عهد مرحلة جديدة تمر بها السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز

عهد مرحلة جديدة تمر بها السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز

تمثل السعودية الركيزة الأساسية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهي الثروة الأساسية للسعودية، وتعتبر ميزة أكبر بكثير من النفط، وهي واقعة في منطقة من أكثر مناطق العالم اضطرابا زاد هذا الاضطراب بعد الثورات العربية عام 2011.

ظلت السعودية خلال العقود الماضية حريصة على تفادي الحماقات الذاتية التي ضربت كثيراً من الدول المجاورة مثل العراق وليبيا وغيرها التي ضربتها الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والثورات التي جعلت منها مناطق للصراع الدولي والإقليمي كما في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان التي صاحبها انهيارات اقتصادية بعد انهيار الدولة الحديثة وحلت محلها المليشيات والجماعات.

 ظلت السعودية صامدة في بحر هائج بالأمواج العالية يعاني من الاضطرابات والفوضى، بينما تحاول السعودية تخفيف حدة الصدمات التي ضربت تلك المناطق واحتوائها في حدها الأدنى حتى لا تصل إليها نيران وفوضى هذه الدول، أو تهدد أمنها وحدودها كما حدث في حسينية الدالوة وفي الحدود مع محافظة الأنبار وعلى الحدود مع اليمن.

لعبت السعودية دورا محوريا وحاسما في حفظ أمن البحرين واستعادة الاستقرار في مصر لتشكيل محور عربي جديد كنواة لحل بقية الأزمات العربية بسبب أن المعاناة عربية شاملة ولا تزال.

الملك سلمان يعي المخاطر ولا يهابها بسبب أنه يدرك أن العواصف لا زالت طاغية على المنطقة، ولا زالت السعودية تقود المرحلة في ظل استرضاء أميركا إيران وإسرائيل الانتهازيتين في المنطقة، وموقف الولايات المتحدة من مصر المريب، والموقف المتردد حيال الأزمة السورية، وإرسال إشارات خاطئة إلى المنطقة حول الملف الإيراني النووي.

 زالت وجوه الغموض عن السياسة السعودية، وتعتبر السعودية ميزان الاستقرار داخل دول الخليج رغم الضغوط التي عانتها في الفترة الماضية وحاولت تخطيها بكل السبل الممكنة من خلال حلفائها خصوصا دولة الكويت والإمارات، وإعادة مسار الشراكة مع الولايات المتحدة خصوصا بعد زيارة أوباما للسعودية بوفد رفيع المستوى من المخضرمين من الحزبين بعد إدراك أوباما أهمية الدور الحيوي للسعودية خصوصا بعدما أظهرت السعودية الانتقال السلس في الحكم، وأظهر الملك سلمان لأوباما عند زيارته استعداد السعودية تولي القيام بدور أكثر فاعلية في حلبة العلاقات الإقليمية والدولية وقدرة السعودية في تنشيط الدبلوماسية السعودية في الأوقات الحاسمة.

 السعودية بقيادة الملك سلمان قادرة على قيادة المرحلة القادمة، وتحديد المسارات التي يمكن أن تنطلق منها السياسة الخارجية، ولن تتغير تلك السياسة الخارجية في ثوابتها ومنطلقاتها، ولكنها سياسات قابلة للتصويب والمراجعة، إذ لا توجد سياسة خارجية جامدة، بل يجب أن تتواءم وفق المتغيرات والمستجدات الإقليمية والعالمية.

الملك سلمان بن عبد العزيز بين مسارات التحديات والانجازات التنموية الهائلة التي تحققت في الفترة الماضية على الصعيد الداخلي، وسيواصل مسيرة التفوق الأخلاقي الذي تتبعه السعودية على الدوام، لأنها تركز على اتباع سياسة المبدأ والحكمة والتعقل.

تأتت بصمة الملك سلمان من خلال ترشيد السياسات التي لم تؤت أكلها في الفترة الماضية بما يتواءم مع متطلبات المرحلة، ما يدل على أن الملك سلمان وفق رؤية ناضجة ومؤسسية تركز على المرحلة المقبلة، ولكن هذا لا يعتبر تخلي أو تراجع السعودية عن واجبها الذي خطته في السنوات الأخيرة أو على الدوام.

بعد استقرار السياسات فإن الأولوية كانت للداخل السعودي، والتي بدأها الملك سلمان برؤية إستراتيجية جديدة بضخ دماء شابة نحو التطوير والإصلاح ضمت 13 وزيرا جديدا لتعزيز الأداء الحكومي، وإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وبرزت التكنوقراطية والمهنية في تشكيله.

إنشاء مجلسين يرتبطان تنظيميا بمجلس الوزراء، هما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مع إلغاء المجالس القديمة لتقوية أجهزة الدولة وإلغاء البيروقراطية، وحزمة اقتصادية غير مسبوقة ب 110 مليارات ريال لدعم المواطنين والإسكان وتعديل سلم معاش الضمان، أي مواصلة مسيرة القضاء على الفقر.

ستواصل السعودية تنفيذ المشروعات التنموية على المدى المتوسط (3-5 سنوات) وأنها قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط خلال تلك الفترة لأنها تتكئ على احتياطيات نقدية تكونت خلال الفترة الماضية بنحو 2.8 تريليون ريال (746.7 مليار دولار) بنهاية نوفمبر 2014.

يواصل الملك سلمان سياسة محاربة الإرهاب عن طريق تحصين الداخل من خلال الإصلاحات الحذرة التي لا تثير التيار الديني الرافض للإرهاب وتجنيد الشباب السعودي في الساحات السورية وغيرها التي تنضوي تحت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

السعودية مشاركة في محاربة الإرهاب ولديها قيادة قوية لهزيمة داعش لاستعادة العراق كدولة مستقرة وإقالة سوريا من عثرتها، وحرص الدولة على حشد وتعبئة الطاقات المسلمة ضد هذه الجماعات التي يعد المسلمون من ضحاياها، وتدرك السعودية أن هناك جهات عدة مستفيدة من نمو الإرهاب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق