هل أصبحت داعش رأس الحربة في تفتيت المنطقة؟

من نابليون بونابرت إلى بوش يدعون بأنهم يريدون جلب الحرية والإصلاح إلى الشرق الأوسط، كما التفسير الخاطئ للإسلام هناك تفسير خاطئ للنصرانية، يلعب دورا متزايدا في أمريكا وأوربا في إفراز متطرفين أكثر تطرفا، فاليمين المسيحي في الولايات المتحدة ضد مشروعات الرعاية المتكاملة للفقراء وهو يستغل عقل الأمريكي إلى التبسيط فيتلاعب به مصورا له الحرية بأنها حرية امتلاك السلاح وحرية استخدامه، وحرية السوق حرية مطلقة ولو أدى ذلك إلى تدمير البيئة والصحة العامة.

كان نابليون جنديا لامعا ارتفع كفقاعة خلال زمن الاضطرابات وإراقة الدماء، وسيطر على إيطاليا والنمسا وروسيا وإسبانيا حتى استبدل الجمهورية الفرنسية بالإمبراطورية، حوافزه كانت عبارة عن ألاعيب مشوشة للذهن ومن تلك الحوافز أنه أراد سلاما وعدلا ووحدة أوربية، لكن نابليون سقط من علو شاهق وتحللت إمبراطوريته لم تعقله واشنطن زمن بوش الابن، بسبب اجتياحه روسيا التي لم تهاجمه روسيا دافعين بنابوليون إلى التقدم على نحو يزداد عمقا في كتلة الأراضي الروسية الضخمة والطقس الروسي الرديء الذي أفشل هتلر أيضا، ما إن بلغ نابليون موسكو ظن أنه ربما انتصر، غير أن الروس أحرقوا موسكو وانسحبوا ثانية بعدما توقع نابليون أن يتوسل إليه القيصر من أجل السلام، ما جعله يقرر الانسحاب عام 1812 بعد هلاك القسم الأعظم من الجيش الكبير.

يبدو أن الرؤساء الأمريكيين لم يعقلوا درس سقوط نابليون، لكنهم راهنوا على قوتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية التي لم تتمتع بها أي دولة في العالم، فالزعماء الأمريكيين ترجموا كتاب مشروع بيريس للشرق الأوسط الجديد على أرض الواقع عن طريق المحافظين الجدد صهاينة البيت الأبيض انتقدهم الكاتب بايت نيوكائن في مقالة تحت عنوان حرب من؟ بمجلة المحافظة الأمريكية الصادرة في 24 مارس 2003 والتي يقول فيها نحن نتهم عصابة من المسؤولين بأنهم يسعون لتوريط الولايات المتحدة في سلسلة من الحروب لا تخدم المصالح الأمريكية، نتهمهم بأنهم يتعاونون مع الكيان الصهيوني لإشعال هذه الحروب، وتدمير اتفاقيات أسلو ونتهمهم بأنهم يسعون عمدا لتدمير علاقات الولايات المتحدة مع كل دولة في العالم العربي تحاول تحدي الكيان الصهيوني أو تؤيد حق الشعب الفلسطيني في وطن قومي.

الشرق الأوسط الكبير إذن هو أحد ما تفتق عنه ذهن المحافظين الجدد من خطط ومشاريع مثل مشروعهم نحو قرن أمريكي الذي يمتد من بحر قزوين وحتى نهر النيل التي شنت بموجبه الحرب على أفغانستان والعراق.

اعتمد الأمريكيون في مشاريعهم على عدة فرضيات وعلى عدة ادعاءات، منها أن معظم البلاد الإسلامية فشلت بشكل مخز في تحديث مجتمعاتها، كما أنها تناهض الأمركة خصوصا في العالم العربي، وعلى غرار الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية بعدما وضع وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا خريطة سايكس بيكو وتقسيمها بين الدول الأوربية خصوصا بين بريطانيا وفرنسا، تتكرر نفس الإدعاءات لدى أمريكا بأن تلك المجتمعات تطلب تدخل أمريكا ونقلها للديمقراطية.

حاولت الولايات المتحدة تطبيق مذهب لويس رغم أنه لم يناقش في الكونغرس ولم يتم التصديق عليه، فقط أنها اعتمدت على تشخيص برنارد لويس لعلة العالم الإسلامي ونداءه لغزو عسكري أمريكي ساعد في بلورة النقلة الجريئة في السياسة الخارجية الأمريكية الذي وضع العراق موضع اختبار حل مكان مفهوم مبدأ الاحتواء الذي صاغه جورج كينان في مقال شهير له عام 1947 حيث كانت ترى الشرق الأوسط وباقي العالم من خلال هذا المفهوم.

فحل الإرهاب محل موسكو ليكون عدوا عالميا بعد أن فاقت الولايات المتحدة السوفيت وأصبحت القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، لم تعد تكتفي بمجرد الاحتواء وإنما تخطت ذلك على التصدي والقهر والتغيير، وأرادت إعادة تشكيل العراق وتطويعه وباقي منطقة الشرق الأوسط، سيكون لها تأثير على نوع السياسة التي ستنتهجها القوة العظمى أمريكا في العقود المقبلة وفق نظرية القرن الأمريكي.

فمذهب لويس لا يفترض عقلانية العدو، ويتصور أن الصدام ليس بسبب المصالح حتى الأيديولوجية وإنما هو صدام ثقافات، ونصح الولايات المتحدة ووضع أمامها خيارين أمام مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط، فإما أن تتعمد القسوة أو تخرج من المنطقة.

اعتمدت أمريكا في محاربة الإرهاب على فرضية تبناها ريتشارد بيرل بأن المسلمين غاضبون منذ عام 1683 عندما فشل العثمانيون في فصل فيينا المسيحية، فالإسلام كان متأهبا للصراع منذ ذلك الحين، يريد أن يوضح بيرل من الواجب وقف تأهب المسلمين، وكما يشرح لويس بأن المسلمين ظلوا لمدة 300 سنة يعانون الخوف والمهانة، بسبب سيطرة الحضارات المسيحية لأوربا وأمريكا الشمالية عليهم عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأيضا من الناحية الثقافية، والنظرية الأخرى التي روج لها صموئيل هنتجتون عن صدام الحضارات  أتت رافدا جديدا وداعما لمذهب لويس ولفرضية بيرل وغيرها من الفرضيات، لكن نظرية صراع الحضارات لهنتجتون كانت جرس الإنذار لتفكيك القوة الأمريكية، خصوصا وأن هنتجتون صاغ نظريته في أكبر جامعة في الولايات المتحدة وهي جامعة هارفارد.

بينما يستقي بيرل ادعاءاته عن الإسلام ممن زيفوا الإسلام، خصوصا من المستشرقين، واستقى أيضا من بعض المسلمين المتشددين الذين لم يفهموا حقيقة دينهم، ولديهم تداخل مخل بين مفهومي السلم والحرب بسبب أنهم لم يستوعبوا بان أساس دعوة الدين الإسلامي إلى السلم (والله يدعو إلى دار السلام) بينما القتال استثناء (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا) وينتهي القتال بتوقف المعتدي عن القتال (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) لكن هناك من يفسر مصطلح الجهاد وفق هواه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الجهاد ماض إلى يوم القيامة) ويقصره على القتال، بينما هناك آيات تفسر معنى الجهاد منها قول الله سبحانه وتعالى (وجاهدهم به جهادا كبيرا) أي الجهاد بالقران، ومعناه أوسع من معنى القتال، فيما القتال استثناء (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) لأن الدين الإسلامي يدعو إلى تعزيز السلم (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) بينما اقتصر النهي عن الموالاة في فئة محددة (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).

ورد لويس على أحد المسلمين عندما قال بأن العرب تخلصوا من الصليبيين ثم تخلصنا من الأتراك والآن سوف نتخلص من اليهود، فقال لويس سمعت مثل هذه الادعاءات لكثير من الأوقات رد قائلا معذرة أنت تفهم تاريخك بشكل خاطئ، فالأتراك هم من تخلصوا من الصليبيين، والبريطانيون هم من تخلصوا من الأتراك، واليهود بدورهم تخلصوا من البريطانيين، ترى من سيأتي بعدهم، بالطبع يقصد مجيء دور العرب على يد أمريكا، لذلك وجه هنري كيسنجر سؤالا إلى برنارد لويس بعد احتلال أمريكا العراق فقال له بعد أن قررت أمريكا إعادة تشكيل الشرق الأوسط، هل يجب أن نتفاوض مع آيات الله في إيران؟ فأجاب لويس بالتأكيد لا، يبدو أن أوباما خالف لويس واتى برؤية جديدة ولكنها أفاقت دول الخليج من غفوتها وأدركت حقيقة التحديات الوجودية.

وكما كشفت الوثائق التي رفعت واشنطن عنها السرية بأن طلب الخميني دعم ثورته مقابل تدفق النفط إلى الغرب وهي مخالفة للورقة التي لعب بها العرب في الحرب العربية الإسرائيلية زمن الملك فيصل بن عبد العزيز حينما أوقف النفط عن الغرب إذا لم يتوقف الغرب عن دعم إسرائيل ضد العرب وخصوصا ضد مصر، ما يعني انتقاما من الملك فيصل والسعودية بشكل خاص ومن العرب بشكل عام، بل كانت هناك تبادل رسائل سرية بين الخميني وكيندي وكارتر للمطالبة بدعم ثورته، ووصل الخميني إلى طهران على متن طائرة فرنسية في 31 يناير 1979، عندها أجبر كارتر الشاه على التنحي واستبدل به نظام ولي الفقيه.

برع الخميني في اختطاف ثمار الثورة، وفرض نظام الولي الفقيه بالقوة، ومزجه بالحروب وبالأيديولوجيات بدلا من تنفيذ أهداف الثورة الإيرانية، وبعد 37 عاما من مجيئه يصر الملالي على وهمية الثورة العقائدية التوسعية الذي يعتبر امتزاجا بين الصفوية في عصورها القديمة، والأنظمة الشمولية في العصر الحديث، فقد ورث التوسع الصفوي على شعوب المنطقة العربية باسم التشيع والتشيع منه برئ والقمع الستاليني والدعاية النازية في مواجهة الشعوب التي تعارضها.

 وهو ما جعل السعودية تدعم الشعب المصري في ثورته ضد الإسلام السياسي في مصر المدعوم من أمريكا حتى لا تتكرر أزمة إيران الملالي  جديدة في المنطقة مثلما دعمت ثورة الإسلام السياسي الشيعي في إيران يمكن أن تتحول إلى كماشة تطبق على السعودية وعلى بقية دول الخليج.

اضطرب صناع السياسة في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بشأن كيفية تعاملهم وتفهمهم للعدو الجديد، اعتمدوا كثيرا على مذهب لويس حيث اعتبر بعض السياسيين قد تكون الولايات المتحدة قادرة على أن تهزم الإرهاب وتساعد في استقرار المنطقة التي تعد المصدر الرئيسي للبترول والطاقة للدول الصناعية بما يدعم قيادة أمريكا للنظام الاقتصادي، لكن منتقدي لويس يعتبرون فشل أمريكا في مواجهة الإرهاب تكون قد خاطرت بنزاعات من شأنها أن تثير الإرهاب بشكل أكبر وتضعف أمن الطاقة قبل اكتشاف النفط الصخري الذي قضت عليه أسعار النفط المنهارة يمكن أن يعيد اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الخليج.

والآن بدأ الشعب الأمريكي يكتشف تشوهات في مبدأ أوباما كون الولايات المتحدة لا يمكنها حل كل المشكلات في عالم مضطرب لكن لا ينبغي أن يجعل الشعب الأمريكي يستنتج أن أمريكا عاجزة، حيث يحاول أوباما أن يشبه الرئيس داويت أيزنهاور الذي غادر البيت الأبيض في عام 1961 وهو يحذر من مخططات المجمع الصناعي العسكري الذي تم تجهيزه لمواجهة الاتحاد السوفيتي، كذلك باراك أوباما يرى خطرا حقيقيا وقائما في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن التي يغلب عليها أن تضع التدخل العسكري باعتباره الخيار المقرر سلفا.

أوباما يحب تذكر رأي أيزنهاور عن الحرب باعتبارها الحماقة الغبية والأكثر مأسوية التي يرتكبه الجنس البشري، وهو أحد الذين اعترضوا على غزو العراق عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوي، ونظم حملة لإعادة القوات إلى أرض الوطن، والتواصل الدبلوماسي مع إيران التي تتناقض مع عقيدة المحافظين، وغضب من الأوربيين الانتهازيين، والتردد في تحدي الرئيس الروسي بوتين فيما يتعلق بأوكرانيا، بل فاجأ الكثيرين عندما رفض الانجرار إلى قتال الرئيس الأسد، بل رأى كثير من الأمريكيين أن إخفاق أوباما في فرض خط أحمر على استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية ضربة كبيرة لقوة أمريكا ومكانتها، خصوصا وسوريا تحترق.

عقلية أوباما اهتمت برسم صعود الصين وتحولات القوة العالمية خلال العقد الماضي، وكما أوباما أيضا واشنطن هناك تردد في الاعتراف بوفاة اللحظة أحادية القطب، لذلك كانت حسابات أوباما أنه غفل عن الديناميكية البشرية في العلاقات الدولية، لكن أوباما لم يدرك أن الدبلوماسية الناجحة تتطلب نفوذا، حتى وإن وصف الرئيس نفسه بأنه واقعي في السياسة الخارجية، بل ويصر على التقييم الصارم للمصالح الأمريكية التي تبعده عن الشرق الأوسط، بل إن التقاعس يحمل عديدا من المخاطر بقدر التدخل.

الكثير يتساءلون هل السياسة الحالية خاصة برؤية أوباما أم أنه تحول استراتيجي في واشنطن؟ ويسلم أوباما مفاتيح البيت الأبيض وفي الشرق الأوسط تدور رحى حروب أربع، اكتفى أوباما بتصفية قادة القاعدة، وتصفية قادة داعش، لكنه في أكثر من مرة يرفض القضاء عليهم، بل إن أمريكا تقدم داعش كأسطورة، وأوقف أوباما فصائل الجيش السوري الحر من القضاء عليه في ريف حلب وإدلب في عام 2014 وكبدته أكثر من ألف قتيل، ودفعته للانكفاء نحو الشرق، ولولا التضييق على تلك القوات في السلاح والذخيرة لكان بإمكانها القضاء عليه وانتزاع الرقة من تحت سيطرته، لكن داعش وجد لمهمات واستراتيجيات لم يحن وقت تحقيقها، بل سبق أن انتزعت قوات الحماية الكردية بقوات متواضعة من التنظيم عين العرب ورأس العين وعشرات القرى في منطقة شمال الرقة كما هزمته في معارك عديدة في الحسكة، واليوم تعول أمريكا على قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوات الحماية الشعبية نواتها الصلبة بخوض معركة الرقة.

هناك تبريرات سياسية وممارسات تتجاوز في بعدها المجال السوري العراقي الذي يشغله داعش، فهل هو مرتبط بالصراع الأمريكي الروسي؟ أم مرتبط بالحل في سوريا نتيجة الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران وتركيا؟.

 فالولايات المتحدة تقود تحالفا عسكريا كبيرا للحرب على داعش في بلدين سوريا والعراق، هذا التحالف يدلل على أن موجبات الحضور القديمة إسرائيل والنفط والإرهاب إذ لا يزال قائما رغم إعلان أوباما عن تقليص دور واشنطن في الشرق الأوسط، إذا ماذا تريد واشنطن من تلك التناقضات؟ أي أن هناك تحول استراتيجي للولايات المتحدة ولكنه تحول نوعي، خصوصا وأن الولايات المتحدة برعت في نصب المصائد.

فهمت إيران أن واشنطن انسحبت من العراق، فوسعت من نفوذها الكبير في العراق وسوريا ولبنان واليمن ما اجبر السعودية على تشكيل تحالف عسكري عربي إسلامي لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن رغم أن هذا التحالف يقلق الولايات المتحدة وأوربا من تصاعده خصوصا بعدما تم وضع التحالف على القائمة السوداء لانتهاكات حقوق الأطفال في اليمن.

 لم تعد السعودية تراهن على أي منتخب أمريكي، بل بدأت تراهن على القوة الذاتية للخليجيين والعرب والمسلمين في إقامة تحالفات وشراكات وتنسيقات عديدة في أوسع مداها الجغرافي على مستوى العالم.

الغريب أن واشنطن تلتقي مع إيران والسعودية في العراق، فهي تكرس ضعف الجيش العراقي مقابل قوة المليشيات الطائفية التي تقلق السعودية، فالشقاق الطائفي بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية كما تدعي الولايات المتحدة يهدد بتقسيم البلاد للأبد، والغريب أن القيادي الشيعي أبو مهدي المهندس يهيمن على قيادة الجيش العراقي بمحافظة صلاح الدين، سبق أن فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عام 2009 بزعم ضلوعه في الهجوم على قوات أميركية بالعراق، وأدين غيابيا في محاكم كويتية على تفجيرات عام 1983 على السفارتين الأميركية والفرنسية بالكويت، بل إن عشرة إلى عشرين بالمائة من أصل 300 ضابط يديرون قيادة عمليات الجيش العراقي لهم ارتباط بمنظمة بدر.

فقدت الحكومة السيطرة على أجزاء كبيرة من المدن لصالح المجموعات المسلحة وهي ما تثير تساؤلات بشأن استراتيجية الرئيس أوباما في العراق، وفشلت ضغوطها في على القادة السياسيين الشيعة والسنة لإبرام اتفاق حقيقي لتقاسم السلطة، لذلك أي عملية عسكرية ضد داعش لن تحسم قبل أن تحسم العملية السياسية، بعدما كشف هجوم الفلوجة مرة أخرى ضعف وحدات الجيش النظامي، رغم هناك حشود تقدر ب45 ألف، ولن تقبل إيران ببناء جيش عراقي، وهو ما جعل المستشار الحكومي الأمريكي السابق لوزارتي الداخلية والدفاع العراقيتين تورمان ريكليفز في تعليقه على الجيش النظامي العراقي أنه أمر يدعو للرثاء حقا.

والآن الحشد الشعبي ومنظمة بدر يضغطان على العبادي لطرد السفير السعودي ثامر السبهان من العراق واعتباره شخصا غير مرغوب فيه بعدما حذر من تنامي دور إيران الطائفي في العراق وتحديدا في حرب الفلوجة التي تحولت إلى حرب إبادة طائفية لآلاف السكان الأبرياء الذين تعذر عليهم الخروج من هناك، وسبق السفير السعودي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن اتهم إيران بتأجيج الخلافات المذهبية في العراق، وقال إذا أرادت إيران السكينة والاستقرار للعراق فعليها أن تكف يدها عنه وتنسحب لأن مشكلة العراق هي السياسات الطائفية التي أتت بسبب سياسات إيران داخل العراق، ورد عليه جواد ظريف بشدة على عادل الجبير وأكد أن الإيرانيين لن يغادروا العراق ما لم تطلب الحكومة العراقية منهم ذلك، وهي متأكدة من أنها تملك مفاتيح الحكم في العراق وأنه ليس بمقدور الائتلاف الحاكم أن يطلب منها مغادرته، كما أن الحكومة العراقية هي من سعت لتطبيع العلاقة مع الرياض بعد قطيعة 27 سنة من أجل أن تبعد عنها بأنها حكومة طائفية.

وهناك سباق بين موسكو وواشنطن لتحرير الرقة، وأصبح الصراع على قتال داعش في الرقة بين النظام السوري بدعم روسيا وقوات سوريا الديمقراطية بدعم واشنطن التي اتجهت صوب مدينة منبح القريبة من الحدود التركية بهدف السيطرة على آخر 80 كيلو مترا من الحدود السورية التركية وقطع الخط الذي يصل داعش بالعالم الخارجي ومنه ينضم إليه مقاتلون جدد ويحصل على إمدادات، أبطأ القلق التركي تقدم المقاتلين الأكراد في السابق، لكن أنقرة عبرت عن تأييد ضمني للهجوم وقالت أن غالبية المقاتلين فيه من العرب وليسوا من الأكراد، وهي مستعدة للتدخل البري في سوريا لمنع إقامة كيان كردي، وأصبحت علاقاتها مع واشنطن متوترة وتنتظر إجابات على أسئلتها.

يبدو أن الولايات المتحدة نجحت في مشاركة الجميع في مقاتلة داعش بعدما كانت تتهم واشنطن الأسد والروس بتجاهل مقاتلة داعش والتركيز على مواجهة أعداء آخرين، بعدما تأخر مقاتلة داعش بعد نحو خمس سنوات من الحرب الأهلية في سوريا وسلطة ضعيفة في العراق وخلافات دولية وطائفية، لكن الأساليب الوحشية لداعش وبينها الإعدامات الجماعية والإجبار على اعتناق الإسلام نجحت الولايات المتحدة في حشد العالم وجعل التنظيم هدفا لكل القوى الدولية والإقليمية.

لذلك نجد بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق يتهم أمريكا والاتحاد الأوربي  كلاهما يسعى إلى تأسيس دولة موحدة عظمى، وأعتبر أن الاتحاد الأوربي على خطى هتلر، ونتيجة السياسات الأمريكية أوربا تنزلق نحو اليمين المتطرف مؤسساتيا وليس فرديا، بعدما أصبحت هناك أحزاب يمينية متطرفة تجمعها فكرة القومية والأصول العرقية وتحولت الكراهية بوصفها برنامجا انتخابيا، الأمر في أوربا أصبح يتعلق بأحزاب مرجعية متطرفة لها خطاب عنصري نقيض ما عليه الأمر في أمريكا إذ يتعلق بشخص ترامب، هناك خشية من سقوط باريس وبرلين في أيدي اليمين المتطرف يعني في أسوأ الأحوال نهاية الاتحاد الأوربي وفي أحسنها استعادة النازية والفاشية.

كما نجد أن السعودية بعد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري اتجهت إلى إنشاء قاعدة في جيبوتي كجزء من سياستها الحازمة لمواجهة وكلاء طهران سياسيا وعسكريا، والدبلوماسية السعودية نجحت في التواجد في آسيا الوسطى على طريق الحرير الممتد نحو المستقبل  من أجل منافسة وحصار التواجد الإيراني، نتيجة هذه الجهود هناك ترهل للدور الإيراني في العراق، وصراع مشتعل بين دوائر السلطة لكن ضغوط خامنئي أطاحت برجال روحاني، وشمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى القومي الإيراني يدافع عن خامنئي بإرسال قوات إلى سوريا بأنها قرارات قائمة على أساس الوحي الإلهي، حتى أصبح البرلمان الإيراني أيضا في قبضة المتشددين، ولاريجاني رجل الحرس الثوري الغامض رئيسا للمرة الثالثة ما يعني أن الاضطرابات في المنطقة ستستمر.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق