قتل المسلمين في المساجد من سلوكيات التشيع الصفوي

في مسجد “مصعب بن عمير” بناحية حمرين في محافظة ديالى، شنت عناصر طائفية مسلحة مدعومة من الدولة هجوما مباغتاً على حشد من المصلين أثناء تأدية صلاة الجمعة الموافق 23-8-2014، حيث قتلت 70 مُصلياً وجرحت 20 نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم لهم. وبهذه المجزرة التي راح ضحيتها أيضاً إمرأة وطفلين تُضاف حلقة إجرامية أخرى في سلسلة القتل الطائفي الممنهج ضد أهل السُّنة في العراق، وأن بشاعة هذا العمل الوحشي لا يتعلق بقتل ناس أبرياء فقط، بل في العقيدة الضالة التي تبيح للطائفيين بقتل المسلمين حتى إن كانوا في رحاب الله بتأدية ثاني ركن من أركان الدين الخمس؛ وهذه السلوكية الطائفية الدموية هي من ممارسات التشيع الصفوي.

ففي 1508 عندما قرر أسماعيل الأول (892-930 ه/1487-1524 م) فرض التشيع في إيران، نصحوه أن مذهب البلاد هو المذهب الشافعي. قال: “إنني لا أخاف من أحد”. وأعتمد سياسة البطش والسفاحية طيلة فترة حُكمه، حيث قتل نحو مليون من المسلمين السُّنة داخل وخارج إيران. وحسب قول إسماعيل عن المجازر البربرية التي كان يرتكبها بأسم المذهب الشيعي، إنه رأى في المنام الإمام علي بن أبي طالب، وأخبره أن: لا تدع القلق يشوش أفكارك، إحضر القزلباشية مع أسلحتهم الكاملة إلى المسجد في تبريز، وأمرهم أن يُحاصروا الناس، وإذا أبدى هؤلاء أية معارضة أثناء الخطبة بأسم أهل البيت، فإن الجنود ينهون الأمر. ففعل أسماعيل في أول صلاة جمعة يفرض فيها عنوة مذهب الإمامية الشيعي بسفك دماء المسلمين على أساس طائفي.

أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يفعلها أثناء خلافته (37-41 ه)، ولم يطبقها أحداً من أئمة أهل البيت قط، بل تجد “دعاء الثغور” للإمام علي بن الحسين (38-95 ه) فيه الحرص الشديد على جيش المسلمين ودولتهم الأموية، حيث يقول: “اللهم حصّن ثغور المسلمين بعزتك، وأيّد حماتها بقوتك، وأسبغ عطاياهم من جدّتك، وكثر عدّتهم، وأشحذ أسلحتهم، وأحرس حوزتهم، وأمنع حومتهم، وألف جمعهم، ودبّر أمرهم وأعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، وألطف لهم في المكر”.

ثمة أمر آخر، كيف لرؤية منامية يجيز بها أسماعيل لنفسه صلاحية تطبيق التشيع بقطع رؤوس المسلمين السُّنة؟ ولماذا يستهل أسماعيل مرحلة الفرض القسري للتشيع بسياسة القتل داخل المسجد؟

وفق تصورات أسماعيل أن الإقدام على هذا الفعل الدموي الشنيع لكي يُحرر عموم الشيعة من فكرة “التقية” من جهة، ومن جهة أخرى لكي يتركوا حالة الإعتماد على ظهور “المهدي المنتظر”؛ إذ أن هاتين الحالتين قد جمدت الجهاد والقتال المُسلح ضد السلطة السّنية. وبذا كان أسماعيل بالقدر الذي يتميز بالتعصب الطائفي الأعمى، كان دموياً رهيباً خصوصاً تجاه العرب المسلمين بحجة أن غالبيتهم من أهل السُّنة.

وبما أن التشيع الصفوي كان مرتبطاً إرتباطاُ عضوياً بالنظام السياسي للدولة، لذا فإن زوال السلطة يؤدي حتماً إلى زوال ذلك النوع من التشيع المتستر بالمذهب الديني. ولهذا أنتهت وإندثرت السلالة الصفوية التي حكمت إيران وبعض المناطق المجاورة لها بالقمع والإستبداد السياسي الجائر، بحجة الدفاع أو فرض المذهب الشيعي. إلا أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران (1979-) قد أحياء السلوكية الصفوية وبطريقة أسوء من أسلافها الطائفيين والعنصريين.

فالمرشد الأعلى والمؤسس للنظام الإيراني الخميني (1902-1989) يشير عن المسلمين السُّنة قائلاً: إن “غيرنا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمين.. فلا شبهة في عدم أحترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم”. كتاب “المكاسب المحرمة” ج1، ص 251.

ولقد أستند الخميني بقوله الآنف الذكرعلى رواية منسوبة إلى أبي حمزة عن الإمام أبي جعفر، “قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم. فقال: الكف عنهم أجمل. ثم قال: يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغاة ما خلا شيعتنا”. وحسب رأي الخميني لتلك الرواية، أن “الظاهر منها جواز الإفتراء والقذف عليهم”. (المصدر السابق). بينما الإمام جعفر الصادق (80-48 ه) رضي الله عنه يقول: “نحن قريش وشيعتنا العرب وسائر الناس علوج الروم”.

كيفما كان الأمر، فإن موقف الخميني بشكل عام يقودنا إلى التساؤل الآتي: ماذا لو لم يخسر الخميني حربه ضد العراق (1980-1988)؟ نأخذ الجواب من المعمم حازم الأعرجي، أحد مؤسسي “جيش المهدي” الطائفي، الذي أجاز قتل أهل السُّنة في العراق عند خطبته بتاريخ 24-6-2007. وبذا تم قتل مئات الآلآف وتهجير الملايين ونسف المآذن وإحراق المساجد وتحويلها بعضها إلى حسينيات تبث النزعة الطائفية البغيضة.

ومن هنا ندرك سببية الهجوم على مسجد “مصعب بن عمير” وقتل المصلين السُّنة بدم بارد، وما جرى في 17-5-2013 عندما خرج المصلين من مسجد “سارية” شرق بعقوبة بمحافظة ديالى بعد إيداء صلاة الجمعة، حيث رصدتهم قناصة “قوات سوات” الطائفية بالضرب على مناطق الرأس والصدر تحديداً، فقتلت 40 وجرحت أكثر من 50 منهم بعد تفجير قنبلة مؤقتة.

وعن الغاية من التركيز على قتل المصلين في مساجد محافظة ديالى، قال مفتي الديار العراقية الشيخ رافع طه الرفاعي في كلمة جاء في مطلعها: أن “محافظة ديالى تتعرض إلى مثل هذه الهجمات منذ سنين، ولكن هذا العالم ينظر بعين واحدة، ويسمع بإذن واحدة؛ لذلك كانت موازينه موازين باطلة، والذي يجري في ديالى هو مجازر جماعية ممنهجة إيرانية صفوية قذرة، تُنفذ بأيدي الميليشيات القذرة التي تربت في إيران، والتي دعمتها الفتاوى المريضة بأسم “الحشد الشعبي”، هؤلاء كلهم إنخرطوا ضمن هذه الميليشيات القذرة. واليوم العراقيون لا يقاتلون جيشاً حكومياً في ثورتهم على هذه الحكومة الجائرة الظالمة، وإنما يقاتلون ميليشيات قذرة عفنة حقدت على تراب العراق، وتربت تربية طائفية تكشر بأنيابها بين الفينة والأخرى لكي تنتقم من أهل السُّنة والجماعة”.

أن “الحشد الشعبي” ليس أكثر من حشد طائفي قائم على فتوى المرجع الأعلى للشيعة في العراق الإيراني علي السيستاني الذي أجاز في 13-6-2014 “الجهاد الكفائي” أو الجزئي في محاربة الإرهاب. ورغم أن العلامة سماحة السيد على الأمين خاطب مرجعية النجف من لبنان بأن لا تزج نفسها في المعترك السياسي، إلا أن سماحة السيد محمود الصرخي الحسني كان أكثر وضوحاً في خطبة الجمعة، حيث من موقعه في كربلاء فند فتوى السيستاني ودحضها قائلاً: أقسم بالله العلي العظيم إنني مستعد أن أحمل السلاح وأن أذهب لمقاتلة “داعش” شريطة أن يدلني صاحب الفتوى على مكانهم ولو كانوا 10%. وبما إنهم أختلطوا مع الناس، لذا لا يجوز الإفتاء بالقتل.

ولكي لا تعلوا أهمية المرجع العراقي العربي الشيعي محمود الصرخي تجاه فتوى السيستاني دينياً، وأن لا يزداد أتباعه عدداً وعدةً بمواجهة قوات المالكي عسكرياً، لذا تم التخطيط على مواجهته بقوة برية وجوية بغية القضاء عليه وعلى مؤيديه بشكل جذري. وبدأ الهجوم غير المتكافيء على مكان الصرخي في منطقة “سيف سعد” بتاريخ 1-7-2014، ولقد تزامن الهجوم الحكومي مع إصدار السلطات العراقية مذكرة إعتقال بحق الصرخي؛ وتم قتل وجرح أكثر من 150 شخصاً، بعض القتلى سحلوهم بالشوارع بطريقة بربرية لا صلة لها بالدين والأخلاق والإنسانية، وإعتقلت “قوات سوات” نحو 1000 فرداً فيهم عدداً بسن المراهقة.

أن مجزرة مسجد “مصعب بن عمير” بالقدر الذي تكشف فيه عن حقيقة النفسية الصفوية المريضة والحاقدة على العرب المسلمين عموماً، وأهل السُّنة خصوصاً، فإن هذا الفعل الإجرامي يدل على تواصل ثقافة الإرث الإنتقامي لدى العقلية الصفوية والتي هي أمتداد طبيعي إلى الجذور الفارسية المجوسية التي أعتنقت الإسلام ظاهرياً، وتعمل على تخريبه باطنياً. وهكذا ظهرت في البلدان العربية القرامطة والعبيدية وغيرها من الحركات الفارسية المنشأ والتي توشحت عباءة دينية ونفذت منهجاً دموياً ضد العرب المسلمين على أساس طائفي تعصبي.

وإذا قتل الصفويون الجُدد المصلين في مسجد “مصعب بن عمير”، فإن القرمطيين عندما أسسوا دولتهم في الأحساء بالبحرين فعلوا ما هو أبشع وأشنع من ذلك، حيث بلغت وحشية البطش والجبروت عندهم في عهد أبو طاهر سليمان بن الحسين الجنابي (-331 ه/-942 م) أن هاجموا مكة في موسم الحج عام 317 ه/930 م. فعملت سيوفهم بقتل الحجاج وثلاثين ألفاً من أهل البلد، وملأوا زمزم والمسجد بجثث القتلى، ونزعوا الكسوة الشريفة ومزقوها أرباً أرباً، وخلعوا باب الكعبة، وسرقوا مقتنياتها الثمينة، وقلعوا الحجر الأسود، وأحتفظوا به حتى العام 339 هجري. حيث بنوا لهم كعبة جديدة تخصهم في دولتهم. ولولا الحاجة المالية للقرامطة، حيث دفع لهم الخليفة العباسي المطيع خمسين ألف ديناراُ، لِما أرجعوا الحجر الأسود إلى مكانه، ووضعوا ستار الكعبة عليها، وأعادوا موسم الحج إلى بيت الله الحرام، والذي عطلوه طوال تلك السنين.

كان أبو طاهر من أشد القرامطة سفكاً بدماء المسلمين، وأكثرهم إنتهاكاً لحرمات الله. ففي يوم التروية، الذي يُعدّ من أشرف الأيام في مناسك الحج، كان القرامطة يذبحون الحجاج على مقربة من أبي طاهر، وهو جالس على باب الكعبة يردد قائلاً:

أنا بالله وبالله أنا    يخلق الخلق وأفنيهم أنا

أما العبيدية في دولتهم الفاطمية (297-567 ه/909-1171 م)، فلم يكتفوا بالنهج الطائفي المقيت، سواء بالتشبيهات النكرة لخلفاء رسول الله، أو الممارسات المجحفة بحق أهل السّنة. ففي عهد القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله المهدي (322-334 ه/934-945 م) كان أتباعه يرددون علانية “إلّعَنوا الغار وما حوى”. لذا أستغل أبو يزيد مخلد بن كيداد هذا الكفر وحارب القائم خمس سنوات (331-336 ه/928-932 م) تحت شعار: “اللهم إنصر وليك على مَنْ سَبَّ نبيك”. أما المعز لدين الله عند إنتقاله من تونس إلى مصر، كان ضمن رعيته المميزة شاعره الملحد محمد بن هانىء الأندلسي الذي مدحة بقصيدة قال فيها:

فكأنما أنت النبي محمدّ              وكأنما أنصارك الأنصارُ

ما شئت أنت لا ماشاءت الأقدارُ   فأحكم فأنت الواحدُ القهارُ

هذا الذي تجدي شفاعتهُ غداً       حقاً وتُخُمُد أن تراه النارُ

ولقد بلغ الغلو والتعسف في عهد الحاكم بأمر الله (996-1021) حتى أصبح المسلمين السّنة يعانون الإضطهاد والظلم والإجحاف، شأنهم شأن أهل الذمة. وذكر جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم “تاريخ الخلفاء” أن الحاكم أصدر في 396 ه/1009 م، أمراً يقضي فيه الناس بمصر والحرمين إذا ذُكر الحاكم أن يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الإجتماع. ولقد بلغ التطرف مداه بهذا الحاكم أن إدعى الألوهية، وصدق به الدروز، ومات مقتولاً جراء مؤامرة أختلف المؤرخون في تحديدها.

وإذا كانت هذه هي الجذور الفارسية المجوسية المتشيعة بأسم الإسلام، فلا غرابة أن تظهر حقيقة أحقادهم كلما ظهرت سلطتهم وسطوتهم، ولكن الغرابة عندما تسكت أغلب الأنظمة الرسمية في العالمين العربي والإسلامي عن مواجهة المشروع الصفوي الحالي في المنطقة العربية، وكأننا بإنتظار قائداً جديداً مثل صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على دولة الفاطميين بمصر وأنتصر على الصليبيين في فلسطين.

د. عماد الدين الجبوري

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق