واقع «الأحزاب السياسية» في البحرين بين النص الدستوري والممارسة

كيف يمكن أن تؤسس حزبا سياسيا في دولة خليجية كالبحرين مجتمعها تعددي فسيفسائي خليط من طوائف وإثنيات وأديان دون أن يؤثر ذلك على نسيجها الاجتماعي؟
كيف يمكن أن تتجنب أن يكون هذا النشاط السياسي المشروع عاملا من عوامل القسمة والتخندق بين تلك التشظيات الاجتماعية ومفسدا لتلك البيئة المثالية الحاضنة للتعددية الاجتماعية؟
في دولة تحكمها القبيلة والأسرة بنظام سياسي توارثي للحكم مضى عليه أكثر من مائتي عام – كحال معظم دول الخليج – كيف يمكن أن تتجنب الصدامات بين تلك الأحزاب مع هذه النظم الوراثية، وألا يكون العمل الحزبي عاملا من عوامل الاضطراب وعدم الاستقرار والصراع السياسي في الدولة؟
ثم كيف لهذا النمط السياسي – الأحزاب – في دولة هي عضو ضمن منظومة إقليمية تضمه مع 5 دول أخرى لا توجد في معظمها حياة نيابية أو تجيز في نظامها السياسي تشكيل الأحزاب؟ كيف لهذا النمط السياسي أن يكون عاملا من عوامل استقرار هذه المنظومة لا عاملا من عوامل اضطرابها والإخلال بأمنها خصوصا وهو ينفرد عنها بهذه الخاصية؟
وهل من الممكن أن جماعات بحرينية تؤمن «بالأمة» حاضنا وإطارا جامعا لها، كالجماعات الدينية التي لم يتبلور منهجها بعد حول الدولة واستحقاقاتها، أن تؤسس «أحزابا سياسية» مدنية بالمعنى العصري الديمقراطي الحديث، وأن تساهم في إدارة دولة كوظيفة من وظائف الحزب السياسي وهي لا تؤمن بحدود الدولة السيادية أصلا؟
في دولة حديثة العهد بشرعنة العمل السياسي كحق يكفله الدستور كالبحرين أصبحت هذه الأسئلة «معضلة» ليست محلية فحسب بل معضلة إقليمية ودولية، فالأمر لا يقف عند شرعنة الحق وكفالته دستوريا، إنما يمتد ليطرح سلسلة من الأسئلة المشروعة هي تبعات وتداعيات هذه الشرعنة.
تلك أسئلة فتحت شهيتها مجريات الأحداث في مملكة البحرين، وتستحق أن نقف عندها لتكون دراسة حالة ميدانية نتعلم منها جميعنا في دول الخليج والأمر سار حتى على كثير من الدول العربية حديثة العهد بالحياة النيابية والعمل الحزبي السياسي.
مضى على العمل بالدستور البحريني الذي أجاز حق تشكيل الأحزاب السياسية أو كما تسمى في البحرين «الجمعيات» 12 عاما، وقد نص الدستور على هذا الحق ونظمه قانون خاص به حين صدر قانون الجمعيات السياسية مستندا إلى الدستور البحريني أولا وعلى مجموعة من المراسيم والقوانين ومن ضمنها مرسوم بقانون رقم 41 لمباشرة الحقوق السياسية ونص على التالي:
المادة (1) للمواطنين – رجالا ونساء – حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الانضمام لأي منها، وذلك طبقا لأحكام هذا القانون.
المادة (2) يقصد بالجمعية السياسية كل جماعة منظمة، تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين.
ولا تعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية أو علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو مهنية.
المادة (3) تسهم الجمعيات السياسية التي تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة. وتعمل باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميم الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية، وذلك كله على الوجه المبين بالدستور وميثاق العمل الوطني.. إلخ.
البحرين 2002: تأسست منذ ذلك التاريخ 18 جمعية سياسية، لها أعضاؤها ونظامها الداخلي ومقارها وشارك معظمها في الانتخابات التي جرت للفصول التشريعية الأربعة وحصلت على مقاعدها في المجالس النيابية والبلدية.
تجربة فريدة من نوعها «خليجيا» لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل الدارسين والمراقبين الخليجيين أو العرب أو حتى الأجانب، بل الأدهى أن كثيرا من الباحثين والمحليين السياسيين الخليجيين يجهلون هذا الواقع، ويعتقدون أن مسمى «جمعية» الذي يرافق مسميات الأحزاب السياسية البحرينية كجمعية الوفاق أو جمعية المنبر الديمقراطي، يضعها ضمن نطاق المؤسسات النفعية التي سمح لها – تجاوزا – العمل السياسي كما يجري الأمر في الكويت، أو أن «الجمعية» لا ترقى إلى أن تكون حزبا سياسيا بالمفهوم الغربي واستحقاقاته، في حين أن الـ18 جمعية تمارس نشاطها السياسي الكامل الدسم دون قيد، ولا ينقصها سوى اختصاص أن تشكل الحكومة من كتلة الأغلبية النيابية، وهذا شكل من أشكال النظم السياسية حتى وإن كان متقدما إلا أنه ليس هو الوحيد المعمول به في الغرب، عدا ذلك فالحق منصوص عليه دستوريا ومنظم بقانون. وجود بعض القصور أو الفجوة في الاختصاصات والصلاحيات بين نص قانون الجمعيات السياسية البحريني، مع نصوص لقوانين الأحزاب السياسية في أي دولة غربية ديمقراطية لا يقلل من أهمية التجربة الفريدة بحد ذاتها، فالممارسة والتطبيق في دول خليجية بكل ما تحمله تلك الهوية من خصوصيات تجربة يجب أن تخضع للدراسة والبحث.
من المثير لاهتمامات الباحثين أن نتعرف على كيفية تعاطي الحكم في البحرين كملك وكأسرة مع هذا المتغير الجديد، كيف تأقلم الحكم مع مجموعات حزبية منظمة من المفروض أن تشاركهم شؤون إدارة الدولة عن طريق مباشرة حقها السياسي وستراقب أداء وزراء بعضهم من الأسرة.
من المثير للاهتمام أن نراقب كيف تعاطت جماعات مؤدلجة فكريا يسارية الهوى والتاريخ مع خصوصية الحكم في الخليج وواءمت بين تلك الخصوصية وبين تصورها هي للعمل الحزبي؟
من المثير أن نتابع مدى قدرة جماعات أممية مرجعياتها الدينية والسياسية غير محلية عابرة للحدود السياسية مع هذا المتغير، وهل نجحت في ضبط امتدادها والتزمت بما ينص عليه دستور يجرم الاتصال الخارجي وكيف جمعت بين النقيضين؟
من المفيد أن نرى كيف انعكس موروثنا الثقافي فيما يتعلق بالمرأة والأقليات والتعددية وقبول الآخر على العمل الحزبي الوطني.
إن تداعيات الفجوة الحضارية بيننا وبين الدول الغربية فيما يتعلق بالتطور السياسي ليست محصورة عند الأنظمة الحاكمة فقط بكل تلاوينها وأنماطها ملكية كانت أو جمهورية ديكتاتورية مركزية أو دستورية أو بين البينين، تلك الفجوة الحضارية صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين فيما يسمى «الأحزاب السياسية» في التجربة البحرينية تحديدا.
لدينا كل التشوهات الخلقية نتيجة ذلك التهجين الخاطئ الذي يحتاج إلى تقييم حيادي ودراسة موضوعية تضع مرآة عاكسة أمام تلك الأحزاب لا من أجل هدمها أو نفيها أو إلغائها بل من أجل أن نعالج تلك التشوهات، ونعيد ترتيب الأوضاع بشكل يخدم الصالح العام، ويجعل من التجربة البحرينية أنموذجا يقتدى به لا نموذجا مخيفا مرعبا لا يشجع بقية الدول على الاقتداء به.
هذه دعوة لمراكز البحوث الخليجية والعربية لدراسة هذه الحالة وتسجيل ملاحظاتها لخدمة تطور النظم السياسية خليجيا ولتجسير الفجوة بين الواقع والطموح.

سوسن الشاعر

نقلا عن الشرق الأوسط

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق