فساد الحرس الثوري الإيراني وسيطرته على اقتصاد إيران

أينما اتجهت الأمور وكيفما كانت السيناريوهات الجديدة المتعلقة بطهران وملفها النووي، فالخاسر الأكبر هو الشعوب الإيرانية، والرابح هو الحرس الثوري وملالي طهران، فما يهم النظام الإيراني هو كيف يحقق أزلامه ثروات وأموال طائلة على حساب باقي فئات الشعب سعيا منه لضمان ولائهم له، إذ ليس في حسبان النظام الإيراني أي من فئات الشعب المستضعفة، فالحرس الثوري الذي استفاد خلال الفترة الماضية من خلال كنز الأموال وتحقيق الثروات بحجة الحصار والتهديدات الخارجية، سيكون هو من يحقق الثروات أيضا إذا ما أزيحت العقوبات، وكل الكلام عن الازدهار الذي سيحققه الشعب الإيراني سيصطدم مع واقع أن منشار الحرس الثوري سيحقق المزيد من المكاسب المادية على حساب شعب كامل، فالفساد هو سيد الموقف في هذا البلد الذي تغلغلت فيه منظومة فاسدة هي التي ستسهم في إسقاط هذا النظام وحرسه أيضا.

أنشأ الخميني الحرس الثوري عام 1981 بعد قيام الثورة الإيرانية بعامين، وهو أكثر من مجرد قوة عسكرية، فهو أيضا إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي اتسع نطاقها بشدة في السنوات العشر الأخيرة، فاستفاد من وجود الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد العضو السابق بالحرس الثوري في الحكم، وفي الآونة الأخيرة استغل الفرص التي وفرتها العقوبات الغربية، وقال دبلوماسي غربي يتابع الشأن الإيراني عن كثب لرويترز إن الدخل السنوي للحرس الثوري من مجمل أنشطته التجارية يقدر بما بين 10 و12 مليار دولار.

 ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق، لكن 12 مليار دولار تمثل نحو سدس الناتج المحلي الإجمالي الإيراني المعلن بأسعار الصرف الحالي، وقال مسؤول إيراني في طهران “إن الحرس الثوري يسيطر على شركات كبرى وقطاعات في إيران مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت.، وأضاف “رفع العقوبات سيعزز الاقتصاد وسيساعده في جني المزيد من المال”.

 والحرس الثوري الذي يدين بالولاء المطلق للمرشد علي خامنئي هو الذي قمع احتجاجات الطلبة عام 1999 وأخمد الاحتجاجات الداعية للإصلاح التي أعقبت الانتخابات التي فاز فيها أحمدي نجاد بولاية رئاسية جديدة عام 2009 وثارت نزاعات حول نتائجها، في ذلك العام اشترت شركة تابعة للحرس الثوري شركة الاتصالات التي تديرها الدولة بنحو ثمانية مليارات دولار، بعد ذلك بفترة وجيزة فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على قطاع النفط والقطاع المالي في إيران في محاولة لإجبار طهران على الحد من أنشطة برنامجها النووي الذي تقول إنه سلمي بينما يقول الغرب إنه يمكن أن يستغل لإنتاج أسلحة نووية.

 وتشير وكالة رويترز في تقريرها أنه عندما بدأت تلك العقوبات في التأثير على إيران طُلب من الحرس الثوري تولي الأعمال التي كانت تقوم بها شركات النفط الأوروبية التي اضطرت للانسحاب، وقال رئيس شركة إيرانية للاستشارات النفطية “كافأتهم الحكومة بعقود ضخمة بالإسناد المباشر، وشركات الواجهة التابعة لهم فازت بمعظم المناقصات.، وتطور شركة خاتم الأنبياء وهي شركة المقاولات التابعة للحرس الثوري التي يعتقد كثيرون أنها أكبر شركة إعمار في إيران أجزاء من حقل بارس الجنوبي ولديها عقد قيمته 1.2 مليار دولار لبناء خط لمترو طهران، وعقد قيمته 1.3 مليار دولار لمد خط أنابيب إلى باكستا،.لكن الحرس الثوري يتمتع أيضا بميزات تنافسية كبيرة ستحقق فوائد أكبر مع تخفيف العقوبات، وقال الدبلوماسي الغربي “انخفاض تكاليف التأمين والشحن والعمولات مع البنوك ستمكن الحرس الثوري أيضا من حرية استيراد قطع الغيار والمعدات والتكنولوجيا من الشركات العالمية”، وتجري معظم أنشطة الحرس الثوري التجارية من خلال شركات واجهة لا تملك القوة، والكثير منها رسمية وإنما يملكها أفراد وشركات مرتبطون بها، وتحتاج الشركات الأجنبية إلى شريك إيراني حتى تمارس نشاطها في إيران، مما يعني أنه في حالة المشاريع الكبيرة ستكون في الأغلب شركات يسيطر عليها الحرس الثور، وقد يسمح هذا على سبيل المثال لشركات النفط الغربية التي تريد إيران جذبها لتعاود ممارسة أنشطتها في البلاد، بالعمل بعيدا عن شركة خاتم الأنبياء التي تصنفها واشنطن على أنها “تنشر أسلحة الدمار الشامل” ولها ما لا يقل عن 812 شركة تابعة لها، لكن الحرس الثوري لديه ما يكفي من الأسباب الشخصية ليرحب بالاتفاق والتي تتجاوز النمو الاقتصادي والعقود المحتملة مع الشركات الأجنبية التي تستعد حاليا للاستثمار في إيران.

 وعلى الرغم من براعته في التحايل على العقوبات التجارية على سبيل المثال من خلال التجارة عبر دولة ثالثة، فإنه تبين أن هناك بعض القيود التي لا يمكن تجاوزها، وضخم الرئيس الإيراني البراغماتي حسن روحاني من شأن الانتعاش الاقتصادي الذي يعد به رفع العقوبات، وهو يسعى لتحفيز نمو قطاع خاص حقيقي تطغى عليه حاليا الشركات المملوكة للدولة، وكان بعض الساسة الداعين للإصلاح قد اتهموا الشركات المرتبطة بالحرس الثوري بسوء الإدارة، وفي الوقت الحالي لا توجد مؤشرات تذكر على أن الدعم السياسي الذي يتمتع به الحرس الثوري سيتراجع، فزعماء إيران يشيدون علنا بدوره في إدارة قطاع النفط الإيراني، لقد رحل أحمدي نجاد لكن أعضاء سابقين غيره بالحرس الثوري يشغلون مناصب مهمة ومنهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني ورئيس البرلمان علي لاريجاني.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق