إيران تستثمر في ‘انتصارات’ داعش

أي تناغم استراتيجي وفكري غمر عقلي ‘الخليفة’ البغدادي، والمرشد خامنئي فجأة، لتصبح السعودية موضع الهجوم والتحريض والاستهداف في هذا التوقيت من قبل التنظيم الإرهابي.

ليس فقط احتلال الرمادي العراقية، ومن بعدها مدينة تدمر السورية، هما “الانتصاران” الوحيدان لتنظيم داعش الإرهابي في الفترة الأخيرة، فتفجير مسجد قرية القديح في محافظة القطيف السعودية، يعد اختراقا إستراتيجيا خطيراً يحققه التنظيم، في واحدة من أكثر الدول العربية تحصينا أمنيا، وهو الذي كان قد توعد قبل أيام، في كلمة لزعيمه أبو بكر البغدادي، باستهداف المملكة العربية السعودية، كما حرض سكانها على التمرد على الدولة، واستهداف “الرافضة” قبل غيرهم، حسب تعبيره.

تمدد التنظيم وإظهار قدرته على الاختراق، وتحريك أذرعه في دول جديدة، لم يُعرف له وجود سابق فيها، يأتي على الرغم من استمرار التنسيق بين عشرات الدول، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في حلف دولي واسع لمحاربة تمدده والقضاء عليه، والذي بدأ بالضربات الجوية، مرورا بالكثير من الإجراءات، التي من شأنها محاصرة مصادر تغذية التنظيم، بالعناصر البشرية والمالية.

هنا يصبح من المنطقي التيقن، من عدم جدية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في القضاء على التنظيم المتطرف، ويضعنا ذلك أمام التفكير في استخدام ما متعدد الأوجه، باتت تمارسه عدة أطراف إقليمية ودولية لتحركات التنظيم وتسهيلها، وذلك في سياق تسجيل النقاط الإستراتيجية المؤثرة واستثمارها في تعزيز تموضعاتها في المنطقة.

وهذا ما مارسته الولايات المتحدة طوال فترة تمدد “داعش” السابقـة في العراق، حيث بدت وكأنها تحارب بـ“داعش” نفوذا إيرانيا، أصبح مهيمنا بشكل مطلق على البلاد، في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بغية فرض تعديل توافقي في العملية السياسية، يتيح لها العودة من جديد إلى العراق، وتقاسم النفوذ فيه مع الجانب الإيراني.

كما أن الجانب الإيراني دأب على تحقيق المكاسب الميدانية، في معاركه ضد تنظيم داعش، لمواجهة هذا التوجه الأميركي الذي بدا واضحا بالنسبة له، ودفع الإيرانيون، بقاسم سليماني على رأس قيادة مجاميع ميليشيات الحشد الشعبي، توسطتها تشكيلات من الحرس الثوري الإيراني، وكان ذلك جليّاً في معارك حزام بغداد الجنوبي وديالى، ومن ثم معركة تكريت، حيث سعوا لإنجاز أكبر انتصار لهم، وامتنع التحالف الدولي عن تقديم الإسناد الجوي في المعركة، مما ظهر وكأنه “تعثير” أميركيا مقصودا للحؤول دون تحقيق الإيرانيين لنصرهم المشتهى.

كما برزت عدة اتهامات حينها، وجّهتها عدة جهات سياسية عراقية نافذة للأميركيين، بتقديم الدعم الخفي لمسلحي “داعش”، والتغاضي عن تحركاتهم المكشوفة لطائراتهم.

تعاظم قوة وخطر تنظيم “داعش”، سيتيح لإيران إعادة طرح نفسها كحليف استراتيجي في مكافحة الإرهاب، ومحاولة اللعب على إعادة توجيه الأولويات

ليتم في ما بعد إخراج نصر بطعم توافقي تمثل في إبعاد قاسم سليماني عن المشهد وإدخال طائرات التحالف بكثافة غير مسبوقة لحسم المعركة.

يأتي انسحاب الجيش العراقي من الرمادي مؤخرا، وكأنه خطة متعمدة لتسليم المدينة لـ“داعش”، فما ظهر بالتحليل، اعترف به رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان رسمي مؤخرا، مبينا أن مخالفة الجيش للأوامر بالتزام الأرض، كانت خلف انسحابه وسقوط المدينة، وتوعد بمحاسبة المخالفين، لتبرر إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للجيش العراقي انسحابه، بأنه تم نتيجة شعور الجيش بعدم مقدرة طائرات التحالف على إسناده جوا بسبب عاصفة رملية.

التبرير الأميركي الذي بدا ركيكا، أمام الأجواء الصافية، والخالية من أي عواصف رملية في الأيام القليلة التي سبقت سقوط المدينة، والتي فشل فيها طيران التحالف في عرقلة تقدم جحافل داعش في محيطها، يعتبره كثيرون تغطية على فشل إستراتيجية باراك أوباما برمتها.

كما وصف السيناتور الجمهوري جون ماكين، إستراتيجية الضربات الجوية بـ“غير المجدية”، وذلك لغياب قوات عسكرية برية أميركية على الأرض، تحدد للطائرات أهدافها، كما اعتبر ماكين وهو رئيس اللجنة العسكرية في الكونغرس الأميركي، الجيش العراقي بأنه لم يعد له وجود.

هنا يصح القول أن استخداما إيرانيا، لتمدد “داعش” قد بدأ، لتضيف إيران إلى رصيدها نقاط استثمارها لهذا التمدد، من أجل إعادة تعزيز تموضعها الإقليمي، والذي تضعضع بعد خساراتها المتتالية في سوريا، وإطلاق عمليات عاصفة الحزم ضد عملائهـا في اليمن والتي شكلت لها ضربة من خارج السياق، وهي التي كانت تعول على منجزات هيمنتها الإقليمية خصوصا بعد احتلال عملائها الحوثيين صنعاء، في فرض خيـاراتها على طاولة التفاوض النووي، وانتزاع اعتراف بما تعتبره حقوقا إقليمية، وهو ما وعدها الرئيس الأميركي باراك أوباما به، في حال التوصل لاتفاق نووي يرضي جميع الأطراف، كما أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني سابقا، استعداد بلاده خوض مفاوضات الربح للجميع.

عمدت إيران على تسهيل تمدد “داعش” في الرمادي بسحب الجيش، والذي تسيطر على مفاصله عبر قيادات ميليشياتها، وربما سهلت ذلك في تدمر السورية أيضا، حيث بدا سقوطها وكأنه تسليم مشابه لتسليم الرمادي.

تعاظم قوة وخطر تنظيم “داعش”، سيتيح لإيران إعادة طرح نفسها كحليف استراتيجي في مكافحة الإرهاب، ومحاولة اللعب على إعادة توجيه الأولويات، من أجل صد الخطر المتعاظم والذي بات يسيطر على قرابة نصف مساحة سوريا، وثلث العراق. وليس صدفة أن يأتي تفجير القطيف في عمق المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع التمدد السريع لـ”داعش” في العراق وسوريا.

لتخرج الناطقة باسم الخارجية الإيرانية، لتحاضر في “مواجهة ومكافحة المجموعات الإرهابية والمتطرفة وعدم التورط في مغامرات خارجية ووقف فرض تكاليف لا تعوض، على شعوب المنطقة كخطوات ضرورية يجب وضعها في الأولوية” على حد قولها الموجه، بشكل مباشر، للمملكة العربية السعودية.

هنا تبدو إيران داخل لعبة الاستخدام والاستثمار للتنظيم الإرهابي، ومن غير المستبعد ضلوعها المباشر في توجيه وتسيير خلاياه وأذرعه وفروعه في عمق مختلف دول التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية.

فأي تناغم استراتيجي وفكري غمر عقلي “الخليفة” البغدادي، والمرشد خامنئي فجأة، لتصبح السعودية موضع الهجوم والتحريض والاستهداف في هذا التوقيت بالذات من قبل التنظيم الإرهابي، بينما تسقط إيران دائما عن لسان خليفة داعش عمدا، وتبقى بعيدة، كل البعد، عن انتحارييه وإرهابييه.

نقلاً عن العرب اللندنية

بقلم: الوليد خالد يحيى

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق