مسببات واقعية لثورة قادمة في إيران

المقدمة:

تقوم معادلة الثورات على أسس مسببات واقعية، تفرض نفسها على المواطن وتدفعه للخروج رفضا للسياسات التي ينتهجها النظام وتنفذها الحكومات وتحرسها الأجهزة الأمنية والعسكرية المبرمجة من قبل النظام، فينتفض الشارع بعد يأس من التغيير ليفرض حدث إسقاط النظام كخطوة لم يعد سواها منفذا له للتغيير ومعالجة الواقع المتصدع الذي أوشك على الانهيار، فيرى الشعب أن الطريق الوحيد لحماية مكتسبات الدولة من الغرق هو التخلص من السياسات الحالية والعقول المدبرة لها لفشلها في حماية حياة الإنسان وكرامته وحرياته.

تضخم الأزمات الداخلية في إيران من فقر وبطالة وتشرد وقمع للحريات وتفشي الفساد وهدر للمال العام، ألَا يستدعي كل هذا ثورة أو انتفاضة حاسمة؟

 وبمعزل عن الأزمات السياسية التي تعاني منها إيران داخليا وخارجيا، وتمتد آثارها السلبية لشعوب المنطقة، ثمة أزمات اجتماعية واقتصادية وثقافية بدأت تفرض نفسها على حياة كل مواطن إيراني، تدفعه إلى التفكير في وجوب التغيير، فأزمات مثل البطالة والفقر والتشرد وانتشار الجرائم والإدمان وفقدان الأمن وضياع الحريات واضطهاد المرأة وغيرها، نسجت بصورة تلقائية شبكة من قضبان حديدية قيدت الحياة وحاصرت الشعوب، وكل محاولة كان يقوم بها الشعب في التعبير عن رفضه لسياسات البلاد، وتسلط فئة غاصبة للحكم على الثروات والمناصب، كانت تجهض بقبضة أمنية شديدة.

هذه الأزمات أرهقت الشعوب الإيرانية وأحبطت آمالهم وأوجدت لديهم كل أسباب النقمة على النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، وبعد نحو 36 عاما من وعود النظام بتحسن أحوال البلاد على كافة المجالات، يجد الإيرانيون بلدهم في حالة يرثى لها، ومن مبدأ “الحاجة أم الاختراع”، أخذت الشعوب الإيرانية تفكر في طرق أخرى تعبر خلالها عن رفضها لسياسات النظام، هربا من الوقوع في القبضة الأمنية، فنشطت ثورة ضد النظام الملالي في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أربك قادة طهران وجعلهم يتخذون قرارات تقيد الحريات وتقمع كافة النشاطات الثقافية والاجتماعية، ومنها إغلاق العديد من الصحف، وكذلك تصفية شبكات التواصل الاجتماعي التي يصعب عليها رقابتها، خوفا من دعوات يطلقها الشباب ضد الفساد وهدر ونهب المال العام، وفرض قيود ضد حقوق الإنسان، والتي ربما تجمع أصوات الملايين وتتوجه في نهاية الأمر إلى الشوارع والميادين عبر مظاهرات حاشدة يصعب على الأجهزة الأمنية قمعها.

الواقع ما بعد الاتفاق النووي الذي ستصطدم به الشعوب الإيرانية سيكون أحد مسببات الثورة الإيرانية القادمة على النظام الفارسي.

الاتفاق النووي الذي جرى بين إيران والمجموعة الدولية بالطبع سوف يزيد من الفجوة بين النظام الإيراني والمواطنين، لأنه سيكشف حقيقة أسباب تردي الأوضاع في البلاد، فبعد أن كان النظام الإيراني والمتشددون يلقون باللوم على العقوبات الدولية كسبب رئيسي في دخول البلاد في الأزمات، لم يعد الآن وبعد التوصل إلى حل لهذه المشكلة، ما يقدمه النظام الإيراني من أعذار لشعوبه مقنعا، ومن الضروري بعد مرور فترة من الزمن عن عمر هذا الاتفاق، أن يكتشف الشعب الإيراني أن هذه الأزمات والمشاكل سببها النظام وإدارته وتفشي الفساد في البلاد، وأن هذه العقوبات على الرغم من تأثيرها كانت عبارة عن شماعة يعلق عليها هذا النظام فشله في إدارة البلاد، بالأخص أن الكثير يعتقد أن فرض العقوبات الدولية على طهران هي في حد ذاتها نتيجة للسياسات الفاشلة في إدارة البلاد داخليا وخارجيا، وهي بالمختصر النتيجة التي حصدها المواطن الإيراني من إدارة التيار المتشدد للبلاد.

امتعاض المواطن الإيراني من سياسة النظام الخارجية في هدر الأموال ودعم الإرهاب، محرك آخر من محركات ثورة عارمة ضد هذا النظام.

المليارات التي أهدرها النظام الإيراني في دعم الحركات والجماعات الإرهابية في الدول الإقليمية، والتي كان من الأولى أن تنفق في مصلحة الدولة العامة، أصبحت موضع تفكير واستنكار من قبل المواطن الإيراني، وكيثرا ما عبر عنه المواطنون أثناء تظاهرهم وتجمعاتهم بشعار “لا غزة ولا لبنان، روحي فدى لإيران”، بالإضافة إلى أن انكشاف حقيقة عدد من الجماعات الإرهابية التي حظيت بدعم إيراني سيترك تساؤلا في عقول الإيرانيين عن أسباب دعم بلادهم لمثل هذه الجماعات المعادية للقيم الإنسانية والأخلاقية، وهو ما يكشف حقيقة أن النظام الإيراني يستخدم مصطلح المقاومة بدلا من الجماعات المتطرفة، ورواية النظام الإيراني في دعمه للمقاومة أصبحت في الحقيقة والواقع دعما للإرهاب.   

تهميش أكثر من 70% من السكان في إيران، واضطهادهم من قبل القومية الفارسية، وضياع حقوقهم وحرياتهم الثقافية والدينية وطمس هويتهم، تستوجب نهوض الغالبية للتخلص من الظلم والاضطهاد.

القوميات غير الفارسية مثل الأذريين والجيلانيين والمازندرانيين والأكراد والترك والبلوش واللور وغيرهم، والذين يتوزعون على عدة أديان ومذاهب، يشعرون بأنهم لا يحظون بفرص وحقوق متساوية مع القومية الفارسية التي تشكل نحو 30% من مجمل السكان، لذا فإن سيطرة هذه القومية على ثروات البلاد وتسلط فئة منها على زمام الأمور في كافة المجالات، سيكون مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل أكثر من 70% من سكان إيران، وخاصة أن هذه التفرقة وصلت إلى حد الهوية والطائفية، حين يحرم النظام باقي الديانات والمذاهب من ممارسة عقائدهم ويحرمهم من التعلم بلغاتهم ويعمل على طمس هويتهم.

الصراع حول منصب المرشد الأعلى بين التيارات السياسية المتنازعة في إيران بعد موت الخامنئي قد يكون سببا في اندلاع ثورة تنهي النظام الملالي.

أعلى منصب في البلاد وهو منصب المرشد الأعلى الذي يتربع عليه الآن علي خامنئي، مطمع التيارات السياسية المتنازعة في إيران، ومن المعلوم أن الخامنئي يعاني من أزمات صحية أدخلته المستشفى عدة مرات، وتحدثت العديد من التقارير عن حالته الصحية الخطيرة التي تتطلب النظر إلى الشخص الذي سيحل محله عند وفاته، هذه التيارات تتنازع الآن على مناصب أقل من هذا المنصب، وتحدث الكثير من الاصطدامات الخطابية والإعلامية بسببها، وهو ما يدل على عدم وجود توافق حول من سيخلف الخامنئي بين هذه التيارات في المستقبل، لذا فإن موت الخامنئي سيخلق نزاعا سياسيا يكون بمثابة حاضنة لتفريخ حركات واحتجاحات قد تتحول إلى ثورة تنهي نظام ولاية الفقيه، لأن الشعوب الإيرانية المكبوتة ستجد في هذا النزاع فرصة للتخلص من ظلم واضطهاد هذا النظام لها.

العراقيل التي يصنعها التيار المتشدد والحرس الثوري أمام نجاح حكومة المعتدلين الصاعدة ربما تتحول إلى أسباب نقمة شعبية.

صعود التيار المعتدل برفقة الإصلاحي أثار غضب وتخبط الحرس الثوري والتيار المتشدد، والوضع الراهن يشير إلى مزيد من صعود هذا التيار، وهو ما يرفضه التيار المتشدد والحرس الثوري، لذا سيقوم الأخير بوضع عراقيل أمام أي تقدم أو نجاح يحاول المعتدلون تحقيقه، وقد شاهدنا ذلك حين كشف موقع “سحامنيوز” الإيراني الأنشطة التي أعدتها الاستخبارات التابعة للحرس الثوري في غرف سرية من أجل إجهاض أي مشروع أو نجاح تحاول حكومة روحاني تحقيقه، ومن الطبيعي أن استمرارية هذا النوع من الأنشطة، ستدخل البلاد في أزمات أخرى تؤدي إلى تفاقم غضب شعبي مصحوب ببرودة الحامي للعرش الملالي وهو الحرس الثوري، الذي سيرفض تولي التيار المعتدل قيادة البلاد ولو على حساب النظام.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق