مغزى صفقة السلاح الإيراني للعراق

وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1747 والصادر في 24 آذار/مارس 2007 يحظر على إيران بيع أو توريد العتاد والأسلحة. بيد أن “وكالة رويترز للأنباء” أفادت يوم الأربعاء الموافق 26 شباط/فبراير 2014 بأنها أطلعت على وثائق تثبت أن إيران أبرمت عقداً لبيع أسلحة وذخائر بقيمة 195 مليون دولار إلى العراق، وذلك بعد أيام من زيارة رئيس حكومة الإحتلال الخامسة نوري المالكي إلى واشنطن في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013. وهذا يُعدّ إنتهاكاً صارخاً للحظر الدولي المفروض على إيران.

وفي هذا الصدد صرحت الناطقة بأسم وزارة الخارجية الأمريكية جين بساكي قائلةً: “تابعنا التقارير عن هذه الصفقة، وفي حال تأكدنا من وجودها سيثير ذلك الكثير من القلق، لأن عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى دولة أخرى تمثل خرقاً لقرار مجلس الأمن”. وأضافت: “وقد طلبنا توضيحات لهذه القضية من الحكومة العراقية ونسعى إلى أن يفهم الجانب العراقي القيود التي يفرضها القانون الدولي على تصدير الأسلحة الإيرانية”.

ولقد دعا عضو “مجلس الشيوخ الأمريكي” السيناتور (الشيخ) جون ماكين الحكومة الأمريكية إلى إلغاء تزويد واشنطن لبغداد بأربعة وعشرين طائرة “أباتشي” في حال جرى التأكد من إبرام الصفقة.

ومن جهة حكومة المالكي، أشار مصدر في زارة الخارجية العراقية بأن الرد سيكون عبر القنوات الدبلوماسية. أما وزارة الدفاع فقد نفت هكذا صفقة، وجاء في بيانها: “بناءاً على حاجة القوات المسلحة العراقية لبعض الأسلحة الخفيفة ومعدات الرؤيا الليلية لسد نقص بعض الوحدات، جرى أستدراج عروض شركات دولية عديدة، منها (بلغاريا والتشيك وبولونيا وصربيا والصين وأوكرانيا وباكستان) وغيرها من شركات تلك الدول، وقدمت تلك الشركات عروضها التسعيرية وجداول التجهيز”. وأضاف البيان أن “هيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية قدمت عروضها. إلا أن المفاضلة كانت لصالح شركات أخرى، ولم يجر توقيع أي عقد مع الشركة الإيرانية”. وأوضح البيان إلى أن “هناك من أستغل هذا الموضوع سياسياً وإعلامياً”.

الواقع منذ فضيحة “الرشوة” في شراء الأسلحة الروسية العام الماضي، فإن بعض ملفات الأسلحة إنتقلت من وزراة الدفاع إلى وزارة الأمن القومي، وكذلك إلى مستشارية الأمن الوطني التي يشرف عليها فالح الفياض أحد أعضاء الدائرة الضيقة لنوري المالكي. علاوة على أن صفقة السلاح الإيراني للعراق لم تبرم مع وزارة الدفاع، بل مع مستشارية الأمن الوطني.

ورغم أن القيادي في “إئتلاف دولة القانون” إحسان العوادي، وهو أحد المقربين من المالكي، يدنو بموقفه من بيان وزارة الدفاع، حيث يقول: إن “هذه الأنباء دعاية مقصودة تحتاج إلى أدلة لإثبات صحتها”. وأن “إيران ليست مصنّعة للسلاح، وهي تصنع ما يكفي حاجتها، وكل أسواق الأسلحة العالمية مفتوحة أمام العراق”. ويوافقه الرأي نائب آخر من كتلته وهو عباس البياتي. إلا أن تصريح قيادي آخر في “إئتلاف دولة القانون” ومقرب من المالكي أيضاً، وهو رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حسن السنيد يؤكد في تصريحات على “عدم وجود مانع من عقد صفقة تسليح مع إيران، على رغم الحظر”. وقال: “من حق العراق عقد صفقات التسليح مع أي دولة، وإيران دولة جارة وصديقة كباقي الدول”. وأشار إلى أن العلاقات العراقية الأمريكية “تحكمها الإتفاقية الأستراتيجية ولمدة طويلة وهي أقوى من أن تتأثر بهكذا صفقات بسيطة”.

وعلى هذا المنوال صرح الناطق بأسم الحكومة العراقية علي الموسوي قائلاً: “نحن نشن حرباً على الإرهاب ونريد أن نحقق النصر في هذه الحرب. لا شيء يمنعنا من شراء السلاح والذخيرة من أي طرف. فضلاً عن أنها مجرد ذخيرة تساعدنا في حربنا على الإرهاب”. أما النائب عن “إئتلاف دولة القانون” خالد الأسدي فقد أكد أن الحكومة العراقية تعاقدت مع الحكومة الإيرانية لشراء أسلحة.

وأثناء زيارته إلى إيران، نفى وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إبرام مثل هذه الصفقة. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عقده بطهران في 26-2-2014، قال زيباري: “ليس هنالك إتفاق لشراء السلاح من إيران”. وحول مطالبة الإدارة الأمريكية لحكومة العراق بتقديم توضيحات بشأن صحة المعلومات التي أشارت إلى وجود مثل هذه الصفقة، بيّن زيباري: أن “العراق بلد حر وسيد نفسه”. وأن “وزارة الخارجية العراقية أكدت للجانب الأمريكي عدم صحة هذه الأنباء”. ومن بغداد نفى بدوره السفير الإيراني لدى العراق حسن دنائي فر عن إبرام مثل هذا الإتفاق.

أما عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان النائب الكردي شوان محمد طه فقال: إن لجنته لا تعلم تفاصيل صفقة الأسلحة المبرمة بين الحكومة العراقية ونظيرتها الإيرانية. وأشار إلى أن “الحكومة تتكتم على تفاصيل عقود التسليح التي تبرمها”. وأن “صفقة الأسلحة الإيرانية مع العراق تكشف تخبط الحكومة في سياسة التسلح. وهناك توجه مثير للخوف لشراء الأسلحة بكميات أكبر من الحاجة ومن مصادر مختلفة، ولو كانت على حساب النوعية والكفاءة”. كما وأبدى أستغرابه من “شراء أسلحة إيرانية في وقت هناك عقود تسلح بمليارات الدولارات مع الولابات المتحدة وروسيا والتشيك، التي تعتبر من الدول المتطورة في صناعة الأسلحة”. وقال أيضاً: إن “الطريقة التي جرى التعامل بها مع صفقة الأسلحة كانت ربما أكثر سوءا من الصفقة ذاتها؛ لأن جماعة دولة القانون تولوا هم وحدهم التأكيد من جهة والنفي من جهة أخرى أو ترك الأمور على عواهنها، لا نفيا ولا تأكيدا، وهي أمور من شأنها أن تربك الأوضاع في البلاد”.

وكذلك أنتقد النائب عن الكتلة الكردستانية حميد بافي قيام الحكومة بعقد صفقة تسليح مع الجانب الإيراني دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، متهماً أمريكا وروسيا والصين وإيران في السعي “منهم لتفريغ مخازنهم من أسلحتهم القديمة والأستحواذ على أموال الشعب العراق مقابل هذا السلاح وتصريفه في العراق أو عن طريق العراق إلى مناطق أخرى أو أية دولة أخرى”.

هذا وطالبت قائمة “متحدون” بزعامة رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، بأجراء تحقيق مشترك لبيان حقيقة إبرام بغداد وطهران صفقة لشراء السلاح الإيراني. كما وطالب عضو القائمة العراقية النائب حيدر الملا في مؤتمر صحفي عقد في مبنى البرلمان في 26-2-2014 قال فيه: “نحن حريصون على تجهيز الجيش العراقي بأفضل أنواع الأسلحة في العالم، ليكون قادراً على مواجهة الإرهاب والميليشيات، ولكن نريد توضيحاً من رئيس الوزراء بشأن عقد صفقة سلاح مع الجانب الإيراني، والأسباب الموجبة لها، إن وجدت”.

أما “حركة الوفاق الوطني” التي يرأسها أياد علاوي، فقال القيادي فيها النائب فلاح النقيب: “إن العقوبات الدولية تمنع إيران من بيع الأسلحة، وإن أي تعاقدات معها خارج توصيات الأمم المتحدة تعد إخلالاً بقرارات المنظمة الأممية”.

من خلال ما قرأناه آنفاً، وبغض النظر عن المقاربة والمخالفة بين هذا التصريح أو ذاك. وبالأخص ما يتعلق بنواب “إئتلاف دولة القانون” التي يتزعمها نوري المالكي، حيث تناقضوا في تصريحاتهم بشكل مقرف. إذ يقف إحسان العوداي وعباس البياتي في طرف، وحسن السنيد وعلى الموسوي وخالد الأسدي في طرف نقيض. سيما وأن عباس البياتي وحسن السنيد كلاهما في اللجنة الأمنية البرلمانية. وهذا بحد ذاته يفسر مدى إضطراب وركاكة موقف هذه الكتلة التي تحكم العراق منذ ثمان سنوات.

على أي حال، نقول بشكل مباشر أن نوري المالكي لا يجروء على عقد هكذا صفقة سلاح مع الجانب الإيراني دون دراية الإدارة الأمريكية. كما وأن حكومة الملالي ليست بحاجة إلى 195 مليون دولار لببيع سلاح تخالف به قراراً أممياً. فإيران التي تستورد النفط العراقي بسعر خاص ما بين 70 إلى 75 دولاراً للبرميل الواحد، ثم تُعيد تكراره بمصفى عبادان وتصدر مشتقاته إلى العراق بسعر ما بين 150 إلى 200 دولاراً للبرميل الواحد، يغني إيران عن التورط في هكذا مشكلة. ناهيك بالكلام عن حقول النفط العراقية على الحدود مع إيران، حيث أستولت عليها الأخير بقوة السلاح، ومنها آبار حقول فكة في 2009. فأين هي صلاحية الإتفاقية الأمنية الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق في 2008؟

هذا في الجانب النفطي، أما عن الجوانب التجارية والأقتصادية وغيرها، فإيران لها يد الطولى على العراق. ومن الوضع الرسمي إلى غير الرسمي، ومنها تهريب السلاح الإيراني إلى مجاميعها الطائفية الدموية؛ وخصوصاً عبر الحدود مع محافظة ميسان جنوب العراق. وبالتالي لا تحتاج حكومة الملالي الصفوية لإفتعال مواجهة لا ضرورة واجبة لها.

إلا أن هذا لا يمنع من أستنباط المغزى من عقد صفقة السلاح الإيراني للعراق، سواء تمت بالخفاء فعلاً، أو أنها مجرد زوبعة فنجانية مقصودة. إذ وفقاً لسياسات إيران الخارجية، فهي لا تكف عن مشاغلة المحيط الإقليمي والدولي عندما تروم إلى توصيل رسالة عن أهمية دورها بالمنطقة، ومدى قوة أذرعها في بعض البلدان العربية. ويبدو مع إقتراب الإنتخابات العامة في العراق من جهة. ومن جهة اخرى، الخسائر الفادحة التي تتكبدها قوات المالكي الطائفية منذ شهرين في حربها على المحافظات الثائرة، لا سيما محافظة الأنبار.

وبذا فإن إيران تبحث عن مخرج أو مخارج تنقذ فيه صنيعتها المالكي. وربما الإيحاء على أن المالكي يحتاج إلى السلاح في محاربة الإرهاب، يعني الإشارة إلى ضرورة أستمراره في السلطة لدورة ثالثة لكي يتمكن من إنهاء هذه الحرب التي تخدم الغرب ومصالحه. كما ويعني أيضاً أن المقصود بالإرهاب هم “أهل السُّنة” تحديداً. وهذا الإتهام بالذات يروق بصورة أو أخرى إلى الجانب الأمريكي بغية أخذ ثأره. حيث أن أولى هزائمه الميدانية على أرض الرافدين، كانت في الفلوجة خصوصاً؛ وأن أكبر خسائره المريرة كانت في محافظة الأنبار عموماً.

ومن هنا نستطيع القول إن الوضع في العراق واضح للقاصي والداني، حيث لا يحتاج إلى السلاح وإراقة المزيد من الدماء، بل إنه بحاجة ماسة إلى تحسين أوضاعه الخدمية والصحية والتعلمية والزراعية والعلمية الخ. وبما أن “وكالة رويترز” قد كشفت عن الوثائق المتعلقة في تصدير السلاح الإيراني إلى المالكي لمواصلة حربه على الشعب العراقي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. لذا نتوقع في الزمن المنظور أن يستمر نيران الصفوية الإيرانية بحرق العراق وأهله، كما جرى في السنوات الإحدى العشرة الماضية.

عندما تذهب معظم الموازنة الكبيرة بالإنفاق على شراء الأسلحة، والعراق يزداد فيه خط الفقر الذي وصل إلى نسبة الثلث من الشعب. وفي نفس الوقت لا توجد هنالك مشاريع إنمائية زراعية كانت أو صناعية، فإن مستقبل هذا البلد سيبقى رازحاً تحت نير هذه الكتلة الحاكمة المصنوعة والمدعومة إيرانياً، والتي تنفيذ أيضاً ما مطلوب منها أمريكياً. وعليه فإن المغزى من السلاح الإيراني للعراق، إنما يصب في هذا الإتجاه، وفي هذا الإتجاه فقط. أعني في حالة حقيقة التوريد الإيراني أو غير الإيراني، فهو إهدار لأموال الشعب، وتدمير إلى بنيته، وتثخين للجراحات كي لا تندمل.

لقد توافد إلى بغداد في الأيام القليلة الماضية وزير خارجية روسيا، ثم أعقبه وزير خارجية الصين، ليس من أجل البحث في إمكانية تطوير العراق الذي فيه أراضي زراعية، وثروات معدنية، وقوة بشرية، ومواقع سياحية. بل من أجل تصدير السلاح دون أي شيء آخر. ونكاد نجزم أن السلاح المستورد سيكون “سلاح خردة” متأخر التقنية والتقدم. فالعراق تحت حكومات الإحتلال الفاسدة تزداد معاناته في التخلف بكافة المجالات والميادين، حيث أنتشرت الأمية بين جيل الصغار والشباب لنحو 30%، وأستفحل الفقر والبطالة بدرجة كبيرة، ومع سنوات المدّ الصفوي الدموي عبر المجاميع الطائفية، فقد صار الوضع في العراق ملائماً لتصريف تلك الأسلحة البالية في مخازن روسيا والصين، وهذا جانب آخر من المغزى الإيراني تجاه تسليح العراق.

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز  المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق