ما بين إرهاب التفجيرات ووعيد الخطاب

تعود الأجهزة الأمنية لنظام الأسد مجدداً لسياسة السيارات المفخخة والتفجيرات في قلب العاصمة دمشق، ليضرب في أربعة أيام متتالية أحياء العاصمة، وليخرج رئيس الوزراء من السيارة التي عجنها التفجير سالماً دون أن يلحق به أي أذى، في حين أوقعت عدداً من الضحايا وخاصة في حي المرجة المكتظ بالحركة.

لهذه التفجيرات أبعاد وظيفية إرهابية يسعى النظام لبلوغها، ومنها:

أولاً- يعتبر جمهور النظام جمهوراً متلقياً أصماً، تعود على حالة التعبئة الفكرية المسبقة، من قبل جهاز إعلامي ضليع في أدلجة العقل الجمعي، وهو بأشد الحاجات إلى هذا الجمهور كلما ضاقت به الساحات العسكرية والسياسية، لذا كان لابد من أحداث تهز الشارع، تعيد لملمة الجموع وتذكيرها بحالة الرعب، أي كانت أولاً إرهاباً لمناصريه. ويُلاحظ من نوعية التعليقات التي وردت في وسائل التواص الاجتماعي، أن ما كان مناطاً على هذا البعد قد أثمر خلال دقائق بعد التفجيرين الأولين، وخاصة الثاني، سواء لناحية مطالبته بمزيد من العسكرة، بل لناحية المطالبة علناً من قبل البعض بتوسيع استخدام السلاح الكيماوي، مما يضفي –وفق منطوق النظام- شرعية إضافية لما يقوم به أو سيقوم به لاحقاً، ولاحقاً هنا لا يتحمل بعدها الزمني التأجيل، بل موجهة إلى الأيام القليلة المقبلة.

ثانياً- هي موجهة لكل القوى المعارضة الثائرة عليه، عبر إلغاء مفهوم البؤر الآمنة في دمشق، وضرب المدنين في تلك البؤر، وعدم الاكتفاء بحالة الحرب على الجهات المتعددة، أي هي محاولة لإرهاب معارضيه. وتأكيداً لهم على أنه ما زال في طور الهجوم، وأن استمرارية حركتهم الثورية (السياسية والعسكرية)، قد تجعل من دمشق ذاتها ثمناً لذلك. لما لها من بعد دلالي ثوري وسياسي، كونها العاصمة أولاً، وكونها المقصد الثوري منذ قرابة ثلاثة أشهر خلت.

ثالثاً- هي تنبيه للقوى الدولية، على صعيدين، أولهما أنه عرضة لحملات إرهابية “إسلاموية”، وعليه فإن المجتمع الدولي مطالب بإعادة النظر في دعمه لهذه القوى “المتطرفة”، وحيث يفقد هذا الخطاب أهمية لدى كثير من القوى، إلا أنه أساساً محاولة لاستدراج بعض العطف من دول ما تزال ترواح سياسياً في موقفها فهو بذلك “استعطاف بالإرهاب”. أما ثانيهما فهو موجه لقوى تعلم تماماً مجريات الحياة العسكرية في سورية، فكان التفجير رسالة توضح مدى قدرة النظام على ضرب مواطنيه في كل موقع، وألا أمان لهم في ظل معارضته، وبالتالي فهم مسؤولون عن مقتل الشعب بدعم ثورته، كما أنها قد تكون رسالة بأنه نظام قادر على خلق حالات توتر إرهابية إن شاء خارج حدوده، إذن هي محاولة “تصدير الإرهاب” سواء بافتعاله خارجاً أو إلقاءه على العامل الخارجي.

إلا أن الطارئ في هذه التفجيرات الإرهابية، ترافقت في ذات الوقت مع خطاب لزعيم حزب الله، الذي تشارك ميليشياته في الحرب على الشعب السوري على عدة جبهات.

فبعد حالة الإرهاب للمجتمع الدمشقي (قاطنين ونازحين إليها) خاصة، وللمجتمع السوري عموماً، جاء خطاب نصر الله تهديداً صريحاً بحرب احتلالية أشمل تقودها إيران وما يعرف بـ “القوى المقاومة”، عبر خطاب شعبوي طائفي، يستحضر فيه تاريخاً من العداوات “المصطنعة” الموظفة سياسياً بعناية بالغة، ويحدد أهدافاً لها، يفترض شرعيتها وفقاً لمنطوقه “حماية المقامات الدينية” و “حماية اللبنانيين القاطنين في سورية”. وخاصة بعد اعتبار الثورة السورية ثورة “علمانية” معادية للدين من قبل القيادة الدينية الإيرانية العليا. إلا أنه لم يوضح أي دين هو المقصود بها، بل إنها يحمّلها بعداً حاول الأسد سحبها إليه، بادعاء “طائفيتها” أولاً، ثم بخطاب متناقض من خميني بادعاء “علمانيتها”. ففي الحالة الأولى إن كانت كذلك، فهي مشروع أكثري مجتمعي التف عليه كثير من الطوائف الأخرى، وفي الحالة الثانية إن كانت كذلك هي مشروع ديمقراطي مدني.

ترافق الحالتين معاً، الإرهاب والتهديد، في وقت واحد، يوحي بأن العمائم الإيرانية ومن خلفها في العراق ولبنان، تنحو باتجاه حرب أشمل في المنطقة تحت شعارات دينية مصلحية، صحيح أن المنطق العقلاني يفترض موازنة عقلانية بين المكاسب والخسائر، سواء في حال صياغة سياسة خارجية، أم في حال الانحدار إلى حرب، فالحرب هنا هي محصلة فشل الإدارة الإيرانية في ضبط الحراك الثوري السوري.

إلا أن إيران تخلت عن تلك الحسابات العقلانية، ولا أعتقد أن نوعاً من التفاوض الغربي معها على مصالح أخرى، قد يثنيها عن فعل احتلالي ما في سورية، فوفق ما تنتهجه، بات من الإمكان اعتبار المحافظة على نظام تابع لها (في سورية كلها أو في دولية طائفية منها)، أولية عليا في المصالح الإيرانية، بحيث لا يمكن التفاوض عليها، بل هي أولوية أمن قومي، تتفوق أو تعادل أولوية المشروع النووي. وليس شرطا بشخص الأسد، بل بأي شخوص مصنَّعين على ذات الهيئة ليحتلوا هذا الدور المناط بهم.

يبقى أن تتدارك القوى العربية المناصرة للثورة، البعد الاحتلالي الكامن فيما يبيّت لها من إيران وأطرافها الممتدة في المشرق العربي، والتوجه نحو عمل سياسي فعّال، وهو ممكن، ولا يتعارض البتة مع مصالحها الوطنية، بل في صلب أمنها القومي، فالقوى الغربية تنأى بنفسها عن أي تدخل عسكري، والعدو الإسرائيلي يتحضر لملئ فراغ في البيئة العربية، خلفته تأخر السياسات العربية عن الحراك الجمعي. في حين أن التمدد الاحتلالي الإيراني، في حاله السماح بحصوله، لن تكون نهاية مطافه شوارع دمشق.

في المقابل، إن الضغط العربي أولاً على المجتمع الدولي، حيث بات من الواضح أن ضغط القوى الثورية غير فعّال، هذا الضغط، عليه أن ينطلق من وجوبيته الدولية، فسورية عضو في منظمات ووقّعت على معاهدات واتفاقيات وقوانين، تنص جميعها على لزوم الحماية للمواطن، وهنا ينصرف القصد إلى المواطن السوري خاصة، وأن هذا حق نطالب به لا نستجديه، وأن المطلوب تدخل حمائي ردعي، بحدوده الدنيا، وليس وارداً بأي شكل، تحويل سورية إلى ساحة تصفية مصالح احتلالية بين الشرق والغرب، لإعادة تشكيل الميزان الدولي.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن الشبكة العربية العالمية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق