سفينة النجاة الداعشية الإيرانية العامرة بالثقوب

إيران تحتاج إلى تمكين داعش من السيطرة على المناطق التي تشهد اضطرابات في المنطقة، وتحولها إلى الواقع البديل الوحيد. ليأتي القطف الإيراني للحصاد الذي زرعته داعش في الملف النووي.

حزب الله الذي يحتفل هذه الأيام بذكرى التحرير، اعتبر الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 مؤامرة حاكتها الأمم المتحدة وأمينها العام آنذاك كوفي عنان بالاتفاق مع الإسرائيليين. وكان يريد أن يتم الانسحاب عبر التفاوض والاتفاق معه، أي إنه كان يريد من الإسرائيليين مساعدته على إنهاء فكرة الدولة، عبر الاعتراف به طرفا رسميا يفاوض ويبرم معاهدات تسري على الجميع في البلد.

لم يلعب الإسرائيليون مع حزب الله بالشكل الذي كان يتمناه، بل انسحبوا بسرعة وبصمت منحاه الفرصة للانقضاض على الداخل اللبناني، بالشكل الذي كانت تشتهيه إسرائيل وتخطط له، وهو الشكل الميليشوي الطائفي الذي أثبتت الأيام أنه يمثل روح عقل الحزب الإلهي وناظم سلوكياته. عمد الحزب بعد إنجاز الانسحاب الاسرائيلي إلى تكريسه كواحد من إنجازاته التي يحق له استثمارها بالشكل الذي يريده. صارت المؤامرة وبقدرة قادر، تحريراً وانتصاراً ما بعده انتصار.

قاد هذا التحول إلى تملك حزب الله توصيف الإسرائيلي والخائن، وبات وحده من يحدد على من ينطبق هذا التوصيف. ولم يكن مسموحا منازعة الحزب في هذا الحق الذي استعمله بشكل بات فيه الإسرائيليون هم الأقل إسرائيلية، بل ربما هم الوحيدون الذين يمكن استثناؤهم من توصيف الإسرائيلي الصهيوني، وما يستتبعه من معان تفترض عداوة تبيح إهدار الدم. الإسرائيلي كان وسيلة لحرب كشفت اللحظة الحالية أن غايتها كانت عموم اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعراقيين. ها هي داعش تحتل المكان وتقوم بالوظيفة نفسها التي كان حزب الله ينيطها بالإسرائيلي، وهي خلق عدو خارجي يتيح له استباحة الداخل والتحكم فيه.

منح داعش حزب الله وإيران نقطة ارتكاز أخرى إضافة إلى إسرائيل. باتت إيران تستطيع الإيحاء، عبر حزب الله، أنها تقاتل دفاعا عن الشيعة الذين تعتبرهم داعش أعداءها المباشرين، وعن السنة العرب الذين تأكل داعش من صحن استقرارهم وتقضم جغرافيتهم، إضافة إلى ادعائها أنها تدافع عن الإسلام ضد الصهاينة الذين يشكلون نموذجاً موازياً لداعش، ومتحالفاً معه ومستفيداً منه.

قصة العداء الإيراني لإسرائيل أصبحت نكتة باردة لا حاجة للنقاش فيها، في حين أن ارتباط تنظيم داعش بإيران ومشروعها في المنطق والأهداف، والذي لا يشكل حزب الله سوى واحد من أذرعته هو بيت القصيد.

تزامنت في الآونة الاخيرة سلسلة من الحوادث، حيث أن الإشارات التي تفيد بانهيار نظام الأسد واقتراب لحظة نهايته، تزامنت مع عودة داعش إلى احتلال المشهد العسكري في المنطقة وبشكل لم يسبق له مثيل. صار التنظيم المتطرف اللاعب الأبرز على مستوى القدرات الميدانية، وعلى مستوى حجم مناطق النفوذ التي تشكل نصف مساحة سوريا وأكثر من ثلث مساحة العراق. الأبرز من ذلك أن مناطق النفوذ الداعشي تكاد تكون متصلة بالكامل، وتشكل عملياً دولة واسعة مترامية الأطراف، لا يمكن القضاء عليها بجهود محلية، بل تحتاج جهودا إقليمية ودولية.

يمكن انطلاقا من هذا المعطى فهم خطاب نصر الله في ذكرى المؤامرة التي استحالت نصرا، حيث كان قلب الخطاب شيطنة عرسال وأهلها والتحريض عليهم، واتهامهم بإعداد السيارات المفخخة التي كانت تنفجر في الضاحية وباحتضان التكفيريين. سبب هذا التحريض بات مرئيا فهو يعكس المنطق الإيراني الذي يعتبر داعش سفينة النجاة الوحيدة الممكنة. بعد أن بات النظام السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وبعد أن بات استثماراً خاسراً وغير مجد، رأت إيران أن الاستمرار في ضح المال والسلاح والرجال إليه لن يؤدي سوى إلى استنزافها دون تحقيق نتيجة ميدانية. الحل الذي قررت اللجوء إليه هو السماح بسقوطه ولكن على يد داعش والاستبسال في محاربة كل من يحارب النظام من كل الفصائل الأخرى.

ينسحب هذا الأمر على كل الجبهات الإيرانية، ففي العراق بات واضحا أن إيران ترعى مجازر طائفية تمنح داعش مشروعية تمهد لسيطرتها السهلة على مناطق شاسعة، وفي لبنان أفرزت معركة القلمون عن تنسيق واضح بين حزب الله وداعش، خرج الحديث عنه من دائرة التحليلات التي قد تجانب الصواب، إلى دائرة المعلومات والأخبار. كان هدف التنسيق هو التوحد في محاربة عدو مشترك يتألف من مقاتلين سوريين يدافعون عن أرضهم، ودفعهم باتجاه عرسال وجرودها. هذا هو جوهر معركة القلمون الذي يكمن في خلق وتمكين خطاب دعشنة عرسال.

تتماهى إيران مع المنطق الأميركي الذي يعلن خشيته من سقوط الأنظمة في المنطقة. تقول للعالم ألا بديل عنها سوى داعش وهي لم تعد تريد الدفاع عنها بل إثبات صحة رؤيتها. تحتاج من أجل ذلك إلى تمكين داعش من السيطرة على كل المناطق التي تشهد اضطرابات في المنطقة وتحولها إلى الواقع البديل الوحيد. يأتي بعد ذلك القطف الإيراني للحصاد الذي زرعته داعش في الملف النووي لجهة إطلاق يدها بعنوان محاربة الإرهاب.

لا يعلم المرء إذا كانت إيران قد بلغت درجة عالية من سوء التقدير حتى تعتبر أن تمكين داعش سوف لن يصيبها في شيء، وأن داعش سيبقى بعيدا عنها؟ ربما اعتمدت على مهادنة داعش الطويلة للنظام، ولكن داعش لم يعد تنظيماً محلياً ولا إقليمياً، بل بات عالمي النزعة والطموح، وهو قد أعلن ذلك منذ فترة وقد برز هذا المعطى في سلوكاته ومنطقه.

بات داعش رافع لواء الغضب السني في مواجهة التنكيل الشيعي بالسنة الذي تقوده إيران، فهل يمكن له أن يكون صاحب هذا الشعار دون أن يتبعه بمجازر عابرة للحدود تصيب إيران وتؤذيها؟ هل كان داعش يعتبر شيعة القطيف سعوديين، أم مجرد شيعة تجتهد إيران في نسبتهم إلى مشروعها؟ كيف يمكن لشيعة إيران أن يكونوا خارج الاستهداف؟ تفبرك إيران سفينة نجاة عامرة بالثقوب، ولا تريد أن تركبها وحدها بل تريد إجبار الجميع على الصعود إليها.

نقلاً عن العرب اللندنية

بقلم: شادي علاء الدين

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق