خرافة «سُنّية» النظام ووظيفتها

أسوأ فكرة يمكن أن يستخدمها الأقلويون المعارضون لإثبات وطنية الثورة في سورية ورفع الاتهام الطائفي عنها، إضفاء طابع سنّي على النظام الذي انتفضت ضده عبر استدراج حُجج ركيكة من نوع أن وليد المعلم (السُنّي – الدمشقي) رئيس وفد النظام التفاوضي في جنيف،

وكذلك نائبه فيصل المقداد صاحب الأصول الدرعاوية. يُضاف إلى هذه الذرائع السطحية، تذكير ممل بأن تجار الطائفة السنّية ما زالوا حلفاء النظام الذي يشكل الجنود السنّة أيضاً حوالى 80 في المئة من جيشه. وغالباً ما تشطح المخيلة الأقلوية للبحث عن بعض الشبيحة من الأكثرية ووضعهم في صدارة أدوات القمع التي تستهدف الثورة.

والحال، فإن الدافع الأساس لدى عموم المعارضين الأقلويين لإلباس النظام ثوباً سُنّياً يتعلق بالثورة نفسها التي يطغى عليها طابع أكثري ينحو إلى التشدد. ما يعني نفياً صارخاً لوجود الأقليات في متنها وطرداً لكل مكون لا ينسجم مع توجهاتها المذهبية المستجدة. هذا الانغلاق الجماعاتي في سياق الثورة لم يستدع أي خطوة من جانب الأقلويين لإعادة تعريف أنفسهم عبر تطوير موقع جديد لهم في الثورة. على العكس، راح هؤلاء يعرّفون أنفسهم من خلال النظام «السنّي» الذي يقمع الحراك «الوطني – الجامع».

وقد لا يكون تطوير موقع جديد للقوى الأقلوية المعارضة سوى رسم سياق مستقل عن ذاك الذي فرزته الثورة وأغلقته على ذاتها. فهذا هو الحال لدى الجماعة الكردية التي فصلت مسارها عن الخط الذي جرت فيه الثورة بصرف النظر عن طبيعة القوى الفاعلة في هذا المسار.

أكثر ما كان يحتاجه الأقلويون هو صناعة ثوراتهم الخاصة وبناء خصومتهم مع النظام السوري في شكل يختلف عن خصومة الجماعة الأكثرية. صحيح أن عائلة الأسد اضطهدت الشعب السوري كله، لكن هذه الاضطهادات كانت مستقلة وحملت سياقات زمنية ووظائفية مختلفة. فكأننا أمام استبداد تمايزي متعدد وثورة كُلية مطلقة، أي أن النظام أكثر تركيباً وذكاء من الثورة المندلعة ضده.

ثم إن السوريين ونتيجة انعدام الوعي الوطني اعتمدوا في انتفاضتهم على هوياتهم البدائية، الطائفية والعشائرية والإثنية، ما يعني أن كل جماعة عليها أن تتمرد تبعاً لهوية مناقضة للجماعة الأخرى من دون أن تصطدم بها. لكن الأقلويين تخلفوا عن هذه الحقيقة معوّلين على مشتركات كان يضمحل الأمل بوجودها كلما ازداد الصراع تعقيداً ودموية. وهذا ما دفعهم إلى الإصرار على تعريف أنفسهم قياساً بالنظام وليس بالثورة التي تفننت في طردهم من متنها. فركزوا على سُنّية ضحلة داخل قياداته ومؤسساته وشخصياته، ليضمنوا استمرار موقعهم الوهمي في الثورة.

وكم يبدو سهلاً رد كل الحجج التي يستعملها العقل الأقلوي المعارض لإثبات الوجه السنّي للنظام، فيكفي أن نحدد مراكز القوة داخله والتي تتكثف في الأمن والعائلة ونواة القيادة العسكرية كي ندرك أن الوجوه السنّية السياسية منها والديبلوماسية ليست اكثر من مكياج يستخدم لتزيين الوجه الأسدي الفئوي القبيح.

كان من الواجب على المعارضين الأقلويين بكل انتماءاتهم الطائفية، أن ينتبهوا الى أن مواجهة طائفية النظام لا تتم عبر اتهامه بالصفة الأكثرية، وإنما بإنتاج طائفية مضادة تبحث عن موقع لها داخل الثورة. والطائفية في هذا السياق تعني إعادة تعريف الجماعات بناء على ثوراتها ضد النظام الذي استغلها واستبد باسمها. وهي بالضرورة ثورات متمايزة، تختلف عن تلك التي تخوضها الأكثرية.

نقلاً عن صحيفة الحياة، 24/2/2014

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق