ماذا تفعل إيران في تونس

وقعت الحكومة التونسية مع الحكومة الإيرانية، عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون بينهما في قطاع السياحة من بينها إحداث خط جوي مباشر بين البلدين وبرنامج تنفيذي للتعاون يتم بمقتضاه استقطاب 10 آلاف سائح إيراني خلال سنة 2016. و يمتد برنامج التعاون الذي تم توقيعه على 3 سنوات ويشمل إقامة مشاريع استثمارية وتسهيل حركة السياحية ومساعدة وكالات الأسفار على تصميم برامج سياحية مشتركة وتبادل الخبرات والمشاركة في التظاهرات والمعارض.

وقد أثارت هذه الاتفاقية جملة من ردود الأفعال الرافضة لها، واعتبر بعض السياسيين التونسيين أن إدخال إيران البيت التونسي سيؤدي إلى كوارث مستقبلية لا تحمد عقباها، وقد طالب البعض بعرض الاتفاقية على البرلمان للمصادقة عليها قبل إقرارها.

يعرف العراقيون والسوريون المعاني الحقيقية لجملة “السياح الإيرانيين” فهم قبل غيرهم واكبوا ظاهرة تلك الوفود السياحية التي ترسلها طهران لتتحول مع مرور الأيام إلى ما يشبه الغزو أو الاحتلال، فالسياح الإيرانيون لن يكتفوا بالاطلاع على ما يضمه البلد الذي يقصدونه من معالم سياحية، وسوف يسعون جاهدين لإقامة “أماكن” خاصة بهم بل وحتى أسواق تبيع منتجاتهم، فقد شهدت دمشق على مدى خمسة وثلاثين عاماً إقبالاً غير مسبوق في حركة “السياحة الإيرانية” وقد ساعدهم في ذلك التقارب الكبير بين نظام دمشق إبان حكم الرئيس حافظ الأسد ونظام الملالي، فتمكن الإيرانيون من دخول دمشق من أبوابها الواسعة مستغلين وجود بعض المراقد الدينية، التي تحولت في ما بعد إلى “عتبات مقدسة” استوجبت لاحقاً دخول الميلشيات الإيرانية والتابعة لها مثل ميلشيا حزب الله اللبناني وأبي الفضل العباس العراقي بحجة حماية تلك المقدسات، التي لم تقتصر على دمشق، بل امتدت إلى حلب ودرعا، وبعض المناطق في ريف مدينة الرقة والتي تحولت لاحقاً إلى عاصمة لتنظيم داعش.

في العراق انتظر الإيرانيون فترة طويلة بعيد ما يعرف بالثورة الخمينية حتى يتمكنوا من الوفود بالعشرات من الآلاف إلى العتبات المقدسة الشيعية، لكن وفودهم ذلك تحول إلى استيطان كلي، واحتلال شبه كامل للبلد، وارتهان قراره السياسي والعسكري بيد إيران كلياً، وقد تحدثنا في مقال سابق (العرب-العدد 10122) عن الدور الإيراني في تصنيع الميلشيات الطائفية التي فجرت حرباً أهلية عام 2006، وصولاً إلى ظهور تنظيم داعش وتطوره وتمكّنه لاحقاً من احتلال أكثر من ثلث مساحتي العراق وسوريا.

يتم تعريف السياح الإيرانيين من قبل حكومة بلدهم على أنهم “حجاج”، وهم يقصدون الأماكن المقدسة فقط، وربما تضم قوائم “الحجاج” مقاتلين في الحرس الثوري، ودعاة وعناصر في جهاز المخابرات، إذ تقوم الحكومة بتسليمهم وثائق مختلفة عن وثائقهم الأصلية، ولكن عندما يقتل أحدهم فإنها لا تمانع من تشييعه على أنه مجاهد ذهب للدفاع عن المقدسات الشيعية، وقد يكون مكتوباً على ذراعه “لبيك يا حسين” أو “لن تسبى زينب مرتين”.

عرفت تونس التشيع منذ مئات السنين حتى قبل الدولة الفاطمية وانتشار التشيع الفاطمي من مدينة المهدية التونسية، وقد كان البربر وهم السكان الأصليون لهذه الأرض والمغرب العربي مناصرين لأهل البيت غير أنه لا يمكن اعتبارهم شيعة.

وإذا استثنينا هذه الفترة فإن المذهب الجعفري انتشر حديثاً في تونس، ويمكن القول بأن تاريخ دخوله كان في الخمسينات من القرن الماضي أو سبعيناته.

واليوم يتواجد الشيعة الإمامية في أغلب المدن والولايات، ومن أهمها ولاية قفصة وولاية قابس وولاية سوسة وولاية المهدية وكذلك تونس العاصمة.

وتتجلى نشاطاتهم بإحياء المراسم الدينية والمذهبية مع تبادل الكتب والأشرطة الصوتيّة وبعض النشاطات الأخرى، ويوجد من الشيعة التونسيين من يدرس الدراسة المذهبية في إيران وسوريا.

لا يوجد إحصاء تقريبي لعدد الشيعة في تونس اليوم لكن بعض الإحصائيات تقول اتهم يصلون إلى عدة آلاف، فيما يذهب الدكتور محمد التيجاني السماوي صاحب كتاب “ثم اهتديت” الذي يروي فيه قصة تحوله إلى التشيع، وهو أحد رموز التشيع في تونس للقول إن عددهم يتجاوز الآلاف، ويقول إنهم منتشرون في أغلب محافظات البلاد، ويمارسون شعائرهم وطقوسهم بحرية دون أن يتعرضوا إلى أي نوع من المضايقات.

في مدينة قابس أنشأ الشيعة أول حسينية لهم و ينظر البعض إلى قابس على أنها أصبحت بمثابة مدينة قم الإيرانية في تونس بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من الشيعة التي تحتويها.

غير أن الشيعة ومن أجل إيجاد ما يشبه الحسينيات في المدن الأخرى يقومون باتخاذ مقرات الجمعيات الدينية الشيعية والمجالس الخاصة كحسينيات تجمع أنصارهم للقاء والتعارف والاستقطاب. كما تأسست بعد الثورة التونسية بضع جمعيات مثل “جمعية المودة” وجمعيات أخرى اتهمت بكونها جمعيات شيعية بغطاء جمعياتي.

وفي ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة في تونس، وخاصة بعد سلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت مواقع سياحية وأخرى عسكرية، واضطرار السلطات التونسية إلى فرض حالة الطوارئ، وتواصل القوات الأمنية ملاحقة العشرات من الإرهابيين المحسوبين على التيارات الجهادية المتشددة في العديد من المناطق، يضاف إلى ذلك أن تونس أصلاً تتخوف من الجوار الليبي المسكوت عنه والذي آلت الأمور في مناطق منه لسيطرة تنظيم داعش ما يعني أن ثمة مشروعاً مستقبلياً يمهد لهذه المنطقة من الجغرافيا العربية، وسيشكل الوجود الإيراني استكمالاً للوحة، ولن يلبث أن يندلع صراع طائفي، ثم، لا يستبعد المفكر السوري الدكتور برهان غليون، أن يتم تأسيس حزب الله تونسي على غرار حزب الله اللبناني، وقد تدخل تونس نفقاً لن تخرج منه لوقت طويل.

كل هذه الاحتمالات واردة، وخاصة أن إيران بدأت تواجه صعوبة في محيطها الذي كانت قادرة على التمدد فيه كيفما تشاء، فقد عطلت الثورة السورية وتداعياتها المشروع الناعم الذي كان قد سيطر فعلياً على أجزاء من سوريا، ويبدو أن حزب الله اللبناني لن يلبث أن يجد نفسه وحيداً في الساحة الداخلية، عاجلاً أم آجلاً، حال سقوط حليفه في دمشق، وسيكون مضطراً على أن يرضى بدور يناسب حجمه، وبهذا فإن لبنان مرشح أيضاً للخروج من تحت العباءة الإيرانية، وقد تعثر مشروعها اليمني بشكل كبير وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بفعل الضربات القوية التي تعرضت لها ميلشيات الحوثي التابعة لإيران جراء عمليات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

إذن كان لزاماً على صانعي السياسة الإيرانية البحث عن أماكن جديدة للتوسع، تكون بعيدة عن منطقة الصراع، وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب قد حذر مراراً من هذا التمدد والضخ الكبير للأموال لأجل نشر المذهب الشيعي بين أهل السنة، معتبراً أن الأمر سيقود إلى فتنة مذهبية خطيرة في المستقبل.

نقلاً عن العرب اللندنية

ثائر زعزوع

 

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق