سورية والمنطقة تدفع ثمن صراعات دولية وإقليمية

تحاول الولايات المتحدة فرض أفعالها العسكرية تجاه روسيا كأمر واقع، بل وتحاول خداع روسيا من أن نظام الدفاع الصاروخي في بولندا ورومانيا موجه إلى كوريا الشمالية، رغم أن النظام يقع في أوربا وكوريا الشمالية تقع في آسيا، ويؤكد مساعد وزير الدفاع الأميركي مايكل كارينتر بأنه لا ينبغي على روسيا الرد على وضع أنظمة الدفاع الصاروخي في بولندا ورومانيا، وأن على روسيا أن تعتبر الإجراءات الأمريكية تهدف فقط لحماية حلفائها في حلف شمال الأطلسي.

لكن يصر بوتين بقوله على أنه لابد من تصويب روسيا سلاحها نحو أجزاء من رومانيا وبولندا من أجل الحفاظ على أمننا، خصوصا بعدما اتجهت الولايات المتحدة إلى نصب صواريخ يبلغ مداها 500 كيلو متر في أراضي رومانيا، وسوف تنصب صواريخ يبلغ مداها ألف كيلو متر فيها، وكذلك نصب صواريخ اعتراضية في بولندا، كما تمتلك روسيا صورايخ اسكندر التي يبلغ مداها 500 كيلو متر، ما يعني عودة جديدة لتوترات روسية أطلسية في ضوء تنامي القراءات السياسية والتقنية المعتمدة لدى الجانبين، إلى جانب أن القوات الأميركية تعلن حالة التأهب في كوريا الجنوبية، وتبحث إرسال المزيد من الأسلحة إلى سيول.

نجد أن أوباما أعلن في 2 أغسطس 2016 بأن بلاده تسعى للتعاون مع روسيا لإيجاد حلول للنزاعين السوري والأوكراني، ما يعني أن أولوية الولايات المتحدة هي الأزمة الأوكرانية، وماذا تود الولايات المتحدة إعطاء روسيا في سوريا لقاء تقبل روسيا نصب الولايات المتحدة صواريخها في رومانيا وبولندا؟.

لذلك نجد أن فرنسا غير مرتاحة لمثل تلك المقايضة الغير عادلة، وأكدت باريس في لقاء كيري أن فرنسا لا تريد أن تتحول مدينة حلب إلى سلعة للابتزاز في ظل غموض يلف التفاهمات الروسية الأميركية، بل تأخذ فرنسا على الراعيان الدوليان روسيا والولايات المتحدة فشلهما في فرض احترام الاستحقاقات المنصوص عليها في تفاهم فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي 2245 وأولها وقف الأعمال العدائية والتزام روزنامة محددة للحل السياسي.

ما يحدث في سوريا إما كسب للوقت أو تغطية على العجز، وقد يكون كل طرف يتمسك بمواقفه، ويريد الآخر أن يتنازل له، وهو ما جعل فرنسا توجه رسالة للطرفين الروسي والأميركي بأن حلب ليست سلعة للابتزاز من أجل أن يحقق أحدهما مكاسبه على حساب مدينة حلب.

 ومن الغريب أن يؤكد كيري لنظيره الفرنسي حينما وبخه بأن حلب ليست للابتزاز، فقال له أن فريقا من الخبراء الأمريكيين موجود في موسكو للتفاوض مع وفد روسي مماثل، وإن إحدى النقاط الرئيسية التي يسعى الطرف الأميركي إلى الحصول عليها من جانب روسيا، هو تعهدها بالحصول على هدنة شاملة لمدة تتراوح ما بين خمسة وسبعة أيام، ولم يرد الوزير الفرنسي على مهزلة أمريكا أنها تتفاوض على خمسة أو سبعة أيام مؤقته، وبعد ذلك ما هو الحل؟، رغم أن هذه الشروحات لم تقنع الجانب الفرنسي، وأكيد أنها تعتبرها مهزلة من الجانبين لأنهما لم يتحدثا عن حكومة انتقالية، بينما يبرر كيري بأن منافع وقف النار لا يمكن أن تلحظ ما دام لم يتم الاتفاق عليه نهائيا ولم يبدأ العمل به، وفرنسا وأوروبا يضربها الإرهاب الذي سببه استمرار الأزمة في سوريا وتعتبر أن المقاربة الأمريكية الروسية تدعم استمرار توسع الإرهاب.

 لذلك اتجهت أميركا إلى إرضاء فرنسا لإسكاتها الذي سبق هولاند طلب الولايات المتحدة إلى التدخل عسكريا في ليبيا،  فتدخلت الآن من الباب الواسع لضرب داعش في ليبيا، والتي اعتبرتها روسيا ضربات غير مشروعة، لأنها ضربات يجب أن تتم بقرار من مجلس الأمن، ولكن نسيت روسيا هل لديها  قرار من مجلس الأمن لضرب سوريا؟، ليس فقط فرنسا بل حتى بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي هي بحاجة إلى حلفاء جدد، فأصدرت حكما بالسجن على المعارض البحريني قاسم هاشم ب12 عاما بتهمة تحرش جنسيا بقاصر، وسبق أن صدر ضده حكما غيابيا بالسجن 15 عاما في المنامة أدين بعمليات إرهابية، وبذلك تكون السعودية وفرنسا وبريطانيا تشترك في مواقف متشابهة ضد الراعيان.

وبعد إسقاط المعارضة السورية الطائرة الروسية في إدلب ومقتل جميع من عليها من العسكريين، صرح كيري لكل الأطراف وخاصة روسيا والنظام السوري بضبط النفس، ما جعل روسيا تنتقم من بلدة سراقب التي أسقطت الطائرة بالغازات السامة، بل امتدت الأزمة إلى انسحاب روسيا من مجلس الأمن ضد صدور قرار من مجلس الأمن يحث الحوثيين على التعاون في مفاوضات الكويت وكأنها نسفت كل مواقف التقارب مع السعودية.

معركة حلب نسفت كل الحسابات السياسية، فبعدما رأى النظام المدعوم بحزب الله ومليشيات شيعية عراقية وأفغانية بجانب القصف الروسي بأن تضمن الذهاب إلى طاولة المفاوضات بعدما تكون حلب قد سقطت في يد النظام، لكن ما يحصل أفشل كل هذه الخطة، بعدما تمكنت المعارضة المؤلفة من جبهة فتح الشام وأحرار الشام إلى جانب فصائل أخرى، بانطلاق المرحلة الثالثة من معركة حلب، أو ما يعرف بملحمة حلب الكبرى، والتي حققت تقدما واسعا بعد كسر الخطوط الدفاعية لقوات النظام والسيطرة على كلية المدفعية وعلى أجزاء من حي الراموسة.

 مما مكن المعارضة من فتح طريق إمداد جديد إلى مدينة حلب عوضا عن طريق الكاستلو شمال حلب الذي قطعته قوات النظام في 7 يوليو 2016، بل أمنت لها طريق إمداد جديدا واستطاعت قطع طريق الإمداد الرئيسي لقوات النظام تجاه أحياء حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، تقدم المعارضة المفاجئ والسريع طرح كثير من الأسئلة عما إذا كانت الفصائل المسلحة تلقت سلاحا متطورا قلب الموازين، لكنها هي تقع ضمن الصراع الدولي بين روسيا والولايات المتحدة، رغم أن المعارضة تنفي تلقي أسلحة متطورة خصوصا وأن الضربات الروسية المكثفة مستمرة، ولم تنجح في وقف تقدم المعارضة التي عادت إلى شق الأنفاق في حلب لاستنزاف قوات النظام وحزب الله والمليشيات الشيعية.

هذا التقدم للمعارضة سيفشل الخطة العسكرية التي ينوي حزب الله استكمالها لخطة القضم البطيء بريف دمشق بعدما هاجم وادي بردي لإقفال خط اتصال المعارضة مع القلمون الشرقي، التي جاءت بعد مهاجمة جبهة النصرة لحاجز الصفا في منطقة وادي بردي قبل أكثر من شهر وتنفيذ الجبهة حكم الإعدام في عشرة من أصل 12 أسيرا من قوات النظام بعدما رفض حزب الله الانسحاب من محيط وادي بردي.

 لذلك سيطر حزب الله على منطقة الهريرة الواقعة جنوب الزبداني قرب الحدود مع شرق لبنان وهي قريبة من أتوستراد دمشق-بيروت الدولي، وهي بلدة تمثل ممر استراتيجي للذخيرة والسلاح بين القلمون الغربي والزبداني والقلمون الشرقي التي تقع ضمن نطاق اتفاق مضايا الزبداني وكفريا والفوعة من أجل قفل آخر المنافذ الحيوية إلى الزبداني ومضايا بالكامل، من أجل أن يضمن تأمين خاصرة طريق دمشق –بيروت الدولي، وهي ضمن خطة حزب الله من أجل السيطرة على المناطق الحدودية مع لبنان بدءا من الزبداني بريف دمشق الغربي وصولا إلى جرود عرسال بريف دمشق الشمالي، وجرود رأس بعلبك والقاع المتصلة بريف حمص الجنوبي والشرقي.

لذلك نجد مدير سي آي إيه جون برينان بأنه غير متفائل بمستقبل سوريا في ظل تسوية روسية أميركية ضبابية تعتمد على ابتزاز روسيا لأمريكا، ويخشى من تسوية على نحو مخالف لرغبة الشعب السوري وكل دول المنطقة، وأن المرحلة الجديدة ستكون ضمن إعادة رسم شرق أوسط مختلف عبر سايكس بيكو أميركي روسي جديد، هذا إذا رضخت الولايات المتحدة للموقف الروسي من أجل فقط أن تقبل روسيا ببقاء الأنظمة الصاروخية في شرق أوربا، وترضى الولايات المتحدة بواقع سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، ما يعني كما ذكر برينان بأن سوريا لا يمكن أن تكون موحدة على غرار تقسيم سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا.

 فإن سوريا ستقسم بين أمريكا وروسيا وهي تكريس للمعادلة التي أرسيت على الأرض السورية بتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، ولكن على الولايات المتحدة أن تتذكر كيف تحول العراق من دولة موحدة إلى دولة مجزئة بل مفتته؟ والإرهاب بدأ من العراق وستصبح سوريا مركزا آخر للإرهاب، ولمواجه هذا السيناريو يحتاج إلى تكتل إقليمي بين السعودية وتركيا ومصر، رغم أن الانقلاب التركي الفاشل زاد من البعد بين تركيا ومصر، لكن يبقى الأمل في مبادرات العرب بقيادة السعودية لإنقاذ سوريا والمنطقة من الابتزاز الدولي والإقليمي.

حيث نجد إيران تستثمر تلك الفوضى، وتحاول الإمساك بقبضتها على العراق، بعدما كشف برلماني عراقي عن وصول قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى حدود محافظة نينوي لغرض الاطلاع على الأوضاع هناك ودراسة احتمالات معركة تحرير الموصل، وهناك غضب في الأنبار بعد اقتطاع معبرين تابعين لها مع السعودية، وإلحاقهما بالنجف، وهي خطة لعزل العشائر في الأنبار عن السعودية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق