الحرس الثوري يأجج الفتن في خليجنا العربي

كثر الكذب في الآونة الأخيرة لدى الساسة في طهران، فهؤلاء الساسة المتصارعون على الغنائم يحصلون عليها بين الفينة والأخرى من العقود الاقتصادية، ولا سيما من النشاطات التجارية المتنوعة التي توفرها لهم الشركات الخاصة التابعةللحرس الثوري والمنتشرة في العديد من دول الجوار وخاصة في منطقة الخليج العربي، مما جعل هذا الصراع يطفو يوماً بعد يوم إلى العلن. ولكثرة ملفات الفساد الاقتصادي لدى القضاء الإيراني تزلزلت كلياً سمعة النظام الجمهوري الإسلامي في إيران، وخاصة سمعة المؤسسة الدينية “حوزه علميه” التي قد تكون تعفنت في الشارع الإيراني كـ عملة “التومان”.

وإذ نظرنا للحياة السياسية في إيران، نرى وبوضوح أنّ هنالك فوضى سياسية بكل ما تعني الكلمة من معنى، بحيث لا توجد حياة حزبية مطلقاً، وإنما هنالك مجموعات اقتصادية-دينية-سياسية تسعى من خلال تقربها من “بيت رهبري” أي بيت المرشد (ولي الفقيه)، للوصول إلى السلطة. هذه الفوضى انعكست على كافة المؤسسات الحكومية وخاصة مؤسسة الإعلام الإيرانية التي يتحكم فيها هرم النظام (ولي الفقيه) منذ انتصار الثورة في عام 1979، فـهذه المؤسسة الإعلامية باتت آلية تستخدمها مؤسسة الحرس الثوري العملاقة ذات النشاط الاقتصادي والسياسي والثقافي والديني والعسكري والأمني العابر للحدود، وبأوامر مباشرة من بيت المرشد، بحيث تشير المعلومات أن القنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية للحرس الثوري أصبحت بالعشرات، ناهيك عن الصحف والجرائد والتي تعد بالمئات، علماً بأن هذه المؤسسات الإعلامية الطائفية التابعة للحرس الثوري تخاطب متابعيها في العالم العربي بحسب رغباتهم وتوجهاتهم، ولا سيما ميولهم الدينية والسياسية.

ما يهمنا هنا، أنه وفي الأيام الماضية، تناولت وكالة أنباء فارس “خبرگزاری فارس” التابعة للحرس الثوري ومقرها طهران، تقريراً يفيد “بأن حكام دولة الإمارات العربية المتحدة يوظفون شركة أمن لحماية قصورهم من انتفاضات شعبية محتملة !!”. وجاء هذا التقرير المشكوك فيه، وغير المهني، والمليء بالمغالطات، موجهاً ضد دولة متقدمة على إيران بعشرات السنين كـدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي باتت صرحاً عربياً وإسلامياً نفخر به كلنا شعوباً وحكومات عربية.

في جانب آخر من هذا التقرير، والذي يفوح من طياته الحقد والكراهية للعرب، وخاصة أبناء الخليج العربي، أورد أنّ مصدراً مقرباً من العائلة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة قال لوكالة فارس للأنباء: “إنّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، وعدد من إخوته ومن الشيوخ الإماراتيين عينوا “بلاك ووتر” لحماية قصورهم”.

وحدد الحرس الثوري من خلال هذا التقرير، الذي أراد من خلاله أن يشتت الصف واللحمة الأخوية الإماراتية، التي يمتاز بها شعب الإمارات عن الفرس شعباً وحكومة، حيث ذكر التقرير أنّ “العائلة الحاكمة في الإمارات دفعت لـ “بلاك ووتر الأمريكية سيئة السمعة” 579 مليون دولار لحماية القصور والأبنية الحكومية من انتفاضات واحتجاجات شعبية محتملة”، كما ذُكِر في هذا التقرير الـ “كسروي” الحاقد على العرب: “وبحسب ذات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب سرية الموضوع، فقد تم توظيف “بلاك ووتر” لحماية قصور الشيخ محمد بن زايد في مدينتي العين وأبو ظبي فضلاً عن قصور الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حاكم دولة الإمارات، وشيوخ إماراتيين آخرين”. ويضيف الحرس الثوري في هذا التقرير الخائب، “إنّ ولي عهد أبو ظبي وظّف “إيريك برنس” مؤسس شركة بلاك ووتر لـيعمل على تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب تضم ما يناهز 800 مرتزق أجنبي في أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة”.

هذه المعلومات المغرضة، نفتها شركة بلاك ووتر جملة وتفصيلاً، حيث قال مؤسس هذه الشركة إنه لا يوجد أي اتفاق من هذا النوع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن جانب آخر قالت المتحدثة باسم إيريك برنس السيدة كيتي دينمان، إنه “لا برنس ولا بلاك ووتر يعملون أو سبق لهم أن عملوا في قطاع الأمن في دولة الإمارات، وجميع هذه التقارير مغلوطة.”

ومن خلال المعطيات والقرائن الموجودة والتي بات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يدرك الحقيقة وبوضوح، فإن غاية الحرس الثوري هي زرع وإثارة الفتن والقلاقل داخل المجتمع العربي منذ انتصار الثورة في طهران عام 1979، وهذه الخزعبلات لن تؤثر بعد على توجهات المواطن العربي لا في الخليج العربي، ولا في أية منطقة عربية أخرى.

هنا يبدو غفل قادة الحرس الثوري في تقريرهم المغلوط هذا، ذات يوم، وليس ببعيد، حيث رأى المارة ويقيناً منهم الإيرانيين والذي يصل عددهم إلى مئات الآلف، والذين تفضلت عليهم دولة الإمارات بأن يسترزقوا من خيراتها وبين شعبها الأبي والكريم، حينما كان ولي العهدالشيخ محمد بن زايد آل نهيان جالساً على الرصيف وبين أحضانه طفلة إماراتية لساعات أمام إحدى المدارس الابتدائية نتيجة تأخر والديّ الطفلة عنها بعد نهاية اليوم الدراسي. ويقيناً شاهد قادة الحرس الثوري الذين يقفون خلف هذا التقرير أنه وفي الأيام الماضية، رأى العالم أجمع حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما تسوق كـغيره من أبناء الإمارات، باعتباره مواطناً كسواه بين أبناء وطنه الحبيب، وأخيراً وليس آخراً، بدون شك يعلم قادة الحرس الثوري علم اليقين قصة باني دولة الإمارات زايد الخير، ومدى حب الشعب الإماراتي الوفي لقادته العظام.

جمال عبيدي 

رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث- لندن

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق