داعش أحد أدوات تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد

داعش أحد أدوات تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد

أرادت الولايات المتحدة أن تنقل تجربة أوروبا حول الإصلاح الديني في العصور الوسطى إلى منطقة الشرق الأوسط، بحجة مواجهة الإرهاب العالمي، الذي خلقته الولايات المتحدة في المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر بغزوها أفغانستان والعراق بحجة محاربة الإرهاب في المنطقة الذي تسبب في أحداث 11 سبتمبر.

 حتى أصبح الإرهاب معضلة، ويتساءل الكثيرون هل هو إشكالية عالمية في الأمن أم في المفاهيم؟ لكن البابا أجاب على هذه الإشكالية التي اسمها الإرهاب عندما صرح (العالم يشهد مناخ حرب عالمية ثالثة يؤججه دعاة الصدام بين الحضارات) لمجرد فقط نقض اتفاقية سايكس بيكو التي مضى عليها أكثر من مائة عام لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتواءم مع متطلبات مرحلة جديدة من الهيمنة ما بعد الحرب الباردة استباقا لمرحلة مستقبلية في صراع على الشرق الأوسط مع دول صاعدة مثل الصين.

تجربة أوروبا في صياغة حركة الإصلاح الديني التي كانت بداية تفسخ في وسط وغرب أوروبا إلى مذاهب مسيحية مختلفة كثيرا، منها رافضة للمذهب الكاثوليكي ولقيادة الكنيسة في روما، وأثرت حركة مارتن لوثر في فتح المجال أمام ظهور مزيد من حركات الإصلاح المسيحي التي استمرت حتى يومنا هذا، أثرت في النسيج السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي.

شجع مارتن لوثر الكثير من المتحفظين والرافضين لرؤية الكنيسة الضيقة والمتشددة في الديانة المسيحية في رفض ممارسات الكنيسة في بيع صكوك الغفران، باعتبار أن الله هو غافر الذنوب وليس للكنيسة أي دور في هذا الإطار، التي ركزت السلطة في أيدي البابا والسلك الكنسي.

اتخذت الحركة الإصلاحية من سويسرا المنقسمة إلى ثلاث عشرة مقاطعة بلا سلطة مركزية قوية وهو ما منحها هامشا من الحركة والحرية مقارنة بدول أوروبية أخرى لها سلطة مركزية قوية مرتبطة بشكل مباشر بسلطان الكنيسة في روما.

وجدت الولايات المتحدة مبتغاها في ثورات الربيع العربي التي ساهمت في انهيار دول منقسمة بلا سلطة مركزية كما في العراق بعد الغزو الأمريكي، وفي سوريا وليبيا نتيجة ثورات الربيع العربي.

لمجرد أن تنقلب على  السعودية ومصر اللتان تشكلان محورا ارتكاز للعالم العربي والإسلامي، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ الخلط بين مسيرتي التجربة السياسية المسيحية والإسلامية، ومحاولة فرض بعض مسلمات التجربة المسيحية في الغرب على النموذج الإسلامي، لأن المزج الديني بالسياسي انتهى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما استمر إضفاء الشرعية الدينية على الشرعية السياسية، ولم تكن موجودة أو متشابهة مع الحالة الكاثوليكية.

كانت تعتقد أمريكا في إيران بأنها قادرة على أن تقود تلك التجربة، واستمرت حتى بعدما اكتشفت خطأ تلك التجربة، قد يكون هناك هدف مخفي من أجل تصوير الدين الإسلامي بأنه دين إرهابي، حتى يساهم في مزيد من الخوف من الإسلام حتى يمنع دخول مزيد من المسيحيين الرافضين للكنيسة في هذا الدين.

أربكت السعودية خطط أمريكا بعدما دعمت مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين الذين كانت تعول عليهم أمريكا في محاربة الإرهاب، ما جعلها  تهيأ بيئة مناسبة تنمو فيها داعش، وتركت تخوض حروب مجانية دون أي قتال، وكأنه هناك توافق أمريكي إيراني خصوصا عندما هرب 30 ألف جندي عراقي في الموصل في وجه ألف مقاتل من داعش، وتسليمه كافة أنواع الأسلحة الأمريكية الخفيفة والثقيلة، وتتكرر العملية في الرمادي عندما فر عشرة آلاف جندي عراقي أسرع من ورق صندوق ورقي تحت المطر أمام فقط 400 مقاتل من داعش، حتى أصبح التنظيم يمتلك احتياطيات كافية من الأسلحة لمواصلة حربه في سوريا والعراق لفترة طويلة كما تدعي الولايات المتحدة.

حتى أصبحت واشنطن تكرر أن تنظيم داعش تنظيم متآمر ولم تر مثله، بينما ثبتت هزيمة داعش في عين العرب، واستطاع الأكراد بقيادة برزاني في العراق من مواجهة داعش، على خلاف ذلك فشل الجيش العراقي وكأنه أصبح غير قادر على مواجهة داعش، حتى يتدخل الحشد الشعبي لمواجهة داعش، وممارسة تطهير عرقي وفرز طائفي من أجل استمرار تهميش السنة في العراق.

تحول العراق وسوريا إلى حرب طائفية ومذهبية، وهي مؤامرة لرسم حدود لأنظمة، ودول طائفية ومذهبية وعرقية تحل محل الحدود الاستعمارية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو في العراق وسوريا، وهو ما ترفض السعودية تطبيقه في اليمن، وتصر على تطبيق الدولة الاتحادية الفيدرالية التي تتكون من ستة أقاليم.

اتفاقية سايكس بيكو جزأت المنطقة الجغرافية إلى أقاليم سياسية، بينما مشروع الشرق الأوسط الجديد يقسم الإقليم السياسي إلى مقاطعات بلا سلطة مركزية قوية، كما في العراق حاليا بالتعاون مع إيران في تنفيذ هذا المشروع، رغم وجود صراع خفي بين إيران وأمريكا في أن يستثمر أحدهما بداعش في السيطرة على الأرض، وفي أن يستأثر أحدهما بالمنطقة دون الآخر، لذلك تريد أمريكا التوازن بين الحشد الشعبي والعشائر السنية في العراق، يمكن أن يستثمره العرب في منع تنفيذ هذا المشروع، وهل يقبل العرب بتنفيذ هذا المشروع في سوريا الذي فشل في مصر وتونس وستفشله السعودية في اليمن؟

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق