حاجة الأسد لدولة داعش

منذ أسابيع عدة، يسعى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، لفرض سيطرته العسكرية على عدة مناطق في شمال سورية، وخاصة في شمال محافظة حلب، ومحافظة الرقة، وتحديداً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، والتي تعتبر “محررة” من سلطة النظام الأسدي، ومركزاً رئيساً لإدارة علميات الجيش السوري الحر في الشمال السوري، ومركزاً لانتقال الناشطين واللاجئين والمنشقين السوريين نحو تركيا.

هذا التنظيم القاعدي ذو الفكر الجهادي التكفيري، يضم بين صفوفه العديد من المعتقلين السابقين لدى نظامي الأسد ومالكي، الذين تم إطلاقهم بعد اندلاع الثورة بأشهر، كما وتم تهريب المئات منهم من السجون العراقية الشهر الماضي، عدا عن تعدد الجنسيات العربية وغير العربية في صفوف مقاتليه. ويسعى لفرض رؤية إيديولوجية إسلامية متطرفة، في كل من سورية والعراق، عبر تفسيرات مشوهة للنصوص الدينية.

إذ تشكل مساعيه للسيطرة على مناطق شمال سورية، ومحاولة الاستيلاء على المعابر مع تركيا، خطراً يحدق بالشمال السوري يهدد توقف الإمدادات العسكرية واللوجستية للجيش الحر في شمال سورية، كما ويطبق الحصار على هذه المنطقة بالاشتراك مع قوات الأسد جنوباً، أي أن ترافق الحصار مع قطع طرق الإمداد للجيش الحر، هي عملية تسعى تدريجياً للتحضير للانقضاض على الجيش الحر من جبهتين.

ففيما لم يستطع الأسد إحراز تقدم على جبهة حلب من أكثر من عام، رغم كثرة الوعود التي أطلقها بإتمام سيطرته خلال أيام أو أسابيع، وسقوط التعزيزات الكبيرة التي أرسلها أمام صمود قوات الجيش الحر، فيما كان اغتنام المزيد من العتاد وسيلة لتوسيع سيطرة الجيش الحر على مناطق أوسع ومحاصرة قوات النظام في بؤر محدودة، بل فتح الطرق للتواصل مع محافظات الرقة وحماة وإدلب. في ظل ذلك، تقدم “داعش” بما تقوم به من عمليات عسكرية مناهضة للجيش الحر وللناشطين الثوريين، سنداً لقوات الأسد. إذ تسلقت “داعش” على الإنجازات التي حققها الثوار والجيش الحر، قبل أن تحاول فرض أجندتها المتطرفة على الثورة ذاتها، في محاولة رسم صورة متشددة لمقبل الأيام ما بعد الأسد.

كما أنها بفرضها مواجهة مع فصائل الجيش الحر، فإنها بذلك تستنزف قواه وعتاده، وتدفعه لزج مزيد من قوته في تلك الجبهات، على حساب جبهات المواجهة مع القوات الأسدية.

يذكر أن “داعش” كانت قد أقدمت في بداية الشهر الحالي على إخلاء مقراتها حين حشد الولايات المتحدة أسطولها تحضيراً لضرب قوات الأسد. إذ تحسبت هي الأخرى لاحتمال أن تنالها الضربات الأمريكية تلك. فيما يعمل عديد من الناشطين ذوي التواصل مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالأمر، ومع الدول الغربية، لتوضيح ماهية هذا التنظيم، ومحاولة تصنيفه كطرف ثالث في سورية، كما تم تصنيف “حزب الله”.

وجود داعش خدم الأسد كذلك، عبر ترويج فكرة الجماعات الإرهابية لدى الرأي العام الغربي، وخصوصا مع تسريب فيديوهات للصحافة الغربية، بالتزامن مع تصويت البرلمانات الغربية على موضوع العمل العسكري، مما دفع قسماً من الرأي العام الغربي للتحفظ أو الاعتراض على تلك العملية العسكرية، بحجة أنها ستقوي البديل “القاعدة”، وهو ما يعتبر أكثر خطورة على المصالح الغربية من الوضع القائم، مستندين إلى جملة التوثيقات المصورة والمسربة في ذات الوقت.

لعل عملية توحيد الألوية في محافظة حلب، وتوضيح الصورة إعلامياً وسياسياً، وضبط المواجهة مع هذا التنظيم هي الوسيلة الأفضل حالياً لحماية الثورة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ومجتمعياً، وخاصة أن البيئات الحاضنة لداعش تظل بيئات محدودة، تتقلص باستمرار نتيجة التجاوزات التي يرتكبها هذا التنظيم، والتي قد تصل في بعض منها لجرائم ممنهجة ضد الإنسانية، على غرار الجرائم التي يقوم بها نظام الأسد تجاه المدنيين.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن الشبكة العربية العالمية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق