهي شريحة بحاجة إلى أخذها في الاعتبار عند رسم الخطط، ما يوجب إيجاد حلول منها تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومعالجة جميع المعوقات التي تواجه هذه المشاريع أهمها التمويل والحد من التستر التجاري.

ما يعني أن برنامج التحول الاقتصادي أعاد هيكلة العديد من القطاعات التي فشلت كافة الجهود في الفترة الماضية في معالجة العديد من المشكلات، لأن برنامج التحول الوطني يتجه نحو إصلاح الخلل الهيكلي في كافة القطاعات الاقتصادية لتقوم بدورها بكفاءة عالية.

هناك محللون مستقلون من خارج السعودية يتابعون تلك التطورات يتوقعون طفرة استثمارية في السعودية ومزيدا من الاندماج في الاقتصاد العالمي، ما يعني أن برنامج التحول الوطني، يعد نقطة تحول لتنمية اقتصادية شاملة في السعودية، ومن الطبيعي أن تكون هناك تحديات باعتبار أن برنامج التحول الوطني ثورة انقلابية على كثير من المفاهيم وثورة على الفساد المقصود وغير المقصود الذي استشرى في القطاعات الحكومية والمجتمعية، نتيجة إرادة سياسية ووطنية لن تستطيع مثل تلك الفئات التي اعتادت على الثراء على حساب المجتمع من الوقوف أمام تلك الثورة، قد يضعون عدد من العراقيل ويحاولون التحايل على كثير من القرارات، لكن الإصرار على تطبيق برنامج التحول الوطني لن يعطيهم أي فرصة لأنه سيفرض واقعا جديدا.

اتخذت المملكة العربية السعودية مسارين للتحديث والتطوير حيث جعلت التنويع الاقتصادي والتوطين الصناعي جوهر رؤية 2030، والمسار الثاني جعلت الاستثمار في التقنية والمعرفة باعتباره الاستثمار الواعد لأي اقتصاد في العالم وأحد أسباب النمو السريع.

السعودية تتجه نحو اقتصاد جديد متنوع الطاقة أحد روافده الأساسية، حيث بدأت ترتفع مساهمة الإيرادات غير النفطية من 169.5 مليار ريال عام 2015 إلى توقع أن تبلغ 180 مليار ريال عام 2016 التي تتماشى مع رؤية 2030 حيث تستهدف رفعها إلى تريليون ريال في 2030، وإلى 530 مليار ريال بحلول 2020.

وحسب وكالة بلومبرج فقد توقعت بناء على هذا التحول خفض السعودية إنفاقها الرأسمالي بنسبة 71 في المائة خلال العام الجاري 2016، حيث قدرت الوكالة هذا الانخفاض اعتمادا على أن الإنفاق الرأسمالي سيبلغ 75.8 مليار ريال خلال عام 2016، مقارنة ب263.7 مليار ريال في 2015، بينما الذي وضعته الدولة في الميزانية بقيمة 183 مليار ريال بهدف مرونة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي على المشاريع القائمة والجديدة في ظل تراجع أسعار النفط.

وسيستمر الناتج المحلي بالأسعار الجارية عند 2.42 تريليون ريال في 2016 وهي نفس مستويات عام 2015، لكن بانخفاض العجز إلى الناتج المحلي من 15 في المائة عام 2015 إلى 13.5 في المائة في 2016، حيث بلغ العجز 362.2 مليار ريال في عام 2015، فيما متوقع بلوغه 326.2 مليار ريال في 2016.

تضمنت الرؤية الوطنية الطموحة، تمكين الشركات الناشئة التي ترتكز أعمالها على مجال التقنيات، على أن يؤازر كل ذلك تحالفات استراتيجية عالمية، وأرامكو بوصفها أقدم وأكبر شركة سعودية عالمية قادت رؤية تعزيز برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد ( اكتفاء ) وهو برنامج بعيد المدى يهدف إلى تشجيع الاستثمارات والتنمية المضيفة للقيمة في الاقتصاد المحلي.

هذا البرنامج يمثل المنصة المثالية لتكريس شراكة والتزام شبكة الموردين العالميين العائدة للشركة لتنمية المملكة على المدى البعيد، ومن المفترض أن تطبقه جميع الشركات الكبرى في المملكة إلى الاقتداء بهذه المبادرة الناجحة والاسترشاد بها.

يهدف برنامج ( اكتفاء) مضاعفة نسبة المحتوى المحلي في سلسلة التوريد من المواد والخدمات المستخدمة في قطاع الطاقة لتصل إلى 70 في المائة بحلول عام 2021 من شأنه أن يعزز التوطين ويوجد عديدا من الفرص الوظيفية النوعية للسعوديين.

مثال على تحقيق هذا البرنامج ( اكتفاء ) افتتاح أرامكو توسعة مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتقنية ( جيمتيك ) الذي يضم مرفقا لتصنيع التوربينات الغازية فائقة الأداء، في المنطقة الصناعية الثانية في الدمام، وهي شركة رائدة في تزويد مختلف القطاعات بالمعدات النوعية، مثل قطاع الصحة والطيران وغيرها من القطاعات، وهي تمثل حافزا فعالا لدفع عجلة الاستثمارات من خلال الشبكة العالمية الضخمة التي تمتلكها المملكة في قطاع السلع والخدمات المحلية، علاوة على أنه سيسهم في تحقيق فرص العمل التي تتطلب مهارات عالية للكوادر الوطنية.

تجربة جنرال إلكتريك، ستتاح لجميع الموردين الفرصة للانخراط في رؤية المملكة 2030 ونجاح برنامج ( اكتفاء)، تمكن القطاع الخاص من القيام بالتنفيذ والإنجاز، من خلال بناء صناعات منافسة عالميا، وبوسع الدولة والشركات الحكومية أن تكون شريكا مع القطاع الخاص في المشاريع التي تنطوي على مخاطر عالية.

تتجه الدولة نحو دعم المحفزات الاستراتيجية لخطة التصنيع، خصوصا فيما يتعلق بالصناعات الغنية بالوظائف، والشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي مكملة للصناعات ذات رأس المال المكثف، وعلى المدى البعيد فإن أكثر الصناعات ربحية ستكون في الصناعات التي تتضمن محتوى معرفيا عالميا، مثل البرمجيات وتقنية المعلومات والاتصالات.

المسار الآخر الذي اتجهت إليه الدولة في التركيز على الاستثمارات ذات العوائد المالية المهمة محليا وعالميا على المدى البعيد من أجل دعم المسار الأول وهو تنويع الاقتصاد السعودي والتوطين الصناعي من خلال توطين وجلب ونقل التقنية، لذلك اتجهت الدولة إلى تأسيس صندوق الاستثمارات ليسهم في دعم الابتكار وتنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات استقرت أصوله عند 160 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2016 مرتفعة من 5.3 مليار دولار.

وهو صندوق تأسس عام 1971 بهدف تمويل المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية لاقتصاد المملكة وإدارة مساهمات الدولة في الشركات، لكن تم نقل الإشراف عليه من وزارة المالية في مارس 2015 إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وأعيد بناء استراتيجية الصندوق بما تتوافق مع رؤية المملكة 2030.

اتجه الصندوق إلى تأسيس ( صندوق رؤية سوفت بنك ) للاستثمار في القطاع التقني، حيث أن الاستثمار في التقنية والمعرفة هو الاستثمار الواعد لأي اقتصاد في العالم وأحد أسباب النمو السريع، ويعد الصندوق خطوة مهمة ستكون إحدى ركائز تنويع مصادر الدخل في المملكة، كما سيرسم الملامح والخريطة التقنية التي تستهدف المملكة تحقيقها.

الاستثمار في التقنية لها دور في توفير التكاليف ورفع كفاءة الإنفاق التي تقود إلى توطين الصناعة المنافسة عالميا، بل يلعب هذا الاستثمار أيضا دورا في تحسين وكفاءة وفعالية كافة القطاعات من خلال تكنولوجيا والمعلومات والتحول الرقمي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للجهات المشاركة في برنامج التحول الوطني.

الشراكة في صندوق ( رؤية سوفت بنك ) خطوة كبيرة على الطريق بل تمثل شراكة الثقة في المستقبل بتمويل سعودي وتكنولوجيا يابانية في لندن عاصمة المال والأعمال العالمية، 100 مليار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي ومجموعة سوفت بنك وشركاء آخرين سيتم ضخها على مدار خمس سنوات في صندوق استثماري تقني، رقم كفيل بتغيير أوضاع قطاع التكنولوجيا حول العالم، القطاع السريع التغير بطبعه.

هذا الاستثمار وهذه الشراكة هي تأكيد على رغبة التنويع التي تنتهجها حكومة المملكة وفقا لرؤية 2030 وهي تضحد كل الشكوك التي نالت من هذه الرؤية، التي كانت تعتبر نظرة قصيرة غير مدركة للتحول الذي تعيشه المملكة والتحديات التي تواجها في عالم مضطرب تزداد فيه المخاطر الجيوسياسية، وتتأرجح معدلات النمو على الاستثمارات.

السعودية مقبلة على تقدم صناعي ولديها طموح مشروع في ريادة العالم يخدمها موقعها الاستراتيجي واستغلالها للتقدم الصناعي الذي حققته في قطاع البتروكيماويات وهي تمتلك كل مقومات التنافسية في هذا القطاع خصوصا وهي مزمعة على تحويله من صناعات أساسية إلى صناعات وسيطة ونهائية، وتوقيع مثل تلك الاتفاقيات يحررها من سلاح الإغراق الذي تتبعه الدول لحماية منتجاتها الصناعية وهو سلاح ذو حدين تستخدمه الدول الكبرى.

 السعودية تستلهم التجربة الألمانية في الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة، وشركة أرامكو بصدد إنشاء مدينة الطاقة الصناعية، حيث يبلغ حاليا مبيعات الصناعة في السعودية 627 مليار ريال لأكثر من 1800 مصنعا وباستثمارات تبلغ أكثر من تريليون ريال لعام 2015.

انخفاض أسعار النفط حسب تقديرات بعض المؤسسات الدولية المعنية يمكن أن يتحول إلى فرصة حقيقية للإسراع في الانتقال من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد القائم على التصنيع مستخدمة عناصر القوة الأخرى التي تمتلكها من موقع جغرافي متوسط وإمكانات الانتقال للطاقة البديلة وتنوع سوق العمل.

العشر السنوات الماضية كانت زاخرة بالأحداث الكبيرة التي كانت لها آثار مركبة ومتداخلة على اقتصاد السعودية والمنطقة بشكل عام، ومن تلك الأحداث الطفرة النفطية التي جاءت على مرحلتين ابتدأت المرحلة الأولى منهما بشكل متصاعد ووصلت ذروتها في عام 2008، وشهد قطاع الصناعة ازدهارا لافتا للنظر خلال العقد الماضي خاصة في السعودية ودولة الإمارات، وباتت تشكل دول المجلس رقما مهما في عالم التجارة والاستثمار، خاصة في محيطها العربي ولا سيما أنها تشكل نقطة ربط بين الدول العربية ودول جنوب شرق آسيا.

تمتلك السعودية البيئة الاقتصادية الملائمة ومستعدة لاستقطاب الاستثمارات حيث استقطبت دول المجلس بعد عام 2008 نحو 285.2 مليار دولار في عام 2009، ما جعل القطاع الصناعي الخليجي يستحوذ على استثمارات تقدر بنحو 53 مليار دولار تقدر بنسبة 14 في المائة من إجمالي الاستثمارات في القطاع الصناعي الخليجي، فيما تبلغ إجمالي أصول أجنبية مستثمرة في الاقتصاد السعودي بنهاية الربع من عام 2016 تقدر بنحو 277.3 مليار دولار، وبلغت الاستثمارات الصناعية في السعودية 266 مليار دولار، وتخطت مبيعات المصانع 167 مليار دولار ل1800 مصنع، فيما تضاعفت صادرات السعودية غير النفطية 4 مرات منذ 2002 إلى 58.13 مليار دولار عام 2014، وبحسب تقارير هيئة المدن السعودية فإن عائدات الصناعات التحويلية غير البترولية في الدخل القومي ارتفعت عام 2014 بنحو 50 في المائة إلى 40 مليار دولار.

هناك مخاطر تواجه أساسيات سوق النفط وتؤثر في الإنتاج ولم يعد الاستثمار في الأساسيات مجديا، ولكن هل خطة إنتاج قطاع البتروكيماويات السعودي التي سيصل إلى 126 مليون طن بحلول 2020 مجديا اقتصاديا في ظل تلك المتغيرات، فإذا كان هذا التوسع من أجل دعم الصناعات المحلية، فهو توجه استراتيجي واقعي، خصوصا عندما يتزامن مع الاستحواذ على الشركات التقنية التي هي أحد الحلول المناسبة لمواجهة مشكلة توافر التقنيات المطلوبة للقطاع من أجل تنويع المنتجات البتروكيماوية من اجل المحافظة على قوة أداء سوق البتروكيماويات بعد انخفاض أرباحها أكثر من 30 في المائة، بينما كان انخفاض الأسعار أكثر من 60 في المائة لأسعار البترول الخام، فهو كسب غير متوقع بالنسبة للشركات البتروكيماوية الأوربية حيث قدم هدية لا تأتي إلا مرة كل جيل لقطاع كان يعاني من المتاعب.

وذكرت الإحصاءات الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن حجم الصادرات السلعية من جميع دول مجلس التعاون عام 2015 تراجعت بنسبة 35.6 في المائة إلى 554.1 مليار دولار مقارنة بعام 2014 البالغ 860.2 مليار دولار نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط، فيما تراجعت صادرات دول المجلس السلعية غير النفطية خلال عام 2015 بنسبة 5.2 في المائة إلى 195.8 مليار دولار مقارنة ب206.6 مليار دولار عام 2014.

والمطلوب ليس فقط النمو والإنتاج في الاقتصاد، بل أهم من ذلك زيادة التنويع في الإنتاج، واكتساب الخبرات في مجالات وصناعات أكثر تطورا وتعقيدا، خصوصا وأن الإنفاق الحكومي سجل ارتفاعا من 70 مليار دولار في عام 2005 إلى 193 مليار دولار في عام 2015، وهو مؤشر جعل السعودية تحتل المركز الرابع عالميا من حيث قوة الاقتصاد الكلي وفقا لتقرير التنافسية الدولي ( 2015- 2016).

التوجه نحو رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي من أجل سد الفجوة التنموية، فالانخفاضات في أسعار النفط شكلت فرصة سانحة لإعادة هيكلة اقتصاداتها على المدى الطويل، بحيث يتوقف الهدر في الاستخدام المفرط لمصادر الطاقة والاستمرار في الاعتماد على موارد النفط لتغطية النفقات الاستهلاكية دون التركيز على الاستثمار نحو تحقيق تنمية مستدامة في تطوير القطاعات الإنتاجية.

السعودية تقارن بالدول العشرين وفقا لإمكاناتها ولا تقارن بالدول العربية والخليجية، ولا يمكن أن يستمر ضعف مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي عند نسبة 11 في المائة أو أكثر قليلا، وتتجه الدولة لرفع مساهمة القطاع الصناعي نحو الاعتماد على الشركات الريادية مثل أرامكو وسابك، والتركيز على خمسة قطاعات مهمة، تشمل صناعة السيارات والبتروكيماويات والصناعة الملحقة بها، وقطاع المعادن والطاقة، وتحلية المياه، بسبب أنها تخدم قطاعات عدة، سواء عسكرية أو غير عسكرية، وتشمل الصناعات قطاعات استراتيجية للاقتصاد الوطني من بينها القطاع الملاحي، وقطاع معدات الطاقة والمياه والكهرباء، وقطاع معدات صناعة النفط والغاز.

يجب أن تستعد الصناعات السعودية لمنافسة نظيرتها في الدول الكبرى، خصوصا وأن أكبر تحد لها في كيفية سد حاجة السوق السعودي والتي تستورد 90 في المائة من المنتجات من الخارج، بإدخال المزايا النسبية لتنويع الاقتصاد من خلال الصناعة والمعرفة وتعزيز الاقتصاد المعرفي والذكي لا التقليدي، حيث منحت وزارة التجارة مصانع ذات القيمة المضافة إعفاءات جمركية، واتجهت أيضا إلى توطين الصناعات التحويلية المرتبطة بقطع الغيار، وتوطين صناعات السكك الحديدية والمترو.

هناك عدد من الفرص الجاهزة يمكن أن تشغلها مصانع وطنية بالتعاون مع عدد من الجهات خصوصا مع شركة الكهرباء التي وصل حجم صرفها 356 مليار ريال سنويا منها 168 مليارا يتم تأمين موادها وخدماتها من مصانع محلية، فيما يتم صرف 187 مليار ريال لمصانع خارجية لا يوجد لها مثيل لمنتجاتها في السعودية حتى الآن وهي تتمثل في 25 فرصة صناعية.

كما تعاقدت وزارة الدفاع السعودية مع 250 مصنعا محليا لكسر الاحتكار من الشركات العالمية للاستغناء عن 70 في المائة من استيراد قطع الغيار العسكرية المستوردة من الخارج من خلال تقديم 20 ألف فرصة لتصنيع المواد والقطع التي تحتاج إليها أفرع القوات المسلحة والخدمات الطبية الذي يعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط وهي تحقق علاقة استراتيجية مع القطاع الخاص لتوطين صناعة المواد وقطع الغيار ودعم الصناعة الوطنية من خلال 46 مجموعة تصنيعية من خلال إبرام 550 عقدا عسكريا والتعاقد مع 300 مصنع، حيث بلغ عدد القطع المصنعة محليا نحو 7025000 منها 48 ألف قطعة غيار عسكري عرضت في معرض القوات المسلحة ( أفيد ) في شهر فبراير 2016.

 السعودية ستتجه نحو طفرة عقارية كبرى وهو بحاجة إلى منتجات مثل الكابلات وأدوات الكهرباء والدهانات بجميع أنواعها والأبواب والنوافذ والستائر ما يبشر بمستقبل كبير للطلب على المنتج المحلي، وهو ما يوسع من القاعدة الإنتاجية حيث لا يزال هناك نحو  6902 مصنع عامل في السعودية.

أي لابد أن تتجه نحو التنمية المستدامة، وتعتبر الصناعات البلاستيكية من الصناعات التي لم تأخذ دورها الطبيعي في الدخل القومي، فهي بحاجة إلى الدعم والاستفادة من الميزة النسبية التي تتمتع بها الصناعات الأساسية، بدلا من الاستمرار في تصديرها كمادة خام بأسعار قليلة لتعود كمنتج نهائي بأسعار مرتفعة مثل البروبلين الذي يصدر ب1500 دولار للطن ويعود كمنتج نهائي بأكثر من عشرة آلاف دولار على هيئة أطباق وغيرها بالإضافة إلى أن الصناعات التحويلية لتلك المادة تستوعب ستة أضعاف عدد العمالة في الصناعات الأساسية ما يجعلها تساهم بشكل مباشر في القضاء على البطالة، وتأسيس مرحلة جديدة من توطين العمالة وفق أساسيات السوق بدلا من استراتيجة السعودية التي لم تحقق إلا سعودة وهمية، وليس توطين وظائف، وهناك فرق كبير بين الاستراتيجتين.

مما يتطلب على سابك إعادة هيكلة عملياتها العالمية لتعزيز خدماتها في سياق تنفذ استراتيجية الشركة لعام 2025 وتشمل تلك التحديات التغيرات في مشهد السوق، فضلا عن حاجة الشركة إلى تعزيز جانبي التقنية والابتكار، لذلك هي أعلنت عن إعادة توزيع أعمال وحدة الكيماويات المتخصصة بين وحدات أخرى، فقد استحدثت وحدة جديدة تحت مسمى المتخصصة التي ستعنى بجزء من أعمال الكيماويات المتخصصة، وبما تبقى من حلول البلاستيكيات المبتكرة، وذلك بعد أن تمت إعادة توزيع أعمال وحدة العمل الاستراتيجية للبلاستيكيات المبتكرة بين الكيماويات والبوليمرات، وستسهم إعادة الهيكلة الجديدة في زيادة تركيز الموارد بشكل مكثف على الاحتياجات المطلوبة في كل مسار من اجل الانتقال إلى مستوى أعلى في إدارة منتجاتها المختلفة.

حيث تركز الشركة على عقد الشراكات والاستحواذ على التقنيات التي من شأنها أن تثري منتجات الشركة الحالية وتخدم خطط التطوير المستقبلية من أجل تحقيق قيمة مضافة، وتعزيز القدرة التنافسية من حيث التكلفة والجودة.

وفي ظل ارتفاع الطلب العالمي ووفرة احتياطيات الغاز الطبيعي الذي يبلغ 41.8 مليار متر مكعب في دول الخليج بنسبة 20.8 في المائة من الاحتياطيات العالمية، فإن قطاع الأسمدة يتجه نحو ثورة صناعية، حيث أن الأسمدة الكيماوية العصب الرئيسي للنباتات، المتمثلة في الأمونيا واليوريا لأنها توفر التغذية المتوازنة لها وتعمل على إمدادها بالعناصر الغذائية اللازمة، حيث تنتج دول الخليج نحو 11.3 مليون طن عام 2014، تنتج السعودية نحو 37.2 في المائة من إنتاج دول الخليج، وغيرت اسم الأسمدة إلى المغذيات الزراعية وفق منهجيتها الاستراتيجية الجديدة، حيث قدمت سابك سماد نخيل التمر المركب الذي يعتبر أحد المغذيات الجديدة، وهذا المنتج الجديد هو نتيجة ثمرة جهود البحوث والتطوير.

وسابك تكشف عن مشروع تحويل النفط إلى كيماويات الذي يمول الصناعات التحويلية من أجل تحقيق هدف التنمية المستدامة، بل رفعت سابك كفاءة التشغيل وعززت من وجودها في أفريقيا وفي أسيا خصوصا بعد افتتاحها مصنع في أولسان في كوريا لإنتاج مواد البولي إيثلين منخفض الكثافة لتلبية الاحتياجات المتنامية في قطاعات صناعية متنوعة مثل التغليف المتقدم، وصناعة السيارات، والرعاية الصحية، وصناعة الأحذية، وصناعة الكهربائيات والإضاءة، بجانب افتتاح بالشراكة مع و إس كي جلوبال كيميكال مركزا متقدما للأبحاث والتطوير في مدينة دايجون ويشرف على عدد من البحوث في الجامعات.

وستتحول شركة أرامكو من شركة نفطية إلى شركة طاقة صناعية والاتجاه نحو تأسيس تكتل صناعي متكامل، وسبق أن دشنت شركة أرامكو مشروع صدارة العملاق للبتروكيماويات يتكون من 26 مصنعا دفعة واحدة في الجبيل يعتمد على النافتا كلقيم أساسي لتغيير مشهد صناعة البتروكيماويات على مستوى العالم، والذي يوفر 20 ألف فرصة عمل على المدى الطويل في السعودية وتوسيع القاعدة الصناعية.

كما ستتجه أرامكو إلى تكرير 9 ملايين برميل نفط يوميا عبر مصافيها في الداخل والخارج ارتفاعا من 5.4 مليون برميل قدرة التكرير الحالية يوميا بسبب أن التكرير ليس من الصناعات الاستراتيجية للدول المنتجة للنفط في العالم، وذلك بسبب ثلاثة تحديات كبرى تواجه هذه الصناعة وهي نقص الربحية، قدرة المصافي التحويلية التي تتطلب تطويرا وتغييرا مستمرا من خلال البحث والتطوير، وتزايد صرامة التشريعات والمواصفات التي تحكم صناعة التكرير، ما يتطلب إلى إيجاد توازن بين الخام والمكرر، حيث يشير تقرير لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أن الطلب العالمي على الخام المكرر قارب 82 مليون برميل يوميا في عام 2014، ومن المتوقع زيادته إلى 96 مليون برميل يوميا حتى عام 2040، حيث أن بناء المصافي يحتاج إلى استثمارات كبيرة جدا، لكنه علاجا لتعويض فارق هبوط أسعار النفط الخام قد يكون حلا جيدا لتنويع مصادر الدخل بدلا من تصدير النفط خاما، بجانب أن أرامكو أطلقت مركزا جديدا للأبحاث وتطوير أعمال الطاقة في ديترويت حيث يشكل المركز خطوة مهمة لابتكار تقنيات خفض الانبعاثات واستدامة البترول كوقود أمثل لوسائل النقل.

/انتهى/

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق