هجوم على قدر استثنائي من الوحشية على مقر صحيفة شارلي ايبدو في باريس

يبدو أن نبوءة الملك عبد الله بن عبد العزيز قد تحققت، حينما وجد الولايات المتحدة تتلكأ، وتركت الأزمة السورية مجمدة لتتحول ساحة صراع على أمل أن تحمي الغرب من الإرهاب عندما يتجمع كل الإرهابيين من جميع أنحاء العالم في منطقة الشرق الأوسط ويصبح الغرب في مأمن.

حذر الملك عبد الله بن عبد العزيز الولايات المتحدة من اللعب بورقة الإرهاب، وترك الساحتين السورية والعراقية حواضن ينشأ فيها الإرهاب لكسب مزيد من الوقت في تحقيق أجندات خاصة بها، وأكد بأن الإرهاب سيطولهم وسيتحول من لاعب إقليمي إلى لاعب دولي ويحرق الجميع دون استثناء.

المجزرة التي أقدم عليها ثلاثة مسلحين ملثمين على قتل ما لا يقل عن 12 قتيلا، واعتبرت فرنسا أن المجزرة تعتبر الأكثر دموية منذ أربعين عاما، زار على إثر تلك المجزرة الرئيس الفرنسي هولاند إلى مقر صحيفة شارلي ايبدو وندد بالهجوم وقال على قدر استثنائي من الوحشية.

الهجوم على الصحفية ليس هو الأول بل الأكثر دموية، وهي صحيفة ساخرة قامت برسم صور كاريكاتورية للرسول الكريم عام 2006، وتعرضت إلى هجوم بالقنابل الحارقة عام 2011 عندما أصدرت عددا خاصا تحت عنوان شريعة إيبدو أعلنت فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم رئيس تحريرها ما أثار موجة احتجاجات أدت إلى إحراق مكاتبها وتعرض موقعها على الإنترنت للقرصنة.

 كانت آخر صورة ساخرة للبغدادي زعيم الدولة الإسلامية تهنئه بالعام الجديد، لذلك قتل أربعة من رسامي كاريكاتور، واستفاد المهاجمون من عنصر المفاجأة عندما كانت الحراسة في حالة استرخاء، لذلك اعتبر الأمن الفرنسي بأنهم قوة كوماندوز مدربة.

رغم أن مصدر في الشرطة عن شهود عيان أفادوا بأنهم هتفوا انتقمنا للرسول، وفي تسجيل فيديو للهجوم التقطه رجل لجأ إلى السطح سمع رجل يهتف الله أكبر الله أكبر بين عدة عيارات نارية.

لذلك الجميع يجمع على أنهم يتبعون داعش قبل أن تثبت التحقيقات لمجرد أن أبو محمد العدناني هدد فرنسا وطالب باستهدافها، وحتى بعد المجزرة طالبت داعش الذئاب المنفردة بالاستمرار في العمليات الإرهابية، رغم أنها لم تعلن تبنيها للعملية.

داعش نقلت حربها إلى النت، لأنها تعتبر أن ما تقوم به الولايات المتحدة حرب على الإسلام، أي حرب دينية، وحتى الدول التي تشترك معها في الحرب على داعش بما فيها الدول العربية المشتركة، وكان آخر هجوم استهدف السعودية على حدودها الشمالية مع العراق.

خبايا تجنيد الذئاب المنفردة أكبر تحد يواجه أجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، إذ لا يمكن مراقبة أو متابعة الذئاب المنفردة، فهم يخططون وينفذون بمفردهم وهو مكمن الخطورة، ومنهم المواطن الكندي مايكل زحاف بيبو الذي تحول للإسلام وقتل جندي وأطلق النار داخل البرلمان في العاصمة الكندية أوتاوا.

بعد يوم واحد من تلك العملية قام رجل مسلم بدهس جنديين مات أحدهما، ومن قبلها عملية تولوز سنة 2012 التي قام بها شاب فرنسي من أصول جزائرية، وعملية محمد مراح قبل ثلاث سنوات أقدم على قتل سبعة فرنسيين، وفي الكيان الصهيوني في عشرة أشهر تم تنفيذ 16 عملية متبادلة في الضفة الغربية الخاضعة تماما للكيان الصهيوني، كلها كانت جرس إنذار شديد الوقوع على خطورة الذئاب المنفردة.

أوربا تعيش أزمة هوية تشيع قلقا عميقا من تأسلم الغرب، ويعيشون هول تنظيم الدولة الإسلامية، هناك خوف بسبب الصور المنتشرة في العالم والانترنت، هناك قلق وخوف من الأسلمة يتزايد.

لذلك تتزايد التظاهرات التي نظمتها ألمانيا حركة أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب، ويخشون من تذويب الثقافة المسيحية الألمانية، هذه التظاهرات المناهضة للإسلام خلال الأسابيع التي سبقت هذه المجزرة أدت إلى تعبئة واسعة للتنديد بموجة الإسلاموفوبيا المتنامية.

تلك الموجة ساهمت وأدت إلى حرق ثلاثة مساجد في السويد تعتبر نزعة معادية للإسلام، وهو أكبر بلد أوربي متسامح مع المسلمين، لكن كانت بسبب تأييد السويد الدولة الفلسطينية.

في المقابل خرجت مظاهرات في ألمانيا مناهضة لحركة أوربيون تهتف (نحن الشعب) واستهجنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الكراهية التي تسود هذه المظاهرات، وكذلك خرجت مظاهرات في السويد ترفض تفجيرات المساجد واستهداف المسلمين.

حتى الرئيس هولاند بعد المجزرة طالب بالحفاظ على الوحدة الوطنية، وخرجت أيضا مظاهرات شعبية في جميع المدن الفرنسية ترفض توجيه الاتهام للمسلمين أو استهدافهم تعبيرا عن تضامنها مع المسلمين.

ارتكبت المجزرة في نفس اليوم الذي صدر فيه كتاب الروائي الفرنسي ميشال ويلبيك الذي يروي أحداثا تبدأ عام 2022 مع انتهاء الولاية الثانية للرئيس هولاند بأن تتحول فرنسا إلى فرنسا مشرذمة ومنقسمة على نفسها مع فوز محمد عباس زعيم حزب (الأخوية الإسلامية) على زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على دعم أحزاب يسارية ويمينية على السواء.

لكن اتهم مدير صحيفة ليبراسيون اليسارية لوران جوفران ويلبيك باللعب على وتر الخوف من الإسلام وبتعزيز أفكار الجبهة الوطنية (يمين متطرف)، وهناك من امتدح الكاتب بأنه روائي استثنائي ومنهم ايمانول كارتر صاحب كتاب (المملكة) الرائج الذي يتحدث عن فجر المسيحية.

يعتقد كارتر أن رواية ويلبيك استباقية تنتمي إلى عائلة روايتي القرن العشرين (الرؤيويتين) عام 1984 لجورج أورويل و(أفضل العوالم) لألدوس هاكسلي.

سبق صدور هذا الكتاب صدور كتاب (الانتحار الفرنسي) لأريك زمور في خريف 2014 يتحدث عن أوربا والهجرة مسؤولية متاعب الفرنسيين وهو فرنسي من أصول جزائرية يهودية يناقش انهيار فرنسا الأخلاقي أمام الإسلام المتوثب، مما يزيد من حدة الجدال أن موضوعي الإسلام والهوية الوطنية يخضعان فعلا لنقاش محموم في فرنسا، وللروايتين بعد سياسي واضح أيضا.

تبدأ السنة الجديدة بعمل معاد للإسلام، رغم أن ويلبيك يرفض ذلك ويؤكد أن كتابه الحقيقي يتمحور حول عودة الدين إلى قلب الوجود الإنساني واضمحلال الأفكار التنويرية التي سادت منذ القرن الثامن عشر، واعتبر عودة الدين ظاهرة عالمية، وهي موجة عاتية لا فرار منها، وأن الإلحاد حزين جدا، ويشهد نهاية حركة تاريخية انطلقت منذ القرون الوسطى.

يلمح ويلبيك إلى أنه لم يعد ملحدا، ويعتبر عودة الإسلام أمرا جيدا يوفر حلا أفضل من الفراغ الوجودي الذي يعاني منه الإنسان المتنور، ويقول قرأت القرآن قراءة منصفة ووجدت أنه لا يدعو إلى حروب دينية بل يدعو إلى الصلاة، وكما أن النصوص الدينية هناك مجال للاجتهاد، لذلك غيرت رأي بالقرآن، وفي كتابي أدعو إلى التوصل إلى تفاهمات.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق