تمازج التكامل لمواجهة التحديات الإقليمية

تميزت السعودية دوما بسياسة الاتزان، وظلت رمانة التوازن، وعمود البيت العربي، عين السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز على هندسة البيت السياسي وأخرى على استقرار الإقليم.

السعودية بلد محوري لا يركن لابتزازات سياسية، أو لتكهنات تتوقع تحولات سريعة في السياسة السعودية التي هي ضرب من خيال هؤلاء المتربصين.

وحد الملك عبد العزيز ثلاثة أرباع مساحة الجزيرة العربية في وطن واحد ليكون المشروع العربي الاتحادي الأكثر نجاحا في القرن الماضي، تلاه في سبعينات القرن الماضي أيضا ولادة اتحاد إماراتي بقيادة مؤسس الدولة الاتحادية الشيخ زايد.

بعدها بدأ ملوك وأمراء وسلطان عمان في بناء مؤسسة تعاون كانت مظلة لمجلس دول التعاون الخليجي الذي ضم الدول العربية الست المطلة على الخليج العربي في 1980 درءا لأخطار ظلت محدقة بهذه الدول قليلة السكان كثيرة الموارد وهو الذي يزيد الأطماع لدى العديدين من دول وجماعات.

ساهمت السعودية الدولة الكبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي في رأب الصدع في أركان عالم عربي صار يتداعى لتنجز في 1989 اتفاق الطائف منهية بذلك نحو عقدين من حرب أهلية لبنانية وساهمت في حل الكثير من القضايا العربية.

المرحلة تغيرت وترى السعودية أن تنطلق من خلال رؤى مشتركة وموحدة لذلك هي ترى أن دولة قطر دولة خليجية لا يمكن أن يتمازج التكامل لخليج واحد من دون دولة قطر، وفي نفس الوقت ترى أن دولة مصر دولة محورية وعمق إستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا في ظل التحديات والتهديدات التي تشهدها المنطقة، ما يفرض أن يكون لدى المنطقة صلابة في مواجهة أشواك الدبلوماسية في خضم أحداث كبرى إقليمية ودولية تهدد المنطقة وخلقت فوضى واضطرابات لا حدود لها.

 كانت البداية في احتواء القاهرة وأغلب عواصم دول الخليج محاولات التشويش على العلاقات الإستراتيجية الراسخة من الجانبين، ومحاولة تعكير أجوائها، لكن مثل هؤلاء لا يدركون متانة العلاقات الراسخة بين السعودية ومصر رغم المتغيرات والاختلافات التي مرت بين الجانبين.

 وضع أسس تلك العلاقة مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز، وأكد ثباتها الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يدرك حقيقة الاتصال الحضاري بين مصر والجزيرة العربية منذ آلاف السنين.

بعد هذا الاحتواء شهدت الرياض لقاء حكماء الخليج بين الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت والملك سلمان لتأكيد تمازج التكامل لخليج واحد، واعتبرا أن دول الخليج مجتمعة تشكل مطمعا لأصحاب النفوس الرخيصة، مؤكدين على ضرورة العمل على التعاون الأمني والاستخباري والاقتصادي إلى جانب التنسيق الدبلوماسي الجماعي من أجل أن لا تتحقق غايات الأعداء ويعود كيدهم إلى نحورهم ما يعني استمرار المصالحة التي رعاها الملك عبد الله بين دولة قطر ومصر.

العالم يراقب مواقف الرياض وعلاقتها بدول الخليج من جهة ومصر من جهة أخرى التي لن تتغير وهو ما أكده الملك سلمان للزيارة الثانية التي استضافتها الرياض للشيخ محمد بن زايد بعد الزيارة الأولى لحكيم الخليج أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، اللقاء الثاني كان لقاء العمق السياسي والرؤية الموحدة لمواجهة التحديات الإقليمية وهي علاقة متممة لمجلس خليجي يطمح في الاتحاد.

اختتمت تلك الزيارات بزيارة أمير دولة قطر التي أحبطت كل المراهنات في تفكيك عرى دول مجلس التعاون الخليجي، ونسف وزير خارجية دولة قطر كل التشكيكات في تماسك مواقف دول مجلس التعاون الخليجي عندما قال بأنه ليس هناك خلاف بين الدوحة والقاهرة يستدعي رأب الصدع، وأضاف أن قطر تتمنى دائما العافية والخير لمصر وشعبها.

أفرزت أحداث المنطقة ما يعرف بالربيع العربي من اضطرابات وتنامي المجموعات الإرهابية، تستدعي العمل الجماعي الخليجي، وتستدعي رؤية مشتركة على غرار الرؤية التي تشكلت في الفترة الماضية ما بين السعودية ودولة الإمارات اللتان تعتبران أن استقرار مصر أساس لاستقرار العالم العربي.

تدرك السعودية أن مفهوم الأمن الإقليمي حل محل الأمن الوطني في ظل غياب أمن دولي نتيجة التخبط الذي يجري في مجلس الأمن، ولا أود أن أكرر ما يردده البعض من أن أمريكا بالنسبة إلى العرب دولة لا يعتمد عليها، وهذا ليس جديدا وليس خفيا في نفس الوقت.

كما لا أود أن أكرر مقولات المؤامرة وإن كانت هي حقيقية من أن إستراتيجية الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة تستخدم حرب الاستخبارات وهي التي تسمى بالحرب القذرة.

حتى ولو كانت داعش في الحقيقة هي الذراع الإرهابي للولايات المتحدة، وأنها سارعت إلى تشكيل تحالف دولي لإنشاء خطوط لحماية داعش، ويكفي صورة الطائرات في حي الصخر في العراق عندما كانت هناك خمس طائرات تلقي أسلحة لداعش حتى يصمد.

أي أن التحالف الدولي يخدم داعش شاء من شاء وأبى من أبى لخلق فوضى في المنطقة حتى لا تسمح بأي تحرك عسكري ضد إسرائيل لحماية أمنها بعدما أصبح السلاح موجها بين المسلمين أنفسهم، وهو ما أكده رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق في محاضرة له أمام جمع من الطلاب عام 2006 عندما قال نصدر سلاح يناسبنا حتى يتقاتل المسلمون فيستغيثون بنا.

أيا يكن، فإن أجندات أمريكا في مكافحة الإرهاب تختلف عن أجندتنا، ولهذا رفضتا تركيا ومصر الانضمام إلى هذا التحالف، وبالفعل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أجنداتها وضرب عصافير بحجر واحد وليس عصفورين كما يقال.

عندما يرى شعبي الموصل والأنبار الحشد الشعبي المذهبي قادم لمحاربة داعش، لأن المركز يمتنع عن تسليح العشائر السنية، وترفض الولايات المتحدة أيضا تسليحهم بمعزل عن المركز، بينما سلحت الولايات المتحدة الصحوة من أجل أن تحمي جنودها قبل انسحابهم من العراق من هجمات القاعدة ومن هجمات المليشيات الشيعية، لذلك هم يفضلون داعش على الحشد الشعبي.

بالفعل نجح داعش في تجنيد القرويين والبسطاء، بجانب تجنيد الخلايا النائمة المستاءة من المالكي ومن قرار الحكومة المركزية في منع تسليح العشائر السنية للدفاع عن أنفسها بسبب فقدان الثقة بين الجانبين.

حتى الجيش العراقي الذي يعتبر الركيزة الأساسية، لكن الحشد الشعبي الشيعي بقيادة المالكي يمارس أدوارا شبيهة بالأدوار التي سبق أن مورست في عهد صدام حسين في كركوك عندما مارست تعريب المناطق الكردية في جلولاء وكركوك وغيرها لذلك هي تتحسس من الحشد الشعبي أن يمارس أدوار مشابهة.

القانون العراقي لا يسمح باستخدام قوات أو مليشيات ما لم تطلب قوات الحشد الشعبي لمناصرتها من داعش، وصرح محافظ كركوك قائلا حينما نحتاج إليهم سنبلغهم بأننا بحاجة إليهم، لكن هناك تعويل إعلامي من بعض المليشيات والشخصيات الغوغائية المؤثرة في الشارع الشيعي وعلى رأسهم المالكي الذي لا يزال يهيمن على تلك المليشيات بقيادة هادي العامري الذي كان رئيس منظمة بدر وسبق أن مارس تطهيرا عرقيا، من أجل التشكيك في رئيس الوزراء العبادي الذي يود التخلص من تركة المالكي ولكنه لم يتمكن بضغط من الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا.

وفي تصريح للحكيم الذي اعتبر أن الإرهاب الذي يضرب العراق أتى من سوريا، وكأنه يبرئ سياسات المالكي الإيراني في استهداف السنة واتهامهم بالإرهاب، والآن الحشد الشعبي الذي يمارس تطهير عرقي والقتل على الهوية الذي يهيمن عليه المالكي عدو السنة وهي كافية بأن تكون عوامل لدعم بذور الإرهاب.

يعقد المؤتمر الخامس لرؤساء هيئة الأركان ضد الإرهاب في السعودية، وسبق أن عقدت مؤتمرات سابقة في الأردن وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، ولكن يجب أن تكون العلاقات العربية-العربية حاضرة في هذا المؤتمر، فمصر في طلعة واحدة قتلت 58 من الإرهابيين، بينما الولايات المتحدة خلال خمسة أشهر لم تخسر داعش من الأراضي التي تسيطر عليها سوى واحد في المائة، بل لا زالت تهجم وتسيطر على مناطق جديدة.

إذا تم الاعتماد على أمريكا تحتاج إلى وقت طويل لأن أجندتها غير الأجندة العربية، وتدريب المعارضة السورية ينتهي في عام 2017.

يجب أن يكون هناك حل عربي ضاغط في هذا المؤتمر، خصوصا بعدما أصبحت داعش في ليبيا وبدأت تهدد أمن مصر، وكما تستخدم روسيا والصين الفيتو ضد أي قرار يصدر لصالح الشعب السوري ضد النظام، تستخدم الولايات المتحدة وبريطانيا ضد أي قرار يصدر في ليبيا تتقدم به مصر وروسيا أي أن المنطقة العربية تحولت إلى صراع وتصفية حسابات بين القوى الكبرى فيجب مكافحة الإرهاب مكافحة شاملة بينما الجزئية في مناطق دون الأخرى يجعل الإرهاب يتنامى.

الموقف العسكري وبعض التطورات للمرحلة المقبلة تحتاج إلى قدرات غير تقليدية سواء من تقديم الدعم اللوجستي أو تقديم الدعم المادي، لأن الولايات المتحدة والغرب مستفيدون من الوقت، بينما دول الخليج تريد الحسم بسرعة، وهي القوة المؤثرة الوحيدة الباقية.

يجب أن يكون لدول الخليج وجهة نظر واضحة ومباشرة وإجرائية حتى لو كانت تحت سقف عربي، خصوصا في ظل اعتراف الولايات المتحدة بأنها ليست لديها إستراتيجية لمحاربة الإرهاب بينما هي لديها خطة عمل، ويتزامن مع انعقاد هذا المؤتمر انعقاد قمة أمريكية لا تتحدث عن خطط عسكرية بل عن أدوات أخرى غير عسكرية لا تؤثر على مكافحة الإرهاب بشكل سريع الذي يضرب المنطقة العربية.

بسبب أن داعش يتقدم على الأرض، فهذا المؤتمر ليس هو مخصص فقط للتقييم والمراجعة، بل لاتخاذ خطوات إجرائية حاسمة من خلال إرسال وحدات بحرية لتحييد داعش في ليبيا بعد تصويرها مشهد ذبح الأقباط المصريين على ساحل البحر.

تطوير المرحلة الحالية التي تكاد تكون النتائج غير ملموسة، فهناك نقطتان لمكافحة الإرهاب بشكل سريع الأولى في إيجاد قوة تدخل سريع لإنقاذ الطيارين حال سقوطهم، وتشكيل قوات خاصة تنزل في أماكن الحدث لأن الطيران وحده لا يكفي بسبب أن هناك أمور سياسية في العراق وفي سوريا تتعارض مع وجود قوات برية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق