حرب الثمان سنوات هبة الله للثورة الخمينية

احتدم الصراع بين الدولتين الجارتين عندما رد الخميني على الرسالة التي أرسلها الرئيس العراقي مهنئاً طهران وقادتها الجدد بالانتصار على نظام البهلوي. تضمن رد الخميني جملاً من التهديد والوعيد، وختمها بالعبارة التالية، ..والسلام على من اتبع الهدى، كما أن العراق قدم 290 مذكرة احتجاج موثقة في الأمم المتحدة على الخروقات الحدودية والتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي منذ أيلول عام 1979 إلى يوم بدء الحرب 22/9/1980، والذي قال الخميني عن هذه الحرب إنها نعمة إلهية.

تصادف هذه الأيام نهاية الحرب بين طهران وبغداد والتي بدأت بعد انتصار الثورة الإيرانية التي كانت نتيجة لتراكم العمل الثوري للشعوب في إيران وقواها السياسية المتنوعة في المسلك والمشرب، ولم يكون للإسلام السياسي في تلك المرحلة أية دور في إضعاف الشاه ونظامه المدجج بالسلاح والعتاد، والمدعوم من الغرب. لتنتهي هذه الحرب المجنونة التي حصدت قرابة المليوني شخص من الطرفين بوصف الخميني قبوله وقف إطلاق النار، أنه تجرع كأس السم.

وبالعودة إلى الثورة والأحداث التي رافقتها في أيامها الأولى، فكانت الخدعة الأولى التي مررها الخميني ومجموعته على عامة الشعوب في إيران هو الاستفتاء لتحديد شكل النظام، وذلك عندما احتدم الصراع بين القوى السياسية الفاعلة في انتصار الثورة، والتي كانت قد اتفقت قبيل الثورة مع الخميني الذي كان الأقوى بين رجال الدين على أن يكون شكل النظام جمهوري ديمقراطي يلبي مطالب القوى السياسية، ولا سيما حقوق الشعوب في إيران. ونتيجة لهذا الصراع اختلف القادة الجدد فيما بينهم على نوعية شكل النظام وفصل الدين عن السياسة، وعلى إثر هذه الخلافات دعا الخميني إلى إجراء استفتاء على نوعية شكل النظام، فكان النظام الجهوري الإسلامي هو الخيار الوحيد الذي تم الاستفتاء عليه والذي نال أكثر من 98% من الأصوات.

وعلى إثر هذا الاستفتاء ارتفعت حدة الخلافات بين قيادي القوى السياسية العلمانية المدنية ومنها “نهضت آزادي” و”حزب تودة” و”مجاهدي خلق” وغيرها من الأحزاب القومية والإشتراكية الأخرى من جهة، ورجال الدين ومناصريهم من جهة ثانية، وعلى ضوء هذه الخلافات تأسس أول حزب إسلامي في إيران بعد الثورة وسمي بـ “حزب جمهوري إسلامي”، وكان مؤسسي هذا الحزب مجموعة من رجال الدين وعلى رأسهم بهشتي وأردبيلي وهاشمي رفسنجاني وعلي خامنه­اي ومحمد جواد باهنر ومهدي كروبي، وغيرهم من السياسيين المحسوبين على الخميني أمثال ميرحسين موسوي وحبيب عسكراولادي.

هذا المشهد الجديد للثورة الإيرانية، بدأ يتحول إلى مشهد دموي وصراع حقيقي بين المكونات الفاعلة للثورة، وانطلقت شرارته من جامعة طهران حيث المتعلمين والأساتذة والطلاب الذين كانوا في غالبيتهم من مناصري القوى السياسية المدنية والعلمانية، الذين اتخذوا من الجامعات مقراً لنشاطهم السياسي الثوري الرامي لبناء دولة عصرية مدنية تحترم حقوق الفرد والجماعة في آن واحد.

هذا النشاط المنظم للقوى السياسية بات يشكل خطراً حقيقياً على رجال الدين مما دفع بمجلس شورى الثورة الذي أسسه الخميني (شوراى انقلاب اسلامى ايران) إلى “تنظيف الجامعات من هؤلاء الذين ينتقدون سياسات رجال الدين في الجمهورية الإسلامية” (كما جاء في بيان المجلس)، وأمهل المجلس هذه القوى السياسية ومناصريها ثلاثة أيام لترك مكاتبها.  رفضت هذه الأحزاب القرار ودخلت في مواجهات دامية مع رجال الدين ومناصريهم والتي عرفت هذه الأحداث في الشارع السياسي الإيراني بـ “الثورة الثقافية” (انقلاب فرهنگی). وعلى إثر هذه الأحداث تعطل التعليم الجامعي وأقفلت الجامعات أبوابها لمدة سنتين كما تم فصل المئات من الطلاب والأساتذة وحرمانهم من التعليم والعمل الأكاديمي.لم يتوقف هذا الصراع والاقتتال داخل اسوار الجامعة فحسب وإنما شمل كافة نواحي البلاد ودخل الصراع إلى مرحلة جديدة أكثر دموية، فكانت فرق الموت تجوب المدن والشوارع والمؤسسات الحكومية، وكانت الاغتيالات على أشدها في البيوت والمكاتب التابعة للأحزاب المعارضة والحكومة على حداً سوى. ومن الشخصيات المهمة والمؤثرة في الثورة التي اغتيلت في تلك الأيام المجنونة، والتي لربما قد غيرت مسير الثورة في حال بقيت على قيد الحياة، مطهري وبهشتي وطالقاني وغيرهم من الشخصيات العلمية والسياسية المعارضة، ولا سيما قادة العسكر في عهد النظام البهلوي السابق الذي أعترف الجزار خلخالي أنه أعدم 1700 ضابط بناءا على رغبة الخميني.

 انتقل هذا الصراع إلى الأقاليم الأخرى حيث الكورد في كردستان والتركمن في تركمن صحراء والعرب في الأحواز الذين غدرهم الخميني عندما ذهبت وفود من هذه الأقاليم لمدينة قم للمطالبة بالحقوق التي اتفق قادة هذه الشعوب مع مندوبين أرسلهم الخميني قبيل الثورة، لكن الأخير أنكر كافة العهود التي قطعها لهم، وعندما ثارت هذه الشعوب لاسترجاع الحقوق ذاقوا الويلات من جزار الثورة واليد اليمنى للخميني المجرم خلخالي المقبور والحرس الثوري المدجج بالسلاح، فكانت المجازر في سنندج وتركمن صحراء والمحمرة وغيرها من المدن العربية والكردية والتركية بالجملة.

نتيجة لهذه الخلافات الجوهرية في أهداف الثورة التي سرقت من قبل رجال الدين كانت الضرورة تملي عليهم تصفية الآلاف من المعارضين وخصومهم السياسيين، حيث يذكر خليفة الخميني، أية الله منتظري في مذكراته في الجزء الأول الصفحة رقم 620، “أن الذين تم اعدامهم من السجناء في عام1987 ما بين 2800 و3800 شخص”، لكن بعض القوى السياسية الإيرانية كـ “مجاهدي خلق” تؤكد اعدام 4672 سجين.

في واقع الأمر، لم تتم هذه التصفيات الجسدية لمعارضي النظام في طهران وغيرها من المدن الإيرانية لولا الحرب التي اندلعت بين طهران وبغداد والتي وصفها الخميني بالنعمة الإلهية على النظام الجمهوري الإسلامي حيث كانت قد شكلت غطاءاً لسحق الخصوم وذلك عندما التفّت الجماهير الإيرانية حول قادة الثورة في مقاومة العدو الخارجي، كما أن إصرار الخميني والقادة في طهران على استمرار الحرب هو ضرورة حتمية لا بد منها.

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق