عاصفة الحزم ترسم ملامح قوة عربية مشتركة

رسمت عاصفة الحزم ملامح عصر جديد للأمة العربية وللشرق الأوسط، وعصرا بأكمله بدأ ينحسر عن المنطقة، وستتساقط الولايات الإيرانية في المنطقة العربية واحدة تلو الأخرى، كانت البداية بسقوط ولاية الحوثي الإيرانية في اليمن.

بدأ يشعر حسن نصر الله بأن عصر الغوغائية قد انتهى، وبدأ عصر الدولة الذي أيضا بدأ من لبنان بعد وصول أول شحنة أسلحة من فرنسا قدمتها السعودية للجيش اللبناني الوطني لتحييد قوة حسن نصر الله المليشياوية التي كان يهدد بها السلم الأهلي في لبنان وهو لا يعترف بالسيادة بعد مبايعته ولاية الفقيه، أي أنه يتلقى أوامره من طهران لا من حكومة لبنان.

عاصفة الحزم جعلت محاولات إيرانية توحي بعمق حالة اليأس التي طغت على الإيرانيين عن فعل شيء لحلفائها الحوثيين في اليمن إزاء متانة التحالف العربي الذي ضرب أحلامهم التوسعية في مقتل.

المناورات العسكرية بين مصر والسعودية أفشلت طموحات إيران في تفكيك التحالف خصوصا بين مصر والسعودية، وحتى التدخل البري بعد هذه المناورات يبقى مفتوحا بمشاركة مصر، كما أنها تندرج في إطار استراتيجية راسخة للدفاع المشترك تجاه أي أخطار تهدد المنطقة، رغم أن تشكيل القوة العربية اقتراح مصري قبل عاصفة الحزم، لكن العاصفة ستسرع في تشكيل تلك القوة وهي النواة الحقيقية لها.

هناك خلافات بين مصر والسعودية حول عدد من الملفات الإقليمية، لكن مشاركة مصر في عاصفة الحزم بقوات جوية وبحرية ومشاركتها في مناورات برية، وشددت على أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري، وأن التنسيق المشترك يتجاوز البعد اليمني الظرفي إلى البعد الاستراتيجي طويل المدى، الأمر الذي لم يلق ارتياحا من جانب إيران وحليفها بشكل خاص حزب الله اللبناني.

لولا الدعم السعودي لمصر عقب إعلان ثورة يونيو 2013 ودعمتها اقتصاديا وسياسيا، في مواجهة واحدة من أشد التحديات صعوبة، وكان موقف الرياض حاسما في تجاوز القاهرة حزمة من المصاعب الإقليمية والدولية وإنقاذها من الانكفاء على مشاكلها الداخلية الذي يمنع القيام بدورها الإقليمي، لما حصلت اليوم السعودية على هذا التحالف المتين بين مصر والسعودية، الذي يعتبر نجاح استباقي للدبلوماسية السعودية، لما تملكه من بعد نظر بعيدا عن الاختراقات والتسريبات الإعلامية، أثبت السعودية مرة أخرى أنها تمتلك عمق تفكير استراتيجي.

لم ينجح حزب الله من إفساد العلاقة الاستراتيجية بين مصر والسعودية، خصوصا حينما كان يغازل مصر بقوله ( مثلما منعت مصر هدم قبر رسول الله أطالبك بمنع السعودية هدم اليمن ) كلمة بثتها قناة العالم الإيرانية، ولم يكتف حسن نصر الله بذلك، بل قدم شكره للبرلمان الباكستاني الذي اتخذ موقفا معاكسا لمصر ورفض دخول بلاده الحرب على اليمن، وهو تحريض للقوى السياسية في مصر للضغط على السيسي، ولكن مصر اتضحت لديها الرؤية المستقبلية، وهي صاحبة الدعوة لتشكيل قوة عربية مشتركة.

 كما لا يدرك حسن نصر الله العلاقة المتينة بين السعودية والباكستان، إذ كشفت إسرائيل بأن السعودية الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط تمتلك صواريخ برؤوس نووية، تعتقد أنها حصلت عليها من الباكستان، والآن نواز شريف يزور السعودية في 23 أبريل 2015 مع وفد رفيع استقبله الملك سلمان بما فيهم رئيس الأركان الباكستاني في قصر العوجا، ومعروف أي اجتماع يعقد في قصر العوجا يتصف بعقد اجتماعات حاسمة.

متانة الدبلوماسية العربية، وصلابة العلاقات المصرية السعودية، ترفض مصر السماح لإيران بتخريب العلاقات المصرية السعودية، خصوصا بعد استقبال حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للسفير خالد عمارة رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران، حينما قال له بأن إيران تنظر إلى أمن المنطقة كمجموعة مترابطة، وأن إيران ومصر باعتبارهما بلدين كبيرين ورئيسيين، فإنهما يتحملان مسؤولية أساسية ودورا كبيرا في صيانة استقرار المنطقة وأمنها، بالطبع كان رد مصر بأن التصريحات الإيرانية تنم عن تناقض غير مفهوم.

لأن مصر ترى أن دعم إيران الحوثيين بقوات عسكرية في اليمن هو تطويق مصر والسعودية من الجنوب، وأن عاصفة الحزم أفشلت هذا التطويق، ومنيت إيران بأكبر خسائر استراتيجية كانت تحلم بها تاريخيا ورضخت في تغيير مسار السفن التي كانت متجه لليمن بعد تهديد الولايات المتحدة بأنها ترفض حرب شاملة وأن تتحمل إيران العواقب.

ويعتبر الاجتماع الأول لقادة أركان الجيوش العربية اللبنة الأولى في مسار تشكيل قوة عربية مشتركة تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية المتوترة التي تهدد أمن المنطقة، ورغم الصعوبات المتوقع أن تشهدها عملية ولادة القوة، إلا أن عاصفة الحزم يمكن أن تعتبر النواة الحقيقية لتلك القوة، وهي تجربة مثيرة يمكن الاقتداء بها.

يكفي أن قرار إنشاء قوة عربية مشتركة يترجم الفكر الجديد بوجود عمل عربي مشترك، خصوصا وأن القرار أتى بعد تجربة عاصفة الحزم، خصوصا وأن المنطقة تعاني تحديات أمنية كبيرة ومعقدة في ظل تهديدات الجماعات الارهابية التي استغلت الفوضى السائدة في عدد من البلدان العربية على غرار سوريا واليمن وليبيا والعراق، وبات خطرها يهدد الجميع فضلا عن المشروع الإيراني التوسعي الذي استغل نفس الظروف التي استغلتها الجماعات الإرهابية، بل بينهما تقاطعات مشتركة.

 لذلك فإن القوة العربية المشتركة مسؤوليتها تخليص هذه البلدان من تلك الفوضى واستعادة الدولة بعيدا عن الجماعات المليشية أيا كانت تتبع أو أيا كانت أهدافها، حتى ولو كانت تحت ذريعة الممانعة والمقاومة، لأن القوة العربية المشتركة هي المسؤولة الآن القيام بتلك الوظيفة لصيانة الأمن العربي والسلام والاستقرار، لذلك لن تبقى ذرائع لتلك الجماعات مثل حزب الله في لبنان من البقاء والاحتفاظ بتلك القوات بعيدا عن الدولة.

القوة العربية المشتركة تحظى بتأييد دولي نتيجة تغير الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حيث أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا عن دعمهم لها.

بالطبع هناك صعوبات تعترض قيام قوة عربية سريعا بسبب أن هناك احترازات التي لم تخفها بعض الدول العربية خصوصا الجزائر والعراق، والتحدي الأكبر في ظل اختلاف الأولويات والأهداف بين الدول المشاركة في القوة، إلا أن هناك رغبة لدى العديد من الدول وفي مقدمتهم مصر ودول الخليج لإنجاحها باعتبارها باتت ضرورة حتمية لمواجهة التهديدات المختلفة للمنطقة.

وستلعب نفس الدول في عاصفة الحزم في القوة العربية المشتركة بما لهم من وزن سياسي وعسكري، وأنه من الممكن أن تتسع هذه الدائرة في المستقبل حتى تساهم في تحقيق ثقل للعالم العربي في المجتمع الدولي، وهي ليست قوة ذات طابع هجومي، وإنما قوة لإنقاذ المصالح العربية المشتركة، وتأمين الوطن العربي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق