صراع الميليشيات والمرجعيات والسياسات في العراق

الخلاص من الطبقة السياسية الفاسدة هو الطريق لعقد سياسي جديد، ولقيام عراق على أسس وطنية وديمقراطية، بعيدا عن المحاصصات الطائفية والمذهبية والإثنية والمناطقية.

لا يبدو أن العراقيين سينعمون بالأمان والاستقرار في ظل وجود طبقة سياسية فاسدة، تهيمن على السلطة وعلى موارد العراق، وتتحكم في قواته العسكرية، وتشرّع لقيام ميليشيات مسلحة وفق قواعد طائفية، كما لبناء جدران بين أبناء الشعب الواحد.

هكذا فإن أحوال العراقيين تسير نحو مزيد من التدهور مع وجود هذه الطبقة، التي أتت إلى الحكم على ظهر دبابة أميركية، واشتغلت مع الحاكم الأميركي بول بريمر على تقويض البني الدولتية والمجتمعية في العراق، ما يؤكد أن ولاءها ليس للعراقيين، وإنما لمصالحها الشخصية، ولنظام الولي الفقيه في إيران.

لا يقتصر هذا التدهور على ظهور “داعش”، وتصدره المشهد العراقي منذ قرابة عامين، ولا سيما في الكيفية التي أخذ فيها مدينة الموصل (يونيو 2014)، ثم الرمادي (مايو 2015). كما لا يتعلق فقط بتكريس الانقسام في مجتمع العراقيين، على أساس مذهبي (سنة وشيعة)، بعد الانقسام الإثني (عرب وأكراد)، وهو الانقسام الذي اشتغلت الطبقة الحاكمة على تكريسه، بمختلف الطرق، وضمنها احتكارها الحكم والموارد، وسيطرتها على مرافق الدولة، وتعمدها الحط من مكانة القوى السياسية الممثلة لجمهور “السنة”، وقمعها للحراك الشعبي في المناطق “السنية”. إذ أن هذا التدهور يشمل أيضا تبديد ونهب ثروة العراق المتأتية من الموارد النفطية، في ظل واقع الفساد المستشري، علما أن الحديث هنا يدور عن مئات بلايين الدولارات التي ضاعت، أو ذهبت إلى جيوب كبار المتنفذين في السلطة، من أمثال نوري المالكي رئيس الحكومة السابق، الذي بات اليوم نائبا لرئيس الجمهورية.

وبديهي أن هذا الحجم من الفساد أدى إلى إفقار المجتمع العراقي، وإخفاق خطط التنمية، وتعثر مشاريع تطوير البنى التحتية، وفي مقدمتها مشاريع الكهرباء، كما يأتي ضمنها تعثر بناء الجيش العراقي والقوى الأمنية. الواقع أن العراق مع هذه الطبقة السياسية، ومع أشخاص مثل نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي، وميليشيات حزب الدعوة، ومنظمة بدر، وكتائب أبوالفضل العباس، وعصائب الحق، والحشد الشعبي، لا يبشر بالخير للعراقيين.

ولعل ذلك يحيلنا أيضا، للبحث عن حقيقة توظيف إيران لجهودها في العراق، والتي تتركز على تنمية النعرة الطائفية، وتغذية الانقسام في مجتمع العراقيين، والتشجيع على بناء ميليشيات طائفية باتت كياناتها تعد بالعشرات. ولعل ذلك يفيد بأن إيران لا تريد الخير للعراق، بكل مكوناته، بمن فيهم “الشيعة” ذاتهم، وأنها تريد العراق إما تابعا لها وفي خدمة مشاريعها الإقليمية، وإما في حالة حرب أهلية أو في حالة خراب.

وعلى أي حال فإن نتائج هذه السياسة التي تنتهجها الطبقة السائدة في العراق، والتي تنتهجها إيران فيه أيضا، بدأت تنعكس سلبا عليهما، وهو ما بدأت بشائره تظهر مع المظاهرات العارمة في بغداد والبصرة وذي قار، أي في البيئات المحسوبة على جمهور “الشيعة”، والتي قد تفتح في حال استمرارها على انتفاضة شعبية.

ويستنتج من هذه التحركات أن التذمر من الطبقة الحاكمة لم يعد حصرا على جمهور “السنة”، وجمهور الأكراد، بل بات يشمل معظم العراقيين، لاسيما مع مساندة المرجعيات الشيعية للتحركات الشعبية، ودعوتهم حيدر العبادي رئيس الحكومة للضرب بيد من حديد على يد الفاسدين، حسب ما صرح محمد الصافي باسم علي السيستاني كبير مراجع الشيعة في النجف.

وحقا فإن العراق أحوج ما يكون للخلاص من هذه الطبقة التي بددت ثروات العراق منذ عقد من السنين، وأفقرته ماديا ومعنويا، وجعلته ملحقا بالسياسة الإيرانية، لأن الخلاص من هذه الطبقة الفاسدة هو الطريق لعقد سياسي جديد، ولقيام عراق على أسس وطنية وديمقراطية، بعيدا عن المحاصصات الطائفية والمذهبية والإثنية والمناطقية، أما عكس ذلك فيعني ذهاب العراق نحو مزيد من التدهور وعلى مختلف الأصعدة. والخلاصة فإن العراقيين بمعاناتهم وتضحياتهم وكل ما مروا به يستحقون الأفضل.

نقلاً عن العرب اللندنية

ماجد كيالي

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق