أزمات الداخل التي تقلق نظام الملالي والبحث عن مشجب جديد

يحاول المسؤولون في إيران في ظل الكلام عن اقتراب حل للأزمة النووية مع الغرب، إيجاد مخرج لخزيهم الماضي في تعليق فشل إدراتهم للبلاد على عدو خارجي فرض عقوبات دولية على دولتهم، فبدأوا يحاولون إقناع الرأي العام أن ما يعانيه الشعب الإيراني ليس بسبب الأزمة النووية فحسب، إذ أنه لسنوات كانت ترمي طهران بأسباب الفقر والبطالة والمشاكل الداخلية على مشجب العقوبات الغربية على البلاد، فكلما طالب الشارع بحقوقه، وجه النظام الإيراني اللوم إلى الغرب ونوه للداخل أن القوى “الاستكبارية” هي سبب مشاكل إيران الداخلية وخاصة الاقتصادية، بذلك كان يجد مخرجاً ومبرراً لفشل إدارته للبلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مغطياً بذلك على حجم الفساد المالي والإداري المتفشي في كافة مؤسسات الدولة.

الآن ينتظر الشارع الإيراني الكثير من التغييرات بعد التوصل إلى اتفاق نووي، وذلك لمعرفته المتواضعة والمغلوطة – والتي استند على كلام المسؤولين الإيرانيين فيها – أن التوصل إلى اتفاق نووي شامل بين إيران والغرب سيؤدي إلى حلحلة كافة مشاكلهم لاقتصادية، لذا هلل وخرج مباركاً هذه الخطوات، لكن النظام انتبه إلى هذه الجزئية، ليقوم لاحقاً بإعداد حملة ترمي بأسباب المشاكل الداخلية إلى مسببات أخرى، كل ذلك لكي لا يحمل الشارع الإيراني توقعات أكبر من المتاح، فالنظام الإيراني يعلم علم اليقين أن واقع البلاد السيئ يعود إلى آلية عمل النظام أولاً وإلى حجم الفساد المستشري ثانياً، والذي أصبح حالياً عماد السلطة.

في واقع الأمر، فإن القضاء على الفقر وتطوير البلاد هو أمر خيالي في إمبراطورية الخوف والتسلط، لذلك فإن المسؤولين أخذوا بإطلاق تصريحات مفادها أن على الشارع الإيراني أن لا ينتظر الكثير، وأن الواقع السيئ للبلاد لا علاقة له بفرض العقوبات سوى بنسبة بسيطة، فبات الإعلام الإيراني يظهر الواقع المأساوي للداخل الإيراني، ولا تزال الصحف الإيرانية تنشر عن واقع البلاد السيء للغاية، والذي ينعكس على ملفات الصحة والتعليم والآفات الاجتماعية المتنامية في إيران، وفي قراءة سريعة لبعض الصحف الإيرانية نستكشف بعد مواقع الخلل الحقيقية في هذا البلد، وبداية من صحيفة رسالت نقرأ عن “مشكلة اقتصاد البلاد في الإدارة”، وتحت هذا العنوان نقلت صحيفة “رسالت” تصريحات رئيس مكتب رئيس الجمهورية “محمد نهاونديان” حول مشاكل الاقتصاد في إيران، والتي اعتبر فيها أن مشكلة الاقتصاد الإيراني في الإدارة وليست في الثروات والموارد ورأس المال، وقال على الجميع أن يسير جنباً إلى جنب لخلق عملية تحسين الإدارة على كافة المستويات.

كما جاءت هذه المرة محاولة تكييف الرأي العام الإيراني في موضوع صدمة خداع الاتفاق النووي على لسان أعلى منصب في إيران، وهو المرشد علي الخامنئي، إذ قامت الصحف الإيرانية وتحت عنوان “حل المشاكل الاقتصادية للشعب ليس في الخارج وإنما في الداخل”، بنقل تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي التي ألقاها أمام جمع من العمال بمناسبة يوم العمال، والتي أكد فيها أن مفتاح حل المشاكل الاقتصادية لإيران لا يتواجد في لوزان أو جنيف أو نيويورك، بل في داخل البلاد، كما أكد على ضرورة التركيز على قضية الإنتاج الداخلي لحل المشاكل الاقتصادية، مشدداً بالقول: المواد التي تدخل في الاستهلاك الحكومي يجب عدم تأمينها من الخارج مطلقاً، ولفت الخامنئي إلى أنه على الحكومة أن تتخذ قراراً بمقاطعة استهلاك السلع الخارجية التي يمكن إنتاجها في الداخل.

وفي إشارة إلى أحد العوامل الحقيقية في تردي الحياة المعيشية في إيران وهو الفساد المستشري، نقلت صحيفة “آفرينش” تحت عنوان “مكافحة الفساد لا ينبغي أن تستخدم للدعاية السياسية”، ردة فعل رئيس السلطة القضائية في إيران “آملي لاريجاني” بخصوص موضوع “الأموال القذرة” والتي أكد فيها أن مكافحة الفساد لا ينبغي أن تستخدم من أجل الدعاية السياسية، وأشار إلى ضرورة مكافحة الفساد بعيد عن تحقيق أهداف سياسية.

أما على صعيد الصحف التي تنشر الواقع الإيراني بأبعاده المأساوية فنقرأ عن “وجود أكثر من مليون و500 ألف إيراني مصابون بالتهاب الكبد الوبائي”، وتحت هذا العنوان نقلت صحيفة “حمايت” تصريحات رئيسة شبكة التهاب الكبد الوبائي “سوسن نوري” والتي قالت فيها: هناك أكثر من مليون و400 ألف شخص في إيران مصابون بالتهاب الكبدوما بين 200 إلى 300 مصابون بالتهاب الكبد الوبائيC، فيما عنونت صحيفة حمايت” 1400 مليار تومان، التكلفة السنوية لمرضى غسيل الكلى”، وتحت هذا العنوان أوردت الصحيفة تقريراً عن مرضى الكلى في إيران، وجاء فيه: أمراض الكلى تنتشر بشكل واسع في المجتمعات الصناعية، وتشير التقديرات إلى أن 10% من مجموع البالغين في إيران مصابون بأمراض الكلى على درجات، وحسب التقارير الرسمية فإن هناك 6 مليون من بين 50 مليون شخص بالغ في إيران مصابون بأمراض الكلى، وسنوياً يضاف إليهم ما بين 5 إلى 6 آلاف مريض آخر، وسيصل هذا الرقم إلى 9 آلاف شخص في عام 1400 (2020م)، بعبارة أخرى فإن 7.5% يضافون سنوياً إلى مرضى الفشل الكلوي في إيران، ونظراً للنمو السكاني المرافق لزيادة أعداد هذا النوع من المرضى فإن تكلفة علاج هؤلاء المرضى سيصبح عبئاً وتحدياً اقتصادياً على الدولة، إذ أن التكلفة السنوية لمرضى غسيل الكلى هي 1400 مليار تومان، وهو ما نسبته 20% من ميزانية الصحة في البلاد.

وفي إشارة أخرى إلى أحد الأمراض الاجتماعية الأكثر انتشاراً في إيران نقرأ تحت عنوان “80%  من المدمنين الذين يتم علاجهم يرجعون مرة أخرى إلى الإدمان”، وتحت هذا العنوان نقلت وكالة أنباء فارس تصريحات نائب مدير مكافحة المخدرات في إيران “علي رضا جزيني” التي أكد فيها أن عدم الاهتمام بظاهرة الإدمان أدى إلى أن 80% من المدمنين الذين تم علاجهم يعودون إلى الإدمان مرة أخرى.

وقد نبهت صحيفة آرمان تحت عنوان “التحذير من ارتفاع إحصائيات الإيدز والإدمان على المخدرات بين النساء”، إلى تحذيرات مساعدة الرئيس الإيراني في شؤون المرأة والأسرة “شهيندخت مولاوردي” حول ارتفاع معدلات الإصابة بمرض الإيدز والإدمان بين النساء، مؤكدة على وجوب وضع الخطط وزيادة الاهتمام الاجتماعي بالمرأة من أجل التصدي لمثل هذه الظواهر، وأضافت الصحيفة أن النساء تشكل ما نسبته 35% والرجال 65% من مجموع المصابين بمرض الإيدز وتشكل النساء كذلك ما نسبته 10% من مجموع المدمنين على المخدرات في إيران.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

 

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق