هل بالفعل أوروبا أقوى مما كانت عليه قبل خمسة أعوام؟

أوضحت ميركل رئيسة ألمانيا وزعيمة أوروبا، بأن ألمانيا اتفقت على الانتظار لحين إجراء استفتاء في اليونان، وقالت لا يمكن التفاوض حول برنامج مساعدات جديد قبل الاستفتاء، بل كذلك يتطلب أيضا تفويضا من البرلمان.

وأكدت ميركل أن أوروبا قوية، أقوى مما كانت عليه قبل خمسة أعوام مع بداية أزمة الديون الأوربية التي صارت خاتمتها في اليونان.

أكد رئيس الحكومة اليونانية تسيبراس بقاء اليونان في منطقة اليورو، بينما الاستفتاء الشعبي حول شروط الدائنين لبرنامج إنقاذ جديد لا يتعلق ببقاء أو إنهاء بقاء اليونان في منطقة اليورو.

الاستفتاء الذي يتعين فيه على اليونانيين أن يحددوا موقفهم من تدابير التقشف التي عرضها الدائنون، والتي جاءت نتيجة الاستفتاء  حاسمة بفوز رافض خطة الدائنين بدعوة الحكومة اليونانية برئاسة الكسيس تسيبراس.

لم تتمكن أثينا من تسديد 1.5 مليار يورو مستحقة في 30 يونيو 2015 حيال صندوق النقد الدولي من أصل دين 32.5 مليار يورو يطالب بتسديدها على مدى عشر سنوات، وهي مؤسسة مالية تتخذ من واشنطن مقرا لها وستحرم من موارد الصندوق مستقبلا، اليونان غارقة في ديون، استفحلت الأزمة المالية لينتقل الدين العام من 107 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الداخلي في 2007 إلى 177 في المائة عام 2014 أي 317 مليار يورو.

منح الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي وصندوق النقد الدولي أول خطة مساعدة بقيمة 110 مليارات يورو إلى اليونان في 2010 مترافقة بخطة تقشف متشددة، وأمام تدهور الوضع باتت خطة إنقاذ ثانية أمرا ضروريا في عام 2012 تقضي بمنح قروض إضافية بقيمة 130 مليار يورو رافقه شطب كثيف للدين الخاص 107 مليار يورو مقابل تدابير جديدة لتصحيح مالية البلاد

اليونان حريصة على اتفاق يتضمن آلية الاستقرار الأوروبية من أجل ضمان دين قابل للتسديد مع التركيز على احتمالات النمو، خصوصا بعد تصويت غالبية اليونانيين بالرفض على شروط اتفاق الإنقاذ المقترح من المقرضين الأجانب.

من الممكن التوصل إلى اتفاق إنقاذ جديد لليونان قبل موعد استحقاق سندات قيمتها 3.5 مليار يورو للبنك المركزي الأوربي، هناك برنامج إنقاذ جديد لمدة عامين يتضمن 29.1 مليار يورو من أجل التوصل لاتفاق يمهد لعودة الاستقرار إلى اليونان ويطمئن أوروبا والعالم.

ترفض الحكومة اليونانية شروط الدائنين، واقتراحها البقاء على خفض ضريبة القيمة المضافة، وإيقاف شروط العجز بأن يكون صفرا، وأن اعتماد إطار جديد لنظام العمل سوف يتم تعديله وتطبيقه في خريف 2015، ورفض تطبيق زيادة الضريبة على السلع الاستهلاكية الضرورية مثل الحليب والأدوية والخبز، وعدم خصخصة مؤسسات نقل الطاقة والكهرباء، وعدم تطبيق عدد من التدابير التي اقترحتها المؤسسات الدائنة على الفور بل يتم تطبيقها تدريجيا حتى تجد الحكومة إجراءات مماثلة واستبدالها.

لكن أوروبا تتهم اليونان بحكومة ما زالت عاجزة عن جباية الضرائب، إضافة إلى تهرب ضريبي هائل، ومحسوبية ونفقات مرتفعة جدا في الميزانية، انخفض دخل الفرد نتيجة هذه السياسة بأكثر من ثلاثة آلاف يورو وارتفعت البطالة أربعة أضعاف من 7.8 في المائة عام 2008 إلى 27.5 في المائة عام 2013 بحسب يوروستات.

وزير المالية الألماني قال إنه لا يمكن أن ترجع أثينا بالزمن إلى الوراء بسهولة، وأن وزراء مالية أوروبا أبقوا الباب مفتوحا على المفاوضات، وحصول اليونان على مساعدات جديدة محتملة يتعين أن يأتي من مظلة إنقاذ اليورو الدائمة (إي إس إم)؛ لأن شروط هذه المظلة مختلفة نوعا ما.

ومن أجل دعم اليونان دعت كثير من المبادرات الألمانية للقيام بمظاهرات تضامنية لأجل اليونان في مدينة شتوتغارت الألمانية قبل الاستفتاء، وإطلاق فعالية المظاهرة تحت شعار (إنهاء التقشف الشديد لليونان، لأجل أوروبا متضامنة).

إذا كان تصويت اليونان بنعم، فإنها قد تواجه سنوات من الانكماش والكساد، في الحقيقة أخفقت حكومة سيريزا في برنامج موثوق للإصلاحات يمكنه حل المشاكل المتعددة التي يعانيها الاقتصاد اليوناني ونظام الحكم، بدلا من تلك الإصلاحات لجأت إلى إيماءات شعبوية،  فهي حكومة أنتجتها الأزمات.

مع كل الأخطاء تلك، تعد التكاليف غير مستردة، تحتاج اليونان للنمو، في الواقع يفسر الانهيار الاقتصادي سبب انفجار دينها العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فأي برنامج عليه أن يساهم في ترسيخ النمو، مركزا على إصلاحات تعزيز النمو، مع الوعد بتخفيف عبء الديون عند الانتهاء من هذا البرنامج، وهو ما يحتاج اليونان إلى رفض شروط التقشف التي يفرضها الدائنون، لأن إنقاذ الشعب والسيادة أولى من إنقاذ الدائنين.

يمكن إعادة رسملة النظام المصرفي عن طريق تحويل المطلوبات المصرفية غير المؤمن عليها إلى أسهم، رغم أنه يفرض صدمة على ثروا ت القطاع الخاص، ولكنه أمر ممكن من الناحية الفنية.

خروج اليونان من منطقة اليورو التي انضمت إليه في عام 2001 وهي إحدى الدول ال 19 في منطقة اليورو، سيحدد مستقبل عملية التكامل الأوربية، ويعني فشل أيضا سياسة إدارة الأزمة، وإذا لم تعط أوروبا المال لليونانيين سيتجهون إلى روسيا، ولا تنسى ميركل زعيمة أوروبا كيف فرضت معاهدة فرساي التي وقعت في نهاية الحرب العالمية الأولى على ألمانيا شروطا قاسية جدا شجعت على تنامي النازية، لذلك لا يوجد خيار أمام أوروبا سوى التعاون بين ألمانيا وفرنسا على إخراج اليونان من أزمتها.

 اليونان اختارت أهون الشرين، ومن حظ اليونان أنها عضو تحت مظلة الاتحاد الأوربي، الذي يبحث معها عن حلول إنقاذية، لأن الديون سلاح مدمر، بينما أساس التجربة الأوروبية نبيلة وواعدة لتحقيق السلام الرأسمالي، الذي تمكن من إضفاء صبغة إنسانية على الأوروبيين بعدما عانوا مرارة الحروب مع بداية القرن العشرين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق