شبح نقص المياه يلقي بظلاله على إيران

لم تكن مشكلة قلة المياه والجفاف في بلاد فارس حديثة العهد، بل إن الظروف المناخية القاحلة التي تسود معظم الأراضي الإيرانية قد أثرت منذ القدم وبشكل أساسي على الأنماط المعيشية والسلوكية والعمرانية في البلاد، حتى برزت بوضوح على المظاهر المعمارية التي شيدت على أساس القدرة على التعايش مع ظروف مائية قاسية، وما زاد من حدة هذه المشكلة التي أصبحت اليوم هاجس العديد من المختصين والمسؤولين في إيران، فشل إدارة البلاد جغرافياً وإدارياً بسبب انشغال أصحاب القرار بملفات خارجية وغض طرفهم وحجب اهتماماتهم عن الأمور الداخلية.

وبسبب قلة الأمطار وشح المياه في أغلب المناطق، حاول الإيرانيون كثيراً ومنذ غابر الأزمان أن يستخدموا جميع ما يملكون من إمكانيات وطاقات من أجل العثور على مصادر للمياه، فحفروا العديد من قنوات الماء، وركزوا جل اهتمامهم على عملية تخزين المياه الهاطلة في الشتاء للاستفادة منها في الفصول الحارة، ما جعلهم يفكرون في إنشاء مخازن وسدود للمياه لدفع أخطار شحها عنهم في حر الصيف، ولكن مع التزايد المستمر لحاجة السكان للمياه بالتزامن مع انخفاض حاد في منسوب مياه الأمطار، وعجز الحكومات عن تقديم حلول ناجعة لهذه المشكلة، دخلت العاصمة طهران وباقي المدن الإيرانية في أزمة نقص مياه حادة حذر من خطورتها العديد من أصحاب الشأن، لدرجة تحذير بعضهم من أن هذه المشكلة ستؤول إلى هجرة غالبية السكان من إيران.

وتعاني إيران من ندرة المياه السطحية والأنهار وذلك بسبب المناخ الجاف واتساع رقعة التصحر في معظم مناطقها، وانتشار الغبار والأتربة في الهواء، ففي بحر قزوين يصب نهرا أراكس وسفيدرود، وفي الخليج العربي شط العرب ورافده نهر قارون، ومعظم أنهار إيران وحتى الجبلية ليس لها جريان دائم ومنتظم، إذ غالباً ما تشح في فصل الصيف، والبحريات بشكل عام فهي قليلة المياه ومالحة، وعادة ما يجف الكثير منها بسبب ارتفاع درجات الحرارة في أغلب شهور السنة، كما أن ارتفاع معدلات ذرات الغبار في الهواء أدى إلى تسريع عملية جفاف الأنهار والبحيرات وتلويثها والسير بالبلاد نحو التصحر بوتيرة أسرع.

وقد حذر العديد من المسؤولين في إيران من هذا الخطر المحدق بالبلاد، وحول احتمالية هجرة الإيرانيين بشكل قسري من البلاد بسبب الجفاف حذر وزير الزراعة الإيراني السابق “عيسى كلانتري” من مخاطر تجاهل مشكلة الجفاف، مؤكداً في حالة استمرت هذه المشكلة على ما هي عليه الآن، فإن 70% من السكان سيغادرون البلاد، وأضاف أن حصة الفرد الواحد من الماء العذب سنوياً هي 1300 متر مكعب، ووفقاً لآخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الطاقة، وبالنظر إلى كمية هطول الأمطار خلال الخمس سنوات الماضية، فإن حصة الفرد الواحد سوف تكون أقل من 1000 متر مكعب، وهو ما يمثل أزمة كبيرة في البلاد.

كما أتهم كلانتري، مسؤولي الإدارة بتجاهل أزمة المياه وعدم الاهتمام بها إلّا منذ فترة وجيزة، وقال: “إنهم فهموا خطورة المسألة الآن ولكن الأوان قد فات” وقال: إنه “حتى ولو تساقطت الأمطار بمعدلات مثالية ووصلت المياه إلى تحت الأرض، ما من مكان لتخزينها، ونتيجة لذلك، تبقى المياه على سطح الأرض وتتبخر” هذه العملية تجعل المياه أكثر ملوحة وأقل ملاءمة للزراعة، وأضاف كلانتري، إنه بحسب المعايير الدولية، وضع المياه حرج للغاية في بعض المدن الإيرانية، مثل: شاهرود ونيشابور ورفسنجان، لدرجة أنه يمكن تسميتها “المدن الميتة” من منظور الهيدرولوجيا.

كما وضعت مشكلة نقص المياه في إيران القطاع الزراعي في معرض تهديد، وعرضته إلى خطر الزوال بعد إهماله من قبل المزارعين الذين يعانون من ندرة المياه من جهة وفقدان الدعم الحكومي لهم، إذ دأبت الحكومة على استيراد المواد الزراعية من الخارج، وأصبحت هذه المواد متوافرة في الداخل الإيراني بكميات كبيرة وبأسعار أقل من المواد الزراعية المحلية، وهو ما دفع المواطن الإيراني إلى الإقبال على ما هو أقل سعراً، وبالتالي تكديس الزراعات المحلية وتحميل العاملين في مجال الزراعة خسائر كبيرة، مما دفعهم إلى ترك العمل الزراعي والتوجه إلى أعمال أخرى، كما ويتوقع الخبراء أن تمر إيران بمرحلة ثالثة من الجفاف، بسبب تعديل دورات تغير المناخ، ما يعني أمطاراً أقل، ودورات جفاف أكثر، وهذا يضر بالزراعة، خصوصاً زراعة الحبوب الاستراتيجية بالنسبة إلى السكان.

وتنعكس ظاهرة الجفاف وندرة المياه على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والوضع الديموغرافي في إيران، إذ تؤثر في معيشة سكان القرى والأرياف بشكل خاص، مسببة هجرتهم إلى المدن وتركهم أراضيهم الزراعية، ما يؤدي إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية مهمة في البلاد، ومن بين أسباب هذا التدهور، تغير المناخ ونمو السكان وسوء الإدارة والإسراف في الري واستنزاف موارد المياه الجوفية، ويشير حسن بسنديده، مدير قسم المياه في منظمة البيئة الإيرانية، إلى أن ما تستهلكه إيران من المياه يزيد 8 مرات عن المعدل العالمي، فيما يتوقع المختصون أن تكون أزمة المياه من أضخم التحديات البيئية التي ستواجه إيران في السنوات المقبلة.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

 

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق